وزير الخارجية والهجرة يترأس حوار اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي التيرم الثاني 2025 في الدقهلية    بدء المرحلة الأولى من الموجه ال 26 لإزالة التعديات فى الفترة من اليوم السبت 10 إلى 30 مايو الجارى    "زراعة الفيوم" تواصل ضبط منظومة الإنتاج الحيواني بالمحافظة    إيطاليا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    مقتل وإصابة 70 سودانيا في قصف "الدعم السريع" لسجن ومستشفى الأبيض    متحدث "فتح" : توزيع المساعدات يجب أن يكون من خلال الأونروا وليس الإدارة الأمريكية    لا كسور.. الزمالك يكشف تطورات إصابة صبحي وناصر ماهر    جوارديولا: لم نتوقع ما فعله ساوثامبتون.. ولذلك شارك هالاند في اللقاء كاملا    السجن المشدد لعاطل لاتهامه بقتل عامل بالإشتراك مع آخرين بسوهاج    غادة إبراهيم: بوسي شلبي كانت بتدور على حد يعملها سحر يرجعلها محمود عبد العزيز    في احتفالية يوم الطبيب ال47.. "النقابة بيت الأطباء".. حمدي سعد ل"البوابة نيوز": تكريم اليوم الأهم في مسيرتي    نيابة الخليفة تقرر إحالة عاطل إلى محكمة الجنح بتهمة سرقة مساكن المواطنين    التيسيرات الضريبية... قبلة الحياة للاقتصاد الحر والشركات الناشئة في مصر    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    الكلاسيكو| أنشيلوتي يكشف موقف رودريجو ويؤكد: واثقون من الفوز    أول رد من رابطة الأندية بعد تأجيل «استئناف اتحاد الكرة» حسم أزمة القمة    بنك قناة السويس يعزز ريادته فى سوق أدوات الدين ويقود إصدارين ناجحين لصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 5.8 مليار جنيه    انهيار منزل سكني من 3 طوابق بالمحلة دون وقوع إصابات.. صور    تأجيل محاكمة أربعة متهمين بالتسبب في انهيار عقار بأرض الجولف    عطلوا أحكام الدستور.. تأجيل محاكمة 19 متهمًا ب«خلية المرج الثالثة»    تأجيل محاكمة طبيب تسبب في وفاة طبيبة أسنان بسبب خطأ طبي في التجمع    محلل سياسى: جولة الغد من مفاوضات إيران والولايات المتحدة حاسمة    يغادر دور العرض قريبًا.. تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما    طوابير خانقة وأسعار مضاعفة وسط غياب الحلول..أزمة وقود خانقة تضرب مناطق الحوثيين في اليمن    نائب رئيس الوزراء: مصر تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    نصائح لوقاية العيون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    رئيس وزراء سلوفاكيا يرفض حظر الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز من روسيا    بعد كتابة وصيته.. المخرج أشرف فايق يكشف تطورات حالته الصحية داخل غرفة العمليات    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا في زيارة مفاجئة ويبدي رضائه عن الأداء    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    انطلاق الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    خلافات بسبب العمل.. ضبط حلاق بتهمة قتل زميله بالعاشر من رمضان    هل منع الزمالك عواد من التدريبات؟.. مصدر مقرب من اللاعب يؤكد والأبيض ينفي    دعوة شركات عالمية لمشروع تأهيل حدائق تلال الفسطاط    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    وكيل وزارة الصحة بالمنوفية يتفقد مستشفى بركة السبع ..صور    أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبد العزيز.. فيفي عبده: الواحد لازم يصرف فلوسه كلها وميسيبش مليم لمخلوق    السجن المؤبد وغرامة 20 ألف جنيه لمتهمين بخطف عامل بقنا    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    بعد غيابه ثلاث مرات.. وصول زيزو ومحاميه لمقر الزمالك للمثول للتحقيق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزبكية
سور الوراقين.. يواجه المجهول
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 10 - 2013

العارفون بقيمة الثقافة والعلوم والتاريخ والآداب والكتاب هم المحبون العاشقون لأطلال تراب سور الأزبكية جامعة الفقراء ومعرض كتاب الغلابة كما يطلقون عليه. يحكي التاريخ قصة عشق جمعت رموز الآداب والثقافة والفنون بمنطقة الأزبكية حيث مكتبات هذا السور العظيم التي امتدت من العتبة وحتي تمثال ابراهيم باشا وجاوزت المائة والثلاثين مكتبة, يتاخمها ثلاثة مسارح عظيمة هي القومي والطليعة والعرائس والأوبرا وقهوة المختلط التي جلس عليها المصريون والأجانب معا في أول حوار للحضارات بين مختلف الجنسيات.
