الأزهر يعترض على منح «الأوقاف» حق الإفتاء دون مشاركة أبنائه    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    برلماني : تجديد الخطاب الديني أحد المرتكزات الأساسية لاستقرار الدولة    ضبط نصف طن لحوم غير صالحة للاستهلاك بأسيوط    وكالة الفضاء المصرية تستضيف المنتدى الصيني لتعزيز التعاون    إزالة فورية للتعديات على طريق «كفرالشيخ - المحلة»    العملات المشفرة تتراجع.. وبيتكوين تحت مستوى 95 ألف دولار    محافظ الجيزة: رفع 200 طن مخلفات من منطقة القومية وضبط 30 فريز للقمامة    تعليم أسيوط يحصد المركزين الثاني والثالث جمهوري بالمسابقة الوطنية لشباب المبتكرين    الدولة تلتزم بأسعار شراء القطن المعلنة وصرف 95% من المستحقات.. خبراء: يعكس جدية الحكومة في دعم المزارعين    من الأوامر التنفيذية إلى تعطيل القيم.. ترامب يكتب دستوره الخاص    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: قرار الحكومة توسيع العملية في غزة تضحية بأبنائنا    صاروخ الحوثيين على مطار بن غوريون.. إنذار إستراتيجي وتراشق بالاتهامات بين إسرائيل وإيران    رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي: لن نشارك في توزيع المساعدات الإنسانية بقطاع غزة    الهند تحبط مخططا إرهابيا في قطاع بونش بإقليم جامو وكشمير    المستشارة القضائية الإسرائيلية تطالب نتنياهو بالتحقيق في أحداث 7 أكتوبر    استئناف الجولة 34 ببطولة دوري المحترفين    رئيس بايرن التنفيذي: كين يمكنه الفوز بالألقاب    بعد خماسية الحدود.. شوبير: مطالبات باستمرار عماد النحاس مديرا فنيا للأهلي    إصابة 12 شخصا في انقلاب ميكروباص بالشرقية    فيديو.. الأرصاد: ارتفاعات تدريجية في درجات الحرارة اعتبارا من الغد    التحقيق في اتهام لاعتداء بالضرب على جوري بكر من طليقها فى أكتوبر    حجز «سايس» تحرش بسيدة داخل عقار بالعجوزة    عمرو دياب يتألق ويشغل ليل دبي وسط الآلاف من جمهوره    جامعة جنوب الوادي تحصد مراكز متقدمة في مهرجان إبداع 13    نائب وزير الصحة: أهمية التوسع في إنشاء غرف المشورة الأسرية بأسوان    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    صدمة لجماهير الأهلي.. صفقة واعدة تبتعد    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    وفاة طفلتين شقيقتين انهار عليهما جدار في قنا    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    انتظام الدراسة بعدداً من مدارس إدارة ايتاى البارود بالبحيرة    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    نويرة بين كنوز موسيقار الأجيال ونجوم الأوبرا تجيد أداء أيقونات النهر الخالد "صور"    "صحة غزة": عدد الشهداء الأطفال تجاوز 16 ألفا.. والقطاع يشهد مؤشرات خطيرة    بالفيديو.. متحدث الوزراء: تنسيق كامل بين الجهات المختلفة لزيادة عدد الحضانات    مركز طبي كفر شكر بالقليوبية يحصل على اعتماد هيئة الرقابة    الرعاية الصحية تنظم فعالية حول الوقاية من الجلطات الوريدية في مرضى الأورام    شيخ الأزهر يستقبل الطالب محمد حسن ويوجه بدعمه تعليميًا وعلاج شقيقته    النحاس يبدأ دراسة نقاط القوة والضعف في المصري قبل مواجهة الخميس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 5-5-2025 في محافظة قنا    بدء نقل جميع مقار إدارات ولجان الفتوى بمجلس الدولة للمقر الجديد    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    تعرف على ضوابط عمالة الأطفال وفقا للقانون بعد واقعة طفلة القاهرة    نتائج شبه نهائية: رومانيا تتجه إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في 18 مايو    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    أمير هشام: الزمالك في مفاوضات متقدمة مع البركاوي.. وبوزوق ضمن الترشيحات    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    بعد تعرضه لوعكة مفاجئة.. تطورات الحالة الصحية للفنان صبري عبدالمنعم    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



24 ساعة داخل خزان وقود
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 04 - 2015

التقى ثلاثة من اللاجئين السوريين في تركيا وعبروا الحدود إلى اليونان، لكنهم أرادوا الذهاب لأبعد من هذا. ومع نفاد أموالهم، واعتماد أسرهم المقيمة في تركيا عليهم لإيجاد مأوى جديد، قاموا بمحاولة أخيرة للوصول إلى إيطاليا. سعيد يروي قصتهم.
علمنا أن السفر في حاوية وقود فكرة سيئة. جربها شباب سوريون من قبل، وكلهم قالوا لنا "لا تفعلوا ذلك". لكننا كنا بحاجة شديدة للخروج من اليونان.
ظللت عالقا في اليونان لمدة شهرين، أعيش في شقة في العاصمة أثينا مع أنس وبادي. لم نجد عملا، ولا مساعدة، ولا طريقة للنجاة. كانت الشرطة تطاردنا يوميا بشكل قاس، ويسألون: "أين أوراقكم؟ أين أوراقكم؟"
كان المهربون يجلسون في المقاهي باستمرار، وغالبيتهم من العرب والأكراد، يتحدثون عن الطرق التي يهربون بها الناس إلى دول غرب أوروبا الأخرى، في طائرة أو قارب أو خزان وقود في شاحنة.
خزان الوقود هو الأسوأ، لكنه طريقة أكيدة للوصول. قالوا "قد تصير جثة لدى وصولك، لكنك ستصل في كل الأحوال".
الرجل الذي أخبرنا عن طريقة الهرب في الشاحنة كان مصريا، يدير مقهى للانترنت كواجهة لعمليات التهريب. الكثير من الفتيان العرب يجلسون في المقهى يتحدثون إلى آبائهم عبر موقع سكايب، ويستمع هو لمحادثاتهم ليعرف من يحاول الهرب إلى فرنسا أو إيطاليا. وأخبرنا أنه يعرف سائقا يونانيا في طريقه إلى مدينة ميلان الإيطالية، ويمكنه أن ينقلنا في خزان الوقود الإضافي مقابل خمسة آلاف يورو للفرد.
غادرنا أثينا في سيارة أجرة، أنا وبادي وأنس وشاب عراقي لا نعرفه. اصطحبنا السائق إلى مخزن في منطقة صناعية قريبة من البحر، وكانت الشاحنة مخبئة داخل المخزن، فدخلنا وأغلق السائق الباب.
دعانا السائق إلى قضاء حاجتنا في دورة المياه قبل دخول الخزان، لكنني لم أفعل إذ كنت شديد التوتر.
ثلاثة في الخزان
اضطررنا للزحف أسفل الشاحنة والمرور عبر باب ضيق كي ندخل الخزان. بمجرد أن رأيت الخزان قلت لنفسي "سنموت هنا".
وعندما نظرنا إلى الباب الضيق أسفل الشاحنة، صلينا ودعونا لأبنائنا قبل حشر أنفسنا في الخزان. ثم أدار السائق محرك الشاحنة.
وبمجرد تحرك الشاحنة، علمنا أننا لن نصمد لمدة ساعة. كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا بالداخل، وامتلأ الخزان بدخان الوقود. أصابت أنس حالة هياج، وبدأ يقرع الخزان ويصرخ. سمعه السائق، فأوقف الشاحنة قبل بلوغها مخرج المخزن. وبمجرد خروجنا من الخزان، قال أنس "عندي أولاد، لا أريد أن أموت".
وكان من المستحيل أن نسافر نحن الأربعة في هذا الخزان، فاتفقنا على أن يعود الشاب العراقي إلى أثينا. أما ثلاثتنا فنعرف بعضنا منذ شهور. كنا كالأخوة. ونثق ببعضنا البعض.
وبذلك، كان السائق سيخسر خمسة آلاف يورو، لكنه لم يرغب في أن يصل إلى ميلان ومعه جثث في الخزان. لذا، أخذ منا 500 يورو، ودخلنا مجددا إلى الخزان.
وفي غضون ساعة، كنت بحاجة إلى التبول لدرجة الألم. كنا كالعجين داخل الخزان. وكانت أرضية الخزان مغطاة بطبقة من المطاط، انصهر بفعل الحرارة وأصبح سائلا. غطتنا مادة سوداء. وكان الخزان أشبه بالفرن. فاحت رائحة المطاط السائل وعادم الوقود. كنت على يقين أننا سنموت.
كانت معنا زجاجة مياه غازية صغيرة، استطاع بادي وأنس التبول فيها. وانسكب جزء من البول على ملابسهم وأرضية الخزان، واختلط بالمطاط السائل. أفرغ بادي الزجاجة خارج الخزان، لكن الشاحنة كانت تسير بسرعة، ودفع الهواء رذاذ البول إلى الداخل.
وكنت أشعر بالإعياء الشديد، لكني لم أستطع التبول في الزجاجة مثلهم. ومع اقتراب نهاية الرحلة، بلغ الألم مداه لدرجة شعوري بالإغماء. حاولت أن أكون هادئا كي لا أفزعهما، لكن كنت أصرخ في داخلي.
وبعد فترة، وصلت الشاحنة إلى قارب. وكنا نخشى أن يسمعنا أحد في غياب صوت المحرك، فلم ننطق بكلمة إلا عندما كانت الشاحنة تسير. وبقينا صامتين، ننصت إلى محركات القارب، ونتنفس بشق الأنفس.

أخذ سعيد يقلب في صور زوجته وابنتيه على هاتفه، ويتساءل إذا ما كان سيراهم
ابنة قد لا يراها
لم يظن أي منا أننا سننجو. كان معي هاتفي المحمول، وظللت أنظر للشاشة في الظلام، أتأمل صور زوجتي وابنتيّ. لدي ابنتان توأم، عمرهما أربعة سنوات. قمت بهذه الرحلة فقط لأجلهما. تركت سوريا لأبعدهما عن الحرب. وظللت أفكر "كيف ستعيشان إن لم أصل؟"
وكانت زوجتي حاملا في ابنة ثالثة. أنظر إلى الشاشة وأتساءل إن كان الله سيمد في حياتي لأرى هذه المولودة. وفي النهاية، فرغت بطارية الهاتف.
ودار محرك الشاحنة مرة أخرى، وبدأنا الحركة ببطء شديد. وعندما توقفت الشاحنة مرة أخرى، سمعنا رجال يتحدثون الإيطالية. وعلمنا أننا في إيطاليا. وشعرنا بارتياح، فمهما حدث، لن نعود إلى اليونان مرة أخرى.
كان من المفترض أن يصطحبنا السائق إلى ميلان، لكننا لم نعد نقوى على التحمل. بدأنا نقرع على جانب الخزان، ونصرخ، لكنه لم يسمعنا، أو لم يرغب في التوقف.
وكان لدى بادي هاتف، فاتصل بالمهرب وقال له "اتصل بالسائق ليخرجنا من الخزان وإلا سنموت بداخله". وبعدها بقليل، انحرف السائق عن الطريق الرئيسي ثم توقف.
سقطنا من داخل الخزان. لم نستطع فرد أرجلنا، فاستخدمنا أيدينا لسحب أنفسنا من تحت الشاحنة. كنا في وقت الظهيرة، في غابة ما في إيطاليا.
وأوضح السائق أنه لا صلة له بنا من هذه اللحظة، وأننا يجب أن نعتمد على أنفسنا. وبعدما ابتعد السائق بالشاحنة، تدحرجنا على منحدر وزحفنا إلى داخل نفق خرساني تحت الطريق. استلقينا بداخله، نحاول تحريك أطرافنا والتنفس. وبعد عشرة دقائق، وأنا راقد على جانبي، استطعت أخيرا أن اتبول.
استقر الحال بسعيد في العاصمة النمساوية فيينا، وأرسل في طلب أسرته، ليرى ابنته الصغري لأول مرة.
سياح في التلال
عندما التقطنا أنفاسنا، جلسنا وتبادلنا النظر إلى بعضنا، ثم ضحكنا كثيرا. كان المطاط الأسود يغطينا، وكانت رائحتنا سيئة.
خلعنا قمصاننا، وقلبناها لاستخدام باطنها لننظف أنفسنا. كان بحوزة كل منا حقيبة صغيرة بها ملابس نظيفة. فارتدينا القمصان النظيفة وتركنا القديمة في النفق.
لم تكن لدينا أي فكرة عن مكاننا. واستخدم بادي تقنية تحديد الأماكن على هاتفه للبحث عن قرية، وبدأنا المشي باتجاهها. كانت هناك حدائق عنب في كل مكان، وبعد فترة رأينا الفلاحين.
كنا نخشى أن يبلغ الفلاحون الشرطة عنا، كما حدث في اليونان. وعندما كانت تمر سيارة بجانبنا، كنا نشيح بوجوهنا عن الطريق ونشير بأيدينا إلى المعالم كما لو كنا سياح عادوا لتوهم من رحلة سير في التلال.
وعندما وصلنا إلى القرية، طلبنا المساعدة. لم نأكل أو نشرب أي شيء على مدار 24 ساعة. ودفعني رفيقاي للتحدث باسمهم، إذ كنت أكثرهم تعليما. فقد درست الاقتصاد في الجامعة، وأعرف القليل من الإنجليزية، وتعلمت بعض الكلمات الإيطالية قبل السفر. لذا، توليت مهمة الحديث.
الإيطاليون كانوا عطوفين جدا. لقد أخذونا من أيدينا إلى مطعم، لكنه كان مغلقا. فذهبنا إلى مقهى.
لم يكن في المقهى شيء يؤكل. فأحضر لنا النادل قهوة ومياه. وكانت المياه فوّارة، فلم استطع شربها. وكانت القهوة مُرّة. وضحكنا مرة أخرى. فبعد نجاتنا من رحلة الخزان، قد تقتلنا هذه القهوة.
وافترق الرجال الثلاثة في إيطاليا. استقل سعيد القطار عبر جبال الألب إلى العاصمة النمساوية فيينا. واشترى أنس جواز سفر مزورا من مهرب في إيطاليا، وسافر جوا إلى السويد. أما ابن عمه بادي، فقد لحق بقريب له في مدينة ليدز في إنجلترا. وحصل الثلاثة على حق اللجوء.
وبعد استقرار سعيد في فيينا، أرسل إلى أسرته لتلحق به. ووصلت الأسرة ومعهم فرد جديد؛ ابنته الصغرى التي لم يرها من قبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.