تجافت عيناه عن النوم لسنوات، لكن حلمه كان يوقظه كلما غلبه النعاس، فقريبا يصبح من حملة الدكتوراه، وتكتمل مسيرته التى وفاها حقها من جهد وعرق وإنفاق، فقد كان يقتصد من مأكله ومشربه من أجلها، من أجل معشوقته التى يراها تقترب منه ليدون فيها اسمه بحروف من ذهب «فلان ابن فلان» حاصل على درجة الماجستير، لكن يأبى أهل الظلام إلا وأن يكتبوا له الحسرة. حينما كان يسير بين أروقة منطقة الأزبكية فوجئ ب«دمائه تراق على الأرصفة وتباع وتشترى بأبخس الأثمان، وجد حلمه يباع ب10 جنيهات على أحد أرصفة سوق الكتب». انتابت الدكتور محمد طه المدرس المساعد بكلية العلوم، صدمة كبيرة، عندما رأى رسالته العلمية تعرض على الرصيف دون تدوين اسمه عليها وعندما تحدث مع البائع قال له «بنجيبها من الجامعة.. الطلبة بيصوروها ويبعوها ب50 جنيها». ترك البائع والحزن يمزق قلبه، لا إجراءات تمنع اطلاع الطلاب على الرسائل العلمية، والاستفادة منها، ولا أى قوانين تحافظ على جهده طيلة سنوات للحصول على درجة الماجيستير ثم الدكتوراه. يعود إنشاء سوق الأزبكية إلى عام 1933 حينما استأجر المعلم أحمد الحكيم كشك من البلدية مقابل إيجار شهرى قدره 240 قرشا، ونشر بضاعته من الكتب على جزء من السور، ومع مرور الأيام بدأت مكتبات الأزبكية فى الانتشار، حتى وصلت الآن إلى 40 مكتبة، لتكون أشهر أسواق الكتب فى القاهرة. «الحصول على الرسائل الجامعية عملية صعبة للغاية».. بهذه العبارة بدأ فوزى رفعت، أحد الباعة بسوق الكتب، شرح كيفية حصوله على الرسائل، قائلا كل كلية بها الرسائل الخاصة بجميع التخصصات، والطلبة يطلعون عليها فقط ولا يسمح لهم إلا بتصوير 3 صفحات من الرسالة. وأضاف «لدينا علاقات بعدد كبير من الطلبة نجمع عن طريقهم الرسالة ونطبعها ثم نعرضها للبيع لطلبة الدراسات العليا». وهنا تدخل «أبويوسف» شاب ثلاثينى فى الحوار، باعتباره متخصصا فى بيع رسائل الدكتوراه، بقوله «هناك بعض الأساتذة يبيعون رسائلهم بأنفسهم مقابل 1000 جنيه، لاستفادة أكبر عدد من الطلبة بالرسالة». وأضاف أبويوسف أن عملية البيع تشهد رواجا طوال أشهر العام، لكن معدلاتها ترتفع فى شهر أكتوبر من كل عام. أمام «الباكيات» المتخصصة فى بيع الرسائل، وجدنا رسائل قانون، خاصة قانون العقوبات، يعود عمرها إلى الستينيات، وأكد البائع أن الرسائل القديمة عليها إقبال كبير للغاية. من جانبه، انتقد الدكتور محمود زكى استاذ بجامعة حلوان، تسريب الرسائل الخاصة بالدكتوراه إلى سوق الأزبكية، وأعرب عن اندهاشه من الطرق الحديثة التى احترفها الطلبة فى طبع الرسالة وبيعها، مؤكدا أنها «سرقة مع سبق الإصرار». وقال زكى: لابد من محاسبة من يقوم بذلك، ولابد من وضع كاميرات مراقبة داخل المكتبات التى توجد بها الرسائل للإطلاع فقط وليس التصوير، وفى حالة التصوير يلتزم أمين المكتبة بعدد الأوراق المسموح به فقط. وأوضح أن الرسائل العلمية يبذل فيها الباحثون مجهودا كبيرا خلال أعوام، منذ تخرجهم وحتى الحصول على الدرجة العلمية، وليس مقبولا أن تم عرضها على الأرصفة. كانت مباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية ضبطت خلال الشهر الماضى 3054 رسالة ماجستير ودكتوراه منسوخة بالتصوير الضوئى وتباع على الأرصفة.