لم يشأ القدر أن يهنئ السور بنعمة الاستقرار وسط هذا المجمع الثقافي العظيم, ولكنه عاني الأمرين عبر التنقل من مكان الي آخر ولأكثر من خمس مرات علي مدي28 عاما, لعلنا نذكر جميعا ذلك القرار المتخبط الذي انتقل السور بمقتضاه الي منطقة ترب الغفير ليدفن مع الموتي وعلي بعد خطوات من مشرحة زينهم والباطنية. بالله عليكم من ذا الذي يذهب الي القرافة كي يحصل علي كتاب ومن ذا الذي يقترب من الباطنية حيث تجارة الموت والدمار.. لكن الأقلام الشريفة رفضت أن يهان السور الذي حمل علي عاتقة مسئولية ثقافة شعب علي مدي عقود منذ نشأته في مطلع القرن الماضي, فاستجاب المسئولون لضغوط المثقفين وعاد السور الي منطقة الأزبكية. ولكن ورغم عودة الروح والحياة الي السور الذي استقر في مدخل محطة مترو العتبة يتاخمه البائعة الجائلون بأصواتهم المزعجة وبضائعهم الرثة, الا أنه لم تهدأ بعد مخاوف أصحاب المكتبات من قرارت النقل مرة أخري بعد تردد أنباء لديهم عن اتجاه المحافظة لنقلهم الي خلف مطافئ العتبة لعمل توسعة لمسجد عباد الرحمن المجاور لمحطة مترو الأنفاق بالعتبة.
وسط هذه الأجواء المحمومة والمشحونة بالتهديدات والتنقلات, يقف الوراقون عاجزين مستنكرين ما يحدث لهم ولسورهم العظيم الذي يظل هو شاهد الاثبات الوحيد لتجمع قمم أدبية وسياسية علي المقاهي المجاورة له مثل شاعر النيل حافظ ابراهيم ومريديه والتقاء جمال الدين الأفغاني بتلاميذه وتردد الحائز علي نوبل نجيب محفوظ لاقتناء كتب الفلسفة, علاوة علي ما رواه البعض حول زيارة الزعيم جمال عبد الناصر للأزبكية واصداره أمرا رسميا بالتصريح للوراقين بالجلوس علي السور. رغم قيمة السور التاريخية لم يطلب منا تكريما ولا نياشين ولا جزاء ولا شكورا ولكن عودة الروح والحياة وانقاذ خلاصة فكر وعقول خيرة الرجال من المؤرخين والأدباء, وملاذ الباحثين من القراء البسطاء عن الثقافة والتنوير من خلال اقتناء الكتب الملقاة علي الأرصفة والطرقات.
وايمانا منا جميعا بقيمة الثقافة والمثقفين, تفتح جريدة الأهرام ملف الوراقين ومعها نخبة من خيرة كتاب ومثقفي الأمة الذين طالبوا جميعا بعودة سور الكتاب الي مكانه القديم في ربوع الأزبكية مؤكدين أننا لسنا أقل من دول مثل روسيا التي أقامت سور الكتاب علي نهر الفولجا, وفرنسا التي وضعته علي نهر السين ولندن التي جعلته في حديقة الهايد بارك في مشهد يعكس الثقافة والحضارة والجمال.
يقول حربي محسب57 عاما ورثت هذا المتجر عن والدي وجدي, سمعنا من الكبار أن سور الأزبكية انشيء في منتصف فترة ولاية الخديوي عباس حلمي الثاني سنة.1907 كان جدي رحمة الله عليه يقول لي أن أصعب شئ علي الانسان التعرض للتهديد في أكل عيشه. وكان أصعب خبر نسمعه هو أننا سننقل عنوة واقتدارا. فمنذ4 شهور نتلقي تهديدات ورضينا بنقلنا أكثر من مرة لكننا ناشدناهم تأجيل عملية النقل حتي تنتهي أعمال الحفر داخل الحديقة لتبدو الصورة أكثر وضوحا بالنسبة لنا. وعلي مدي28 عاما الأخيرة تنقلنا5 مرات بسسب سوء التخطيط.
تراث مصري
ويضيف: للأسف الشديد لا أحد يعرف قيمة سور الكتاب ولا يتم التخطيط له بشكل صحيح في الماضي والحاضر ويتعاملون بعشوائية.. السور تراث مصري وزبائننا من آسيا وافريقيا تحديدا من مدينة البعوث الاسلامية من افريقيا وشرق آسيا. في السوق يوجد كل شئ الروايات, الكتب المتخصصة, الكتب المقررة نبيعها بنصف الثمن.ودائما اتساءل كيف نفرط في هذا الجمال لأن تفريطنا يعني أننا بكل بساطة لا ندرك قيمة الشئ الذي بين أيدينا.
ويؤكد: التقيت والأديب الكبير نجيب محفوظ وأنا جالس في متجر أبي عندما ذهب أبي ليستريح بعض الوقت في القيلولة وكان عمري14 عاما وقتها.. سألني الأديب ألم يجهز جدك كتب الفلسفة التي طلبتها. أجبته بأنه لم يترك شيئا لكنني بادرت الأديب متساءلا أنت تكتب أدبا وما علاقة الفلسفة بالروايات؟ أجابني قائلا عندما تكبر ستعرف.. وبالفعل عندما كبرت علمت أن الأديب الراحل خريجا لكلية الآداب قسم الفلسفة وبقراءتي لرواياته وجدت تشريحا للشخصية المصرية من خلال قراءته ودراسته للفلسفة.. قرأت في رواية الحرافيش عبارة لولا سنة التغيير ما تعاقبت الفصول وهذه فلسفة.
التقيت أيضا والاستاذ الكبير كامل زهيري رحمه الله الذي كان دائم التردد علينا لشراء كتب التاريخ والأدب.. وكان يتعامل بحميمية ويسألني من آن لآخر عن حال أولادي.
أما الاستاذ جمال بدوي فقد التقيته قبل وفاته بشهور في أثناء معرض الكتاب وكان من أكثر المترددين علينا وبعد تفقده للكتب, قال مالكم يا عم تعبتوا ولا أيه.. وأذكر أنه لم يشتر منا في ذلك اليوم كتابا واحدا بعد أن كان يشتري من20 الي30 كتابا, ويبدو وقتها أن مستوانا قد تراجع.
ويوضح: بالطبع تؤثر الحالة الاقتصادية علينا, فعندما تشهد سوق الكتاب تراجعا نحاول وقتها أن نحافظ علي ما في جيوبنا من مال لنواجه متطلبات الحياة من مأكل ومشرب, وعندما يكون هناك انتعاش, نقتني الكتب لتزخر بها مكاتبنا, وتتنوع المكاتب في السوق فمنها المتخصص في كتب القانون أو الكتب الاسلامية والمجلات الأفرنجي, أما أنا فأنحي اتجاها آخر وأفضل كتب التاريخ والسياسة والآداب والمجلات القديمة. واحيانا أبيع كتابا قديما ثمنه ثلاثة قروش مقابل30 جنيها.
يشير: لم أكن أفضل أن يعمل أولادي في هذه المهنة بسبب معاناة الانتقال من مكان لآخر. واعتقدت أنني كانسان لابد أن اطور نفسي وأولادي هم امتدادي ولا بد أن يكونوا شخصيات لها وزنها وثقلها وحيثياتها.
ويشكو: مشكلتنا أن المحافظة تريد أن نخلي الساحة لمسجد عباد الرحمن الذي كان يجاورنا قبل بدأ أعمال الحفر من أجل المرحلة الثالثة لمترو الأنفاق.. وهذه المسألة لا ناقة لنا فيها ولا جمل فهم نقلوا المسجد من جانب السنترال ليصبح وراءنا, أما الآن فيريدون أن يقام الجامع في مكاننا وننتقل نحن وراء المطافئ, وكأننا نحن الحائط المنخفض ولم لا ونحن نتبع البلاعات والمجاري هم يتعاملون معي وكأنني كشك سجائر وخرداوات وهذا لا يصح أبدا.. كل هذا ووزارة الثقافة تقف موقف المتفرج رغم مناشدتنا لها أن نتبعها.
ويستطرد: الكتاب ليس سلعة ولكنه عقول ناس وخلاصة فكرهم ولابد أن يستفيد به كل الناس.. وأتعجب ممن يمتلكون تراثا من الكتب ويضعونه في مخازن بدلا من أن يفيدوا الناس بها.. وأحيانا أقابل ناسا جميلة تعطيني ما لديها من كراتين للكتب دون مقابل مؤكدين رغبتهم في أن يستفيد بها الناس. وأنا أيضا عندما يكون شخصا ما بحاجة للكتاب وليس معه الثمن كاملا أعطيه الكتاب لحين ميسرة من الرزق ولا تفرق معي ان لم يف المشتري بوعده ويسدد ثمن كتابه. وأود أن أقول أن أول كلمة نزلت علي الرسول الكريم أقرأ ولم يأمره الله عز وجل بالصلاة والزكاة والصيام.. القراءة تعني رقي الانسان وحضارته والانسان بدون معرفة لا فرق بينه وبين الكائنات الأخري. المثقفون الذين يقرأون ولا يعملون بما يقرأون أقول لهم كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وأنه لابد من القراءة والاطلاع فهل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون. وبعد الثورة تراجع الاقدام علي شراء الكتاب حتي في موسم الشراء مع بدء العام الدراسي أو فترة الامتحانات. ويبدوا أن الناس تعاني بسبب تدني الأجور وارتفاع الأسعار.
يوضح: تزخر منطقة الأزبكية بتركيز ثقافي حقيقي كالمسرح القومي ومسرح العرائس والطليعة وسور الأزبكية وكشك الموسيقي, منطقة مشعة بالثقافة, ولم يغب عن بالي وذاكرتي أبدا الزمن الجميل الذي عشناه ولا ولن أنسي عندما اصطحبني أبي واخوتي الي مسرح العرائس لمشاهدة مسرحية لصلاح جاهين عنوانها صحصح لما ينجح.. وكانت تناول موضوع الأطفال غير المرتبين والمنظمين في حياتهم, وايقنت بعدها كيف حفر أصحاب الفكر بداخلنا رسائل غير مباشرة لنتعلم الانضباط في حياتنا. واستطاع صلاح جاهين أن يرسخ ويؤسس بداخلنا لفكرة الانضباط وكيف استقامت حياة صحصح بعد أن تعلم النظام في الحياة.وقد تبلورت هذه الفكرة بداخلي منذ نعومة أظافري وربيت أبنائي وأحفادي أيضا علي دروس استفدتها من الحياة.
وبصوت لا يكاد يخلو من الأسف والأسي لما تشهده مصر من أحداث علي الساحة السياسية, يناشد عم حربي كل أبناء الوطن: دعكم من الفرقة والخلاف, فمصر طول عمرها وفقا لكلماته كالفسيفساء أي الزركشة, بها الملتحي المتوجه الي المسجد والشاب الليبرالي والسيدة المنتقبة والفتاة المتبرجة, بها من يرتدي الجلابية وآخرون يفضلون الجينز, بها المسلم والمسيحي وجمالها الحقيقي في تنوعها. سيبنا من الأفكار الهدامة ومحاسبة البشر للبشر فكرة مرفوضة فالي الله مرجعنا وسيحاسبنا جميعا من اهتدي فلنفسه ومن ضل فعليها.. وقد حدث المولي عز وجل رسوله الكريم, ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذا أمر الهي واذا خرجت مصر من هذا التنوع لن يكون لها طعم ولا معني. مصر درة الشرق الأوسط, اتحدي أن تكون هناك بلد تسهر24 ساعة وذلك يدل علي أنها بلد آمن. اصطحبني عم حربي في جولة داخل مكاتب السور ليقع حديث أحد بائعي الكتب علي أذني وقع الرعد.. كان يقول وبالحرف الواحد لو عاد سعد زغلول الزعيم الوفدي الراحل الي الحياة مرة أخري ورأي الوضع القائم لما قاوم وفاوض الانجليز علي الجلاء من مصر. اقتربت منه لاستأذنه في تفسير ما سمعت فرحب علي الفور.
نظرة استعلاء
أزمة مصر الراهنة ليست فقط هم المشتغلين بالسياسة, هذا ما وجدته من نوعية الكتب التي يقبل القراء علي شرائها وهذا ما لفت نظري عندما طلب الاستاذ شحاتة سيد كامل بالمعاش من أحد أصحاب المكتبات كتاب عن الوحدة الوطنية للدكتور مصطفي الفقي, فبادرته متسائلة لمذا هذا الكتاب بالتحديد؟ فأجابني قائلا من أجل الظروف التي تمر بها البلاد والأحداث المفتعلة التي نشهدها وقضية الوحدة الوطنية وجذورها جزء من هموم الشعب المصري وأقصي ما نتمناه جميعا الاستقرار للبلاد.
أما أحمد محمد عبد الحميد الطالب بكلية الاعلام جامعة الأزهر فهذه هي المرة الأولي التي يذهب فيها الي سور الأزبكية ليبحث عن كتاب دراسي. يقول محمد: سمعت عن سوق الكتاب من بعض زملائي الذين اعتادوا شراء كتبهم بأسعار معقولة من مكتباته. وأنا هنا لأول مرة لأشتري كتابا في الترجمة للدكتور محمد عناني..
تقول السيدة رضا أحمد موظفة بهيئة نظافة وتجميل الجيزة اعتدت قبل الثورة التردد علي السوق لشراء كتب التاريخ الذي أعشقه وأحصل عليها بسعر مناسب وبين يدي اليوم وصف مصر لجمال حمدان وفاروق ملكا لأحمد بهاء الدين, علاوة علي بعض الروايات التي أتبادلها مع أختي التي تحب القراءة أيضا.
يقول الأديب يوسف القعيد: أنا زبون دائم في كل الأسوار التي تبيع كتب قديمة كسور السيدة زينب بجوار مستشفي أبو الريش وسور جامعة عين شمس بجانب محطة المترو وبه6 مكتبات جديدة تبيع كتب نادرة وكذلك أمام محطة مترو أنفاق كوبري القبة هناك3 بائعين يبيعوا كتب قديمة لها حضارة..وأنا أحب الكتب لدرجة أنني أسأل في كل بلد أزورها عن مكان سوق الكتب بها. ويوضح: يبدأ سور الأزبكية في مكانه القديم من المسرح القومي وينتهي عند تمثال ابراهيم باشا. ويمكن للقارئ العودة الي كتاب محمد سيد كيلاني في ربوع الأزبكية الذي يتحدث عن جمالها وأهميتها ورمزيتها وكلمة العتبة تعني الربط بين القاهرة الاسلامية والقاهرة الأوروبية وبركة الأزبكية كانت مع بداية نهضة محمد علي باشا. وقد بدأت مشكلة السور في السبعينيات عندما قام يوسف صبري أبو طالب بعمل الكوبري الخازوق وقد كتبت مقالا شديد اللهجة وقتها انتقدت فيه ما حدث. ويشير: في المدن الكبري التي تحترم الثقافة والمثقفين تقام معارض الكتب علي أنهارها, ففي باريس يقام علي نهر السين وفي موسكو علي ضفاف الفولجا. منطقة الأزبكية كان بها مسارح للغناء ويجب أن تعتبر محمية ثقافية وبدلا من الحفاظ عليها أقاموا جراج متعدد الطوابق وطردوا عالم الثقافة.كما كان هناك قهوة المختلط التي تطل علي المسرح القومي وجلس عليها رموز ثقافة القرن العشرين وعلي هذه القهوة كان هناك أول عرض مسرحي ولا أحد من الأسماء المهمة لم ينل شرف الجلوس عليها وقد كانت تسمي قهوة المختلط لأنه كان يجلس عليها أولاد البلد ومعهم الأجانب أي أنها التقاء الحضارتين.. للأسف أزالوا القهوة التي كانت تطل علي ميدان العتبة ويمكنك أن تراها وأنت أمام المسرح القومي.
وقفة احتجاجية
وينتهي القعيد: أطالب بعودة سور الأزبكية واعادته الي مكانه الطبيعي والتاريخي والأساسي وأن يقتصر السوق علي محترفي بيع الكتب القديمة وليس للباعة الجائلين.وأدعو المتضررين بتنظيم وقفات احتجاجية للرجوع الي مكانهم الأصلي بدلا من باب مترو الأنفاق.وأذكر أن فاروق حسني كان قد فكر في اقامة السور في الزمالك علي ألا يسمح بمرور سيارات أو ماره فوق الكوبري بعد أن يفكك ويركب علي الجانب الآخر وتعرض هناك كذلك لوحات فن تشكيلي.
يقول جمال الغيطاني: قضية سور الأزبكية قديمة جدا منذ أن نقلوا السور من العتبة الي ميدان الأوبرا.. حتي المكان الذي تم نقله اليه في أول كلوت بيه لا أحد يعرفه أو يذهب اليه. قديما كان التردد نوع من الفسحة التي يحرص عليها الفرد وأري أن أزمة المسرح القومي هي حالة الفوضي المحيطة به بسبب البلطجية الذين احتلوا المكان حوله وهو ما يتسبب في عزوف جمهور كبير عن الذهاب ليلا خوفا من أعمال العنف والبلطجة..وسور الأزبكية كان متنوعا ومنظما فهنا بائع يبيع الكتب الانجليزية وآخر تخصص في الفرنسية.. وهكذا كان سور الأزبكية أفضل من سور الكتب علي نهر السين بفرنسا. ويعد تراجع الاهتمام بالكتب انعكاسا لعدم الاهتمام بالثقافة, لدرجة أنه في فترة من الفترات تم نقل الكتب الي ترب الغفير بالدراسة مع الموتي منذ15 عاما الي أن عد ليستقر في مدخل محطة مترو العتبة, لهذا أطالب بعودة السور الي مكانه القديم وