وفى الليلة الظلماء يفتقد فيها البدر.. هو شطر بيت للشاعر أبوفراس الحمدانى، وهو حال أهل اليمن اليوم، وكان عنترة بن شداد يلوم قومه الذين تجاهلوه فى الوقت الذى احتاجوه، وبعد قرون يلوم أهله فى اليمن الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة، فلا بدر ولا حتى هلال أنار لهم ليلة حالكة السواد عاشوها بعد استمرار انقطاع التيار الكهربائى لأكثر من 30 ساعة متواصلة. كما لم يشاهد نور فى السماء، اللهم إلا قبل الفجر عندما دوت فى سماء صنعاء المضادات الأرضية وهى تتصدى لطائرات تحالف عاصفة الحزم لليوم العشرين، وأضاءت القذائف السماء لدقائق معدودات ولم تفلح كالعادة فى إسقاط أى طائرة، غير أن هذه القذائف تتسبب فقط فى خسائر بين المواطنين من القذائف الراجعة والتي أدت إلى مقتل وإصابة العديد من اليمنيين. إذن هى ليلة مظلمة تلك التى عاشها اليمنيون فى جميع المحافظات والواقع أن انقطاع الكهرباء فى اليمن أمر عادى للغاية ويتعايش معه اليمنيون منذ عقود ولكن غير العادى فى هذه الليلة أن الظلام عم جميع المحافظات دون استثناء وكان المسؤولون فى مؤسسة الكهرباء يقطعون التيار بالتناوب بين الأحياء ويواصل اليمنيون حياتهم، وبالأمس توقفت محطة كهرباء مأرب الغازية - المحطة الرئيسية باليمن - عن العمل بسبب اعتداء على خطوط نقل الطاقة مما تسبب فى عدم وصول التيار إلى صنعاء ومحافظات أخرى. وزاد الطين بله فى هذه الأزمة أن المواطنين كانوا فى السابق يجدون البنزين والسولار لتشغيل مولدات الكهرباء البسيطة المستخدمة فى المنازل والمحال الصغيرة، والآن لا بنزين ولا سولار ولا أى شىء له صلة بالطاقة وتوقفت المولدات البسيطة عن العمل لعدم استطاعتهم شراء الوقود غير الموجود فى المحطات التى أغلقت أبوابها، كما أغلقت المحال أبوابها هى الأخرى وهى التى كانت فى السابق تزعج العاصمة بالضجيج الصادر عن أصوات المولدات وفضل المواطنون البقاء فى منازلهم بعد العشاء لتخلوا العاصمة من السيارات والمواطنين أملا فى صباح قد تعود فيه الكهرباء. وكانت مؤسسة الكهرباء قد حذرت من أن محطات توليد الطاقة ستتوقف عن العمل فى غضون أيام إذا لم تتوافر مادتا المازوت والديزل لتشغيل المحطات، ويبدو أن المتقاتلين فى مأرب طبقوا المثل "وقوع البلاء ولا انتظاره" فضربوا خطوط نقل الكهرباء قبل أن تتوقف محطة مأرب عن العمل. ولم يجد المواطنون أحدا يلومونه على ذلك سوى من أوصلوهم إلى الوضع الراهن، فيما ألقى كل طرف من المتحاربين باللائمة على الآخر، إذ يتهم الحوثيون القبائل فى مأرب بالتسبب فى قطع خطوط نقل التيار، فيما يؤكد القبليون أنهم قصفوا الخطوط عن عمد، ويبقى المواطنون هم الضحية فبعد أن اشتروا وخزنوا المواد الغذائية جاء انقطاع التيار ليفسد المواد الغذائية التي حفظوها فى الثلاجات ولا يبقى لديهم سوى البقوليات والمعلبات ليخزنوها فى ظل هذه الأوضاع بالإضافة إلى السلعتين الرئيسيتين لديهم وهما الدقيق والقمح والذى ارتفع سعر العبوة 50 كيلوجراما إلى أكثر من الضعف فى صنعاء من 3 آلاف ريال إلى ستة آلاف وفى عدن ارتفع السعر بسبب القتال الدائر هناك إلى 50 ألفا كما يقول أهالى عدن. وفى محاولة لامتصاص غضب المواطنين أكد مسؤولون فى مؤسسة الكهرباء أن فريقا هندسيا من المؤسسة يعمل حاليا على إصلاح خطوط النقل وتمكن من إصلاح الخلل فى منطقة "فرضة نهم" ولكن محطة مأرب لم تعمل لأنه لم يتم إصلاح آثار الاعتداءات على الخطوط فى منطقة الجدعان حتى الآن وأن العمل مستمر ومن المتوقع أن يعود التيار خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة. وأكد مصدر مسؤول بالمؤسسة أن ما زاد من حدة المشكلة هو توقف محطات توليد الطاقة فى المحافظات عن العمل بسبب عدم توافر الديزل.. وطالب المتحاربين بإبعاد المنشآت الخدمية عن صراعاتهم لأن المتضرر هو المواطن البسيط.