ضبط شخص وزع كوبونات غذائية على ناخبين مقابل التصويت بالإسكندرية    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    قدرة الردع والانتخابات البرلمانية والجبهة الداخلية    محمود مُحيي الدين: كي يشعر المواطن بثمار الإصلاح نحتاج معدلات نمو اقتصادي لا تقل عن 7%    ما حقيقة انتشار الدواجن السردة بالأسواق المحلية وتأثيرها على صحة المواطنين؟    الإنتاج الحربي يعزز الشراكات الدولية في EDEX 2025    العراق يفوز علي البحرين 2-1 في مستهل مشوارهما بكأس العرب 2025    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    مستحقات تصل إلى 505 ألف دولار.. فرجاني ساسي سبب إيقاف قيد الزمالك 3 فترات جديدة (خاص)    مشاهدة مباراة أرسنال وبرينتفورد بث مباشر الآن.. قمة مشتعلة لحسم الصدارة في الدوري الإنجليزي    بث مباشر مباراة أرسنال وبرينتفورد: قمة لندنية نارية لحسم صدارة الدوري الإنجليزي 2024-2025    المتهم بإطلاق النار على «بلكونة جاره»: «شتم أمي»    بالصور.. انهيار عقار مكون من 4 طوابق دون وقوع خسائر في الأرواح بأسوان    طابع بريد تذكارى بمناسبة مرور 130 عاما على تأسيس دار الإفتاء المصرية    سعيد عبد الحافظ ل الحياة: جولة الإعادة خطوة طبيعية لتصحيح المسار الانتخابى    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية: معايير جهار ترفع تنافسية القطاع الخاص    الصحة تحذر من حقنة هتلر: قد تؤدي للوفاة (فيديو)    لجنة إدارة الإسماعيلي تؤكد سعيها لحل أزمات النادي المالية وإنهاء قضايا الفيفا    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    تصريح صادم من الكاتب أحمد مراد عن فيلم الست    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    إندونيسيا ترسل سفنا حربية لدعم عملية توزيع المساعدات في آتشيه المتضررة جراء الفيضان    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    محافظ الجيزة يتفقد الموقف التنفيذي لتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    3 سنوات سجن للمتورطين في تزوير شيكات باسم الفنانة بوسي    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    «الشؤون النيابية» تحيي اليوم العالمي لذوي الإعاقة: قيمة مضافة للعمل الوطني    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الرئيس الكولومبي يحذر ترامب: مهاجمتنا تعني إعلان الحرب    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احمدوا ربنا
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 09 - 2014

لو كنا فى سوريا أو العراق لكان من الممكن للضحايا ال37 الذين تم إحراقهم فى سيارة الترحيلات أمام سجن أبوزعبل ان يموتوا مقتولين الحمد لله (أننا لسنا فى سوريا أو العراق). هذا التعليق ليس لى، لكننى وقعت عليه منسوبا إلى أحد الكتاب المصريين الساخرين، هو الأستاذ أسامة غريب. وقد وجدته عبر بصيغة أكثر ذكاء وظرفا عن فكرة سبق ان طرحتها (فى 31 أغسطس الماضى) وتساءلت فيها عما إذا كنا حقا ضد الظلم والقتل من حيث المبدأ، أم أن موقفنا إزاءه يمكن ان يختلف باختلاف الجهة التى أوقعت كلا منهما والاسلوب الذى استخدم لذلك. وكان ذلك بمناسبة تصاعد حملة الاستنكار لعمليات القتل البشعة التى تمارسها جماعة داعش، والسكوت الدولى على حملات الإبادة الأكثر بشاعة التى شنتها إسرائيل ضد مدن غزة وأحيائها. فضلا عن الجرائم التى يرتكبها النظام السورى بحق السوريين يوما بعد يوم، وصدور أحكام بإعدام المئات وتعذيب الألوف فى السجون فى أكثر من دولة عربية أخرى. إلى غير ذلك من الجرائم التى مرت لأنها ممارسات أنظمة ولم ترتكبها جماعة مثل داعش.
ثمة تجاهل لخصوصية البيئة العراقية التى خرجت منها داعش والخلفية الطائفية التى استنبتتها من مجتمع أهل السنة، فضلا عن غموض العوامل الأخرى التى أسهمت فى بروزها وتقدمها واحتلالها صدارة المشهد السياسى فى المشرق على الأقل. وتلك كلها عوامل لا سبيل لتوفرها فى أى بلد عربى آخر. ومع ذلك جرى توظيف داعش لتسويغ وتمرير كل المظالم والشرور التى تحدث فى الأقطار العربية، حتى تحولت إلى فزاعة نجح الإعلام فى تحويلها إلى نموذج يمثل حالة اجتمعت فيها الجهالة والوحشية الدموية والتعصب وكراهية المخالفين. صحيح ان كل الجرائم التى ترتكبها داعش منذ ابتلينا بها مارستها جماعات ودول أخرى عبر التاريخ. فقطع الرءوس كان إحدى وسائل المهاجرين الأوائل للتخلص من الهنود الحمر فى القرنين السابع عشر والثامن عشر تمهيدا لإقامة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الجيش البريطانى يكافئ جنوده الذين يقطعون رءوس الملاويين بعد احتلال بلادهم فى القرن الثامن عشر. ومثل ذلك وأكثر منه عانى منه المسلمون فى الأندلس وفى الجزائر فى ظل الاحتلال الفرنسى وفى البوسنة على أيدى الصرب... إلخ.. إلخ. كما ان قطع الرءوس لايزال يطبق بحكم المحكمة فى بعض الدول الخليجية، لكن ذلك كله فى كفة وممارسات داعش، والظرف الزمنى الذى برزت فيه فى كفة أخرى. ذلك انها اكتسبت وضعا خاصا بسبب انتسابها إلى الإسلام وادعائها إقامة الخلافة. خصوصا ان ذلك حدث فى أجواء الربيع العربى التى برزت فيها التيارات الإسلامية باعتبارها قوى فاعلة فى الساحة السياسية، حتى أصبحت مطروحة ضمن خيارات المستقبل ورهاناته، وهو ما انحازت إليه أغلبية المصوتين فى بعض الأقطار.
كأنما أطلقت داعش فى وسط الربيع العربى لتصبح أقوى أسلحة ترجيح كفة الثورة المضادة، وأنجح وسيلة لإجهاض آمال وأحلام المطالبين بالتغيير فى كافة أنحاء الوطن العربى، حيث جرى التلويح بها فى فضاء المنطقة بأسرها لكى تصبح البديل المروع الذى ستؤل إليه الأوضاع سواء إذا تمت إزاحة الأنظمة القائمة، أو إذا أصبح الإسلاميون طرفا فى السلطة بأية صورة.
ولأن ممارسات داعش وشرورها أصبحت تمثل الحد الأقصى فى العنف والقسوة والاستبداد واضطهاد النساء فضلا عن الأقليات، فإن كل ما لا ينسب إليها من شرور صرنا مدعوين لاحتماله وقبوله. وهو ما عبر عنه بذكائه وظرفه الأستاذ أسامة غريب، حين دعانا لأن نحمد الله ونشكره لأن بعضا من معتقلينا تم إحراقهم فى سيارة للشرطة المصرية. وعُد أفضل من القتل على أيدى داعش، وأغلب الظن انه أراد ان يفضح ويسخر من الخطاب الذى بات يدعو الناس إلى احتمال الظلم والقهر مهما بلغت درجته، طالما انه ليس صادرا عن نموذج الشر الأكبر المتمثل فى داعش.
لا مجال لمناقشة ذلك الاحتمال من الناحية العملية، خصوصا ان بعض وسائل الإعلام وأبواق الأنظمة المستبدة فضلا عن المنافسين والكارهين، ما برحوا يسوقون للفكرة القائلة بأن كل المتدينين المحيطين بنا «دواعش» يخفون هويتهم الحقيقية. وفى ظل تلك التعبئة شاعت فى بعض الأوساط حالة من القبول بالفكرة والاستعداد للتسليم بأن كارثة داعش تهدد الجميع بلا استثناء. لذلك بات الحل المطروح متمثلا فى قطع الطريق امام دعوات التغيير وتطهير المجتمعات العربية من «وباء» الإسلام السياسى بقمعه واستئصال انصاره لهم بأى مشاركة فى المجال العام. وتلك هى الهدية الكبرى التى قدمتها داعش بالمجان لقوى الثورة المضادة، الرافضة لأى تغيير يرفع الظلم السياسى والاجتماعى عن الناس.
ليس ذلك فحسب، وانما كان لإسرائيل نصيبها من الهدية. ذلك ان صعود داعش وأجواء الترويع التى أشاعتها حاولت إسرائىل ان تستثمرها فى اتجاهين، الأول تخويف الفلسطينيين والعرب من حركة حماس والجهاد الإسلامى باعتبارهما من «الدواعش» الكامنة، والثانى إحداث التقارب مع بعض دول الخليج بدعوى التضامن معها فى صد «الخطر المشترك» الذى استنفرها ضد داعش والإرهاب الذى تمثله.
ان الرسالة التى يراد لنا ان نتلقاها تقول ما خلاصته. احمدوا الله على ما انتم فيه، لان أى تغيير للأوضاع الراهنة سوف يستجلب كارثة داعش فى نهاية المطاف، من ثم فلا بديل عن القبول بما هو قائم والحفاظ عليه مهما كانت مظالمه وسوءاته، ليس لانه الأفضل ولكن لأن العَوَر أفضل ألف مرة من العمى.. انهم لا يريدون ولا يتمنون لنا تمام الإبصار يوما ما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.