كانت ومازالت المفاجأة المفرحة للثورات العربية دور الشباب ودور المرأة ودور الطبقة الوسطى المتعلمة المثقفة، ولكن دور المرأة كان الأكثر بهجة في المشهد كله، فقد أظهرت الثائرات شجاعة فائقة وتحديا للتقاليد البالية وللاتهامات الرخيصة وللتحرش الوضيع، وشاركن بكثافة في الثورات وكن في مقدمة المشهد وفى قلبه، ولهذا لم يكن مستغربا أن تحصل توكل كرمان اليمنية على جائزة نوبل للسلام وإيمان محفوظ المصرية على جائزة سخاروف الأوروبية لحرية الفكر والتعبير وحقوق الإنسان. واجهت النساء القتل والغازات السامة والمسيلة للدموع فى بطولة وصمود مثل الرجال تماما، ودفعن ثمنا مثل الرجال، ولا ينسى الشباب المصرى صورة سالى زهران ضمن الدفعة الأولى للشهداء، ولكن المرأة واجهت ما هو أصعب، في اليمن خرج الرئيس المخلوع على عبد الله صالح ليتهم المتظاهرات فى شرفهن، ولكن الجميل أنهن لم يحفلن بهذا الغثاء الذى صدر عنه وخرجت مئات الآلاف من النساء فى اليمن فى مشهد تاريخى بالملابس السوداء حتى أن إحدى الصحف العالمية وصفت المشهد بالزحف الأسود المهيب للنساء اليمنيات. في مصر خرجت أصوات نشاز من تحت عباءة السلطة لكى تتهم المتظاهرات فى شرفهن مثل توفيق عكاشة ومرتضى منصور وطلعت زكريا وعمرو مصطفى وغيرهم، وبعد تجاهل المصريين لهذه الأصوات القبيحة اتجهت السلطة إلى كشوف العذرية المخزية، وكذلك إلى التحرش الجنسي بأشجع وأفضل بناتنا، وأخيرا إلى تعرية البنات فى مشهد فاضح أمام العالم كله، ولكن العار والخزي على من قام بهذه الأعمال المشينة، والفخر والعزة والشرف والكرامة لبناتنا ونسائنا، فقد زادت هذه الأعمال الإجرامية الثائرات قوة ومناعة ورغبة فى تحرير مصر من هذا القبح وهذه الأعمال الشائنة، بل وتحدت البنات جلاديهن وخرجن عن ثقافة الشعور بالعار، وذهبت سميرة إبراهيم إلى المحكمة لتعرى هؤلاء الذين تصوروا أنهم سيكسرن إرادة المرأة المصرية بهذا العمل المشين، وخرجت غادة كمال على الفضائيات لتقول إن الذي تعرى بالفعل هو ذلك الجندى الذى جردها من ملابسها وتعرى من وراءه أمام العالم كله. وفى سوريا دفعت المرأة ثمنا من السجن والتعذيب والقتل. وفى السعودية تقود إيمان النفخان ومنال الشريف حملة لإجبار السلطات هناك للسماح للمرأة بقيادة السيارة، وتصدت نادين البدير دون غيرها من الرجال لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ووصفتها بعدوة الشعب السعودى. وفى تونس شاركت المرأة فى الثورة التونسية بكثافة، فالنساء المتعلمات تعليما عاليا في تونس يمثلن ثلثي النسبة المتعلمة من الشباب، كما أن المرأة التونسية لديها تراث بورقيبة فى الدفاع عن حقها فى المساواة مع الرجل. وفى ليبيا شاركت النساء في حمل السلاح وتطبييب الرجال، وأيضا دفعت ثمنا باهظا حيث قام مرتزقة القذافي باغتصاب المئات من البنات والسيدات الليبيات، وقد شاهد العالم كله اعترافات الليبية إيمان العبيدى باغتصابها على يد مرتزقة القذافى. بل إنني أعتبر أكثر أدوار المرأة في الثورات العربية هو تحفيز الرجال على الثورة فى وجه الظلم، ليس فقط سماح الأمهات لأعز ما لديهن وهم الشباب للمشاركة والاستشهاد، ولكن وجود المرأة فى ميادين الثورة ساهم بدرجة كبيرة فى صمود الرجال فى مواجهة الأخطار. ولكن كما أن الثورات العربية تواجه تحديات وتواجه نكسات، فإن المرأة أيضا تواجه المزيد من الضغوط، فالمرأة تزرع والإسلاميون يحصدون ليدفنوها فى البرقع مرة أخرى، وفى البيت بدعاوى كاذبة وباطلة بأن مهمتها تربية الأطفال. وختاما أود القول إن الأممالمتحدة قد حددت منذ عام 1977 يوم 8 مارس كيوم عالمى للمرأة، وأعتقد أن ثوار ما يسمى بالربيع العربى عليهم اختيار يوم وليكن فى شهر يناير كعيد للمرأة العربية تكريما لدورها البارز والوطنى فى هذه الثورات.