هكذا.. أطفأت منظمة الصحة العالمية جهاز مونيتور عرض حالة القلب والتنفس.. وخلعت قناع التنفس الصناعى من على وجه المريض الراقد أمامها.. ونزعت إبر المحاليل المغروسة فى ذراعه.. وأطفأت إضاءة غرفة العمليات.. وخرجت وهى تخلع الجوانتى المعقم من يدها.. وتؤكد لأهل المريض أنه.. «الموضوع خرج من إيدينا.. إحنا عملنا اللى علينا.. والباقى على ربنا»! هكذا.. أغلقت منظمة الصحة العالمية ملف تتبع وإحصاء ومراقبة حالات الإصابة بفيروس H1N1 (المعروف باسم إنفلونزا الخنازير)، وأعلنت أن تطور الفيروس وتطويره المستمر لنفسه خرج عن نطاق السيطرة.. ولم يعد من المجدى الاستمرار فى متابعته.. حيث إن معدل انتشاره أسرع بكثير من معدل متابعته وإحصائه.. وأعلنت المنظمة أنه حتى الآن.. هذا الوباء هو الأكثر قدرة على الانتشار.. وأنه قد سَجَّل فى انتشاره هذا رقما قياسيا جديدا لم يسبقه إليه أى وباء آخر.. اللهم إن منظمة الصحة العالمية قد بلغت.. اللهم فاشهد..! هكذا.. أماطت إنفلونزا الخنازير اللثام عن وجهها الشرس بعد أن بدأت الأنظار تتجه بعيدا عنها (على أساس أن العالم مليان كوارث ومصائب.. وماجتش على الكارثة دى علشان نقف عندها).. شعر فيروس الإنفلونزا بالنفسنة من باقى الأحداث والمصائب والفيروسات الأخرى.. فقرر أن يكشر عن أنيابه.. وينتقم.. وبينما تحشد جيوش الإنفلونزا حشودها لمهاجمتنا.. نحن معشر البشر الغلابة المساكين.. تبرز العديد من الأسئلة من بين ثنايا فتحات شيش شباك التصريح الأخير لمنظمة الصحة العالمية.. يأتى على رأس تلك الأسئلة.. ليه؟! إشمعنى هذا الفيروس بالذات هو الأقوى والأسهل والأسرع انتشارا؟! ولماذا لا نشعر نحن المواطنين العاديين على ظهر كوكب الأرض بذلك الانتشار السريع؟! (أنا شخصيا وحتى الآن لم أصادف أحدا ممن أعرفهم على أى صعيد من الأصعدة أصيب بإنفلونزا الخنازير) ولماذا يفشل بشر وصلوا إلى القمر ويحاولون الوصول للمريخ فى محاربة فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة مثل ذلك الفيروس؟! وهل عدم شعورنا بخطورة ومعدل انتشار الفيروس.. أشبه بعدم شعور المواطنين الذين كانوا يجلسون بجوار الشاطئ قبل حدوث كارثة «تسو نامى» بدقائق قليلة بذلك الخطر الداهم المحدق بهم والآتى إليهم غاضبا عبر ثنايا أمواج المحيط؟! أسئلة كثيرة ينبغى على من يود الوصول إلى إجابة لها أن يتكئ على مقولة «أينشتين».. «الخيال أهم من المعرفة».. ويرمى تلك «الخيوط» من الأسئلة فى «مَكَنِة» عقله الصغير ثم يدوس على الزرار المكتوب بجانبه.. «تفكير».. وينتظر خروج «خيوط الأسئلة» بعد تحويلها بداخل مكانة عقله إلى أقمشة إجابة»! «أقوى كائنين على وجه الأرض هما البنى آدمين.. والفيروسات».. مقولة جامعة مانعة للعم «سيد حجاب».. يمكننى أن أرشها مع مقولة «أينشتين» على خيوط الأسئلة قبل إغلاق باب مكنة عقلى.. وضغط زرار.. «تفكير».. وإنتظار ما أنتظره سابقا «سبعاوى» أو «فؤاد المهندس» فى فيلم «عائلة زيزى» فيما يخص حلمه بأن «المكنة تطلَّع قماش»! مبدئيا.. وإذا افترضنا أنه بالفعل أقوى الكائنات الحية على وجه الكوكب هم«البنى آدمين» بعقولهم ورغبتهم فى الحياة والتكاثر والاستمرار.. و«الفيروسات» بصغر حجمها المفرط وسرعة انتقالها وقدرتها على التكيف والتكاثر فى كل المناخات والأجواء.. عندها يصبح الصراع الرئيسى على تورتة كوكبنا الأرضى العزيز محصورا بيننا نحن «البنى آدمين» وبين «الفيروسات».. وبما أننا كبنى آدمين الحمد لله.. عاملين اللى علينا وزيادة فيما يخص التهام تورتة الكوكب.. حيث التهمنا تقريبا معظم بتروله ومعادنه وثرواته من باطنه.. وأخرجناها على هيئة أدخنة من فوهات مصانعنا وحضارتنا.. وعلى هيئة نفايات تقبع فى قيعان بحورنا ومحيطتنا.. لذا.. وبما أن «الفيروسات» لا تمتلك عقولنا.. ولكنها تمتلك أضعاف أضعاف أضعاف رغبتنا وشهوتنا فى الاستمرار والانتشار والتكاثر.. لهذا.. كان طبيعيا أن تقفش (دا اللى هى الفيروسات).. وتقرر الرد على صياعة «البنى آدمين» (النابعة من عقلهم) فيما يخص سيطرتهم على موارد الكوكب.. وعيشهم على مكوناته الطبيعية.. بصياعة أصيع وأشد منها (ونابعة من غريزة الاستمرار والتكاثر).. ليصبح هذا هو ما يدور فى عقل بال القاعد الأعلى لقوات الفيروسات.. «يعنى إنتوا يا بشر عايشين على موارد الكوكب ومكوناته.. طيب.. إحنا بقى أصيع.. حنعيش عليكو إنتوا نفسكو.. أى خدمة يا برنسات».. وهكذا يحتدم الصراع بين «بنى آدم» يتغذى على موارد «كوكب».. وبين فيروس يتغذى على «البنى آدم» اللى بيتغذى على «الكوكب»! وهنا يبرز هذا السؤال.. «يعنى الفيروسات ما خدتش بالها من سيطرة الإنسان على الكوكب غير دلوقتى»؟! وهنا اسمحولى أن أذكركم بضرورة عدم الاستهانة بذلك الفوز الذى برز فى السنوات الأخيرة لصالح فريق «البنى آدمين» فى مباراة «إفساد وتبويظ الكوكب».. كفاية قوى «ظاهرة الاحتباس الحرارى» كهدف محقق أحرزه البنى آدمين فى شباك «الكوكب».. ليتقدموا على منافسهم اللدود فريق «الفيروسات».. كل هذا كان من الطبيعى جدا أن يثير حفيظة أى فيروس محترم وعنده دم.. أى نعم هو فيروس.. ولكن من المؤكد أنه يشعر بشىء ما.. حتى ولو كان شعورا بسيطا.. وهكذا قادت فريق الفيروسات رغبتهم فى إحراز هدف التعادل إلى «تبويظ» البنى آدم نفسه.. وفى مثل هذا الصدد ينص قانون فيفا المجرات على الآتى.. يتم احتساب الهدف بهدفين لصالح الفيروسات.. على أساس أنهم بتبويظهم للبنى آدم ومحاربته من داخل جسده نفسه يكونون قد أفسدوا «البنى آدم».. وكمان أفسدوا «الكوكب».. وهكذا يعتبر الجون بجونين وتلك هى قمة الصياعة! ولكن.. اشمعنى فيروس إنفلونزا الخنازير بالذات.. هو الذى يقود مثل ذلك الصراع؟! اسمحولى حبيباتى القارئات وأعزائى القراء أن ألفت نظركم إلى أن هذا هو ما حدث منذ عام 1945 فى رائعة «جورج أورويل» الرواية العبقرية الجميلة.. «مزرعة الحيوانات».. كان الخنازير الثلاثة.. ماجور ونابليون وسنوبول.. هم قادة ثورة الحيوانات ضد البشر مُلاك المزرعة.. لذا.. لا تستبعدوا أن يكون أحد قادة الفيروسات التى تعيش بداخل جسد إنسان مثقف قد «رَمَى عينة» أثناء قراءة صاحبة الذى يعيش بداخل جسده لرواية «مزرعة الحيوانات».. ونقل المعلومات إلى القيادة العليا عبر تلك العطسة التى عطسها قارئ الرواية قبل أن يغلقها.. وينام؟! هذا طبعا بالإضافة إلى تلك الحقيقة العلمية التى تنص على أن فيروس H1N1 (على أساس أن اسم إنفلونزا الخنازير اسم بيئة) يتكون من تحالف قوى وشرس بين ثلاث إنفلونزات فى إنفلونزا واحدة.. فهو يجمع بين «إنفلونزا البشر» و«إنفلونزا الطيور» و«إنفلونزا الخنازير».. إذن.. نحن أمام مخطط فيروسى قوى ولا ينبغى أن يُستهان به.. مخطط يسعى لإحراز هدف التعادل فى مرمى الكوكب فى مباراة القمة التبويظية الأرضية المرتقبة بين فريقى «البنى آدمين» و«الفيروسات».. تُرى.. لمن يكون الفوز فى النهاية؟! آدينا مستنيين صفارة الحكم! ملحوظة: فى مثل هذا الصدد الذى نتحدث عنه لا ينبغى علينا أبدا استبعاد فكرة أن نكون نحن أنفسنا البنى آدمين فى النهاية.. مش أكثر من مجرد «فيروس».. هذا للعلم.. لذا وجب التنويه.. وشكرا.