أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة البحيرة بانتخابات مجلس النواب 2025    تشكيل لجنة لاختيار أفضل الكفاءات للعمل بالبوابة الإلكترونية لمحافظة الدقهلية    وزير الطيران الأسبق: افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون حدثًا يليق بتاريخ مصر    الطيران الحربي الإسرائيلي يجدد غاراته على جنوبي لبنان    غيابات الزمالك أمام ديكيداها في لقاء الإياب بالكونفدرالية    وزير الرياضة ومحافظ السويس يفتتحان مقر "اتحاد بشبابها"    ضبط 4 أطنان لحوم مجمدة مجهولة المصدر بالقليوبية    السياحة والآثار: نتوقع زيارة مليون سائح إيطالي إلى مصر هذا العام    نصائح مهمة لتجنب الإصابة بالتهاب أوتار الجسم    ورشة عمل ب«الأطباء» تحذر من التوسع العشوائي في إنشاء كليات الطب    إدخال 15 شاحنة وقود وغاز طبيعي إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    جدول مباريات منتخب مصر في كأس أمم أفريقيا 2025    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    المحكمة الإدارية العليا تؤيد استبعاد هيثم الحريرى من الترشح لمجلس النواب    انتخابات الأهلي - حازم هلال: من الخطأ الاعتقاد أن انتخابات النادي انتهت بالتزكية    مصطفى مدبولي يتابع الموقف المالي للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي وتعظيم إيراداتها    نظر ثانى جلسات تجديد حبس المتهم بدهس أب ونجله فى الشيخ زايد 5 نوفمبر    لقطات رومانسية تجمع حاتم صلاح وعروسه بعد كتب الكتاب.. صور    قافلة سكانية متكاملة بقرى مركز العريش    لجنة تطوير الإعلام الخاص تعقد أولى اجتماعاتها    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    ضبط 50 طن أعلاف منتهية الصلاحية بالغربية    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    الكشف على 1102 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بأبو السحما بالبحيرة    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    قرار جمهوري بضم السويدي والشريف لعضوية مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    موعد مباراة منتخب مصر للكرة النسائية وغانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    تعرف على أسعار الموبايلات بعد التوسع فى تصنيعها محليا    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    من هو الشيخ صالح الفوزان مفتي السعودية الجديد؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    تجدد القصف الإسرائيلي على خانيونس وغزة رغم وقف إطلاق النار    "معلومات الوزراء" يستعرض تقرير منظمة العمل الدولية حول تأثير الرقمنة على سوق العمل بالدول العربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المهزومية»
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 12 - 2014

قيل فى رواية تاريخية إن الطبقة المتعلمة المصرية ابتهجت بانتصار اليابان على روسيا فى حرب نشبت بينهما فى مطلع القرن العشرين. كان أول انتصار يحققه أهل من الشرق على إمبراطورية غربية.. كان فرحة لمصر الخاضعة وقتها للاستعمار البريطانى، وتعويضا للمصريين عن شعورهم بالهزيمة التى تكبدها عرابى على أيدى جنود بريطانيا.
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية قيل إن هذه الطبقة المصرية ذاتها انحازت إلى صف دول المحور، وألمانيا بخاصة، ضد الحلفاء. كانت أمنيتها التى يعبر عنها أصدق تعبير البكباشى السادات هو أن ينتصر الألمان، وحبذا لو زحف روميل نحو الدلتا وخلص القاهرة والقناة من الاحتلال البريطانى.
وبعد سنوات قليلة انتصر الإسرائيليون على جيوش العرب مجتمعة فى فلسطين، فوقع ما أطلقنا عليه النكبة، أى الهزيمة بكل تجلياتها. بسبب هذه الهزيمة، نشبت فى مصر ثورة وجرت تحقيقات ومحاكمات صورية تحت عنوان الأسلحة الفاسدة، لتصب جميعها فى معين التعويض عن الهزيمة. كان الهدف من الثورة تنمية سريعة وشاملة وتعليما ونهوضا ودورا لمصر فى الإقليم لمنع وقوع هزيمة أخرى. حدثت أخطاء كثيرة، وبعضها جسيم، ساعدت جميعها فى إبقاء جذوة الهزيمة مشتعلة.
بسبب خطأ فادح من هذه الأخطاء الجسام وقعت هزيمة 1967 ، وأطلقنا عليها النكسة. فصار عندنا نكبة ونكسة. هذه المرة خلفت النكسة جروحا مازالت غائرة تتحدى إرادات التغيير والتقدم. ومع ذلك لم تستسلم الطبقة المتعلمة، والشعب من خلفها، حتى وقع نصر 1973 وكان غريبا وما يزال يثير التساؤل. أن تظل الهزيمة مؤثرة فى النفس المصرية أكثر من تأثير النصر. ولا يخفى أن هناك اجتهادا يعتقد أصحابه أن استمرار الشعور بهزيمة 1967 ربما كان المسئول الأكبر عن المأساة الممتدة التى حلت بمصر منذ عقد الثمانينيات. الثابت الآن، من واقع عشناه ونعيش تداعياته، هو أن «عقلا منهزما» هو الذى كان يمسك بدفة مصر طوال تلك السنوات. هذا العقل أوصل المصريين كافة إلى حد لم يكن أمامهم لوقف تدهور وطن وتآكله إلا الثورة.
•••
نشبت الثورة. وأظن، بل أنا متيقن من أن الغالبية العظمى من هذا الشعب تصرفت فى تلك الأيام العظيمة، كما لم تتصرف منذ عشرات بل مئات السنين. خرج الشعب إلى الشارع متحررا من شعور «المهزومية»، خرج عاقدا العزم على أن يتخلص من كل قيد يربطه بالهزائم، أو يعيده إلى هزائم جديدة.
ما لم يدركه الكثيرون وقتها، أن للمهزومية أنصارا وقوى عاتية. المهزومية حكمت مصر عقودا عديدة، وما كانت لتتخلى عن هيمنتها وتستسلم للثورة عدوها اللدود. وبالفعل، وفى سنوات أربع، هى فى حقيقة الأمر وفى ضمير هذه الثورة، سنوات نضال غير مسبوق وغير مألوف ضد المهزومية بكافة صورها وعناصرها. استخدمت المهزومية كل الخيارات، حتى الحرب المسلحة فى سيناء وشوارع المدن عادوا إليها على أمل أن تحقق هزيمة جديدة تكسر روح الثورة. استخدموا حكاية المؤامرة الدولية. وإمعانا فى غرس المهزومية فى النفس الوطنية صوروا «قطر» وحشا أسطوريا وعدوا لدودا يريد الفتك بمصر، وإمعانا فى التفاهة التى هى من أهم سمات وأسلحة نشر الفكر «المهزومى»، أعلنوا أنهم رصدوا مخططات ماسونية وصهيونية وغربية وشرقية وعربية تستهدف وحدة مصر وسلامتها، ولم يستثنوا الدور التآمرى لأفريقيا.
من ناحية أخرى، استخدموا بإفراط، من تراث الماضى، تهمة الخيانة والعمالة التى راحوا يلصقونها بكل شاب ثائر. قيل فى الشباب ما لا يجوز أن يقال فى جيل، هو مستقبلنا، شئنا أم أبينا. لم يكن معقولا أن يقال فى الشباب ما قيل وما مورس إلا إذا كان وراءه طاقة هائلة من «المهزومية» وأعدادا غير قليلة من «المهزوميين». صدرت قوانين وتشريعات فى تتابع سريع هدفها العودة إلى تقييد الحريات، أى تقييد الثورة. خافوا على المهزومية أن تنهزم فصنعوا لها دروعا من القوانين تحميها وتدعمها.
لم يفلحوا. والدليل على ذلك أنهم يلجأون الآن إلى أسوأ وأحط الأساليب لإعادة غرس «المهزومية» فى نفوس الناس فى أعقاب الثورة.. ليست بريئة بأى حال هذه الجهود المكثفة لإشغال الشعب المصرى بحكايات الجنس والتحرش والجن والعفاريت. ليس مصادفة ولا نية طيبة ولا تدينا السكوت عن سموم يروجها رجال دين تحت عنوان فتاوى. مقولات خبيثة تتحدى العقل والعلم والعصر والإنسانية وأصول الأديان كافة، وتوحى بقرب انتصار المهزومية على الثورة، ليس فقط فى مصر ولكن فى كافة الدول العربية والإسلامية.
أفهم أن يحاول عدو خارجى أن يبث «المهزومية» فى أمة بعينها أو فى جيل بعينه. ولكن ما لا أفهمه، ولن أفهمه، حتى لو كنت معايشا له، هو أن يكون وراء بث هذه المهزومية مسئولون فى أجهزة أو مؤسسات «وطنية». يشيعون الكره وفقدان الثقة بين فئات وربما بين طوائف المجتمع، وبين الشعب ومؤسسات الحكم، ويثيرون الخوف من تهديدات وأخطار وهمية خارجية أو داخلية، ويشوهون وجدان الأمة وضميرها بنشر فضائح واتهام أفراد بتبنى أفكار إلحاد أو ممارسات غير مألوفة، ويغتصبون بالكاميرات ورجال الشرطة حرمة الحمامات العامة وخصوصيتها، وابتكار أساليب تعيد المرأة إلى عهد وحالة ما قبل تمكينها، وإعادة الشباب إلى عهد وحالة ما قبل تمردهم. إلى هذا الحد، بل وأبعد منه، ذهبوا فى حربهم لإعادة المهزومية إلى الشارع المصرى.
•••
يحاولون، وسوف يستمرون فى محاولاتهم، تعميق الشعور بالهزيمة. هؤلاء يرفضون الاعتراف بحقيقة واقعة وهى أن ما حدث من تغيير فى مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، يعنى بكل الوضوح أن هذا الشعب لا ينوى أن يتصرف مرة أخرى تصرف الشعب المهزوم دائما. هذا الشعب لن يعود من ثورته مهزوما ولن يقبل باستمرار وصمه بالمهزومية. خرجت بهذه الخلاصة نتيجة ساعات عديدة وغنية قضيتها فى صحبة شباب أغلبهم من النساء. هؤلاء هم أعضاء مؤسسة قضايا المرأة الذين اختاروا العمل فى أحياء مصر الفقيرة وعشوائياتها، يساعدون المرأة المصرية فى حل مشكلاتها الحياتية والقانونية ويتوسطون فى علاقاتها بأجهزة البيروقراطية ويرشدونها فى دهاليز أجهزة العدالة. هؤلاء يقدمون الدليل الملموس على أن المجتمع المدنى المصرى فى غالبيته العظمى سليم وأصيل.
•••
كان اللقاء هو الثانى فى أكثر من ستة أعوام، قضيت أغلبه أستمع إلى أنواع النشاط الذى يمارسه المتطوعات وطبيعة المشكلات التى تواجههن فى عملهن والخطط التى دبجنها للمستقبل. شعرت على الفور باختلاف فى مستوى العروض والنقاش فى هذا اللقاء مقارنا باللقاء السابق، هذا شباب يبدو بالتأكيد مختلفا، هو أقدر علميا وأقوى حماسة وأشد وطنية وأخف ظلا وأسمى روحا. كان سؤالى الأهم هو إن كن لاحظن اختلافات مماثلة فى سلوك المواطن المصرى الذى تعاملن معه على مرحلتين، مرحلة هيمنت فيها «المهزومية» فتصرف مهزوما ومرحلة انتفض فيها غاضبا ومتوعدا.
جاءت الإجابة قاطعة. نعم. المرأة صارت أقوى، بل أكثر المواطنين. جرأة فى السعى للحصول على حقوقهم، ووعى أوفر بتعقيدات الحالة المصرية الراهنة، رفض أشد لفساد الكبار فى الدولة وفى الحى. لا أحد يريد العودة إلى الوراء، ففى الوراء ذل ومهانة وظلم وتجبر وفساد.
•••
التفسير المناسب لهذا الاختلاف فى سلوك هذه الفتاة المشبعة بروح ودور المجتمع المدنى فى دولة ناهضة وأمة غاضبة، وفى أساليب وأشكال تصرف المواطنين وتمسكهم بحقوقهم فى ظل أوضاع غير مستقرة ورؤى سياسية غير واضحة عن شكل المستقبل الذى تستحقه هذه الأمة، التفسير المناسب هو أن الثورة مستمرة، وأن المواطن الجديد لن يسمح لجماعة أو لحزب أو لإعلام مخرب أن يعود ليفرض الهزيمة، ويقوض أول «نصر شعبى» حققته هذه الأمة، بإرادتها المطلقة وبجموعها الغفيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.