نوقشت في كلية الآداب جامعة القاهرة، مؤخرا رسالة ماجستير للطالبة مني محمد السيد مرسي، عن الكتب المعروضة علي أرصفة القاهرة. والرسالة عبارة عن دراسة ميدانية أشرف عليها الدكتور شعبان خليفة، صاحب المؤلفات المتخصصة في تاريخ الكتب والمكتبات. ولأن الكتب المفروشة علي الأرصفة في العاصمة كثيرة جدا، اختارت الباحثة ثلاث مناطق فقط، تمثل كل منها طبقة اجتماعية، الشعبية والمتوسطة والراقية، حتي تتعرف علي نوعية الكتب المتاحة لكل منطقة، في فترة زمنية محددة من 2007 إلي 2009. وأعتقد ان الحملة التترية التي جردت منذ أسابيع علي باعة الكتب القديمة في شارع النبي دانيال بالاسكندرية، لو كانت تعلم أن جامعات الشرق تعقد الدراسات العليا عنها، لما ارتكبت ما ارتكبت من ازالة اكشاك الكتب، لافرق بين المرخص منها وغير المرخص، والقاء كتبها علي قارعة الطريق، ودهسها بالأقدام، علي مرأي من أهل المدينة الذين استنكروا هذه الهجمة التي تريد ابادة أهم أوعية المعرفة. ويرفع من قيمة هذه الدراسة العلمية أنها الأولي من نوعها، لأن كل ماسبقها في جامعة القاهرة وغيرها، في حدود علمي، عبارة عن دراسات عن حركة نشر الكتب، وعن الانتاج الفكري في أحد العصور الماضية، وليس في العصر الراهن وقد كانت مثل هذه الدراسات تقتصر علي الكتب الجامعية، أو الصادرة عن دار الكتب ومراكزها العلمية، أو عن المؤسسات الصحفية، أو دور النشر كدار المعارف. أما هذه الدراسة التي تتألف من خمسة فصول فتتناول في فصلها الأول تاريخ ونشأة بيع هذه الكتب المستعملة، والتي ترجع إلي العصر العباسي الذي كانت المخطوطات تباع فيه في أسواق الوراقين علي يد الدلالين الذين يعقدون الصلات بين المشتري والبائع . وتحدث هذا الفصل أيضا عن مهنة بيع الكتب التي يتوارثها الآباء عن الأجداد،والابناء عن الآباء، واهتمت فيه الباحثة بالتعرف علي الباعة باسمائهم، ومناقشة متاعبهم وشكواهم من مطاردة الأمن المركزي والسلطة في حالة مرور الشخصيات الهامة علي مقربة منهم أو تخوفا من وجود كتب ممنوعة مخلة بالآداب، أو مناهضة للنظام. ويختص الفصل الثالث بالمؤلفين والمترجمين لهذه الكتب، وكان يمكن أن يضاف اليهم أسماء المحققين الذين كان لهم دورهم البارز في تقديم كتب التراث، ثم آلت كتبهم كغيرها إلي باعة كتب الأرصفة. ويتضمن هذا الفصل قوائم بالكتب المعروضة للبيع، تبين التنوع البالغ فيها. ويلي هذا الفصل فصل رابع عن صناعة النشر والناشرين، وهي صناعة تتراوح بين النشر التجاري البحت، والنشر الحكومي، والنشر الجامعي. ولأن المتلقي أو الجمهور القاريء هو أهم حلقة في هذا الموضوع، فإن الرسالة تختم فصلها الخامس بمشتري هذه الكتب من الموظفين والطلبة والمثقفين، أي بالتوزيع، ونسبة الذكور من القراء من الاناث، وأكثر الفئات الاجتماعية اقبالا علي هذه الكتب، اعتمادا علي سؤال المشترين أنفسهم. ومن هذه الرسالة يتضح أن طريقة عرض الكتب علي الأرصفة، وموقع الفرشات بجوار المؤسسات التعليمية أو محطات المترو ودور العرض المسرحي والسينمائي، يؤثر في تحريك همم القراء، ورفع نسب الشراء من الجنسين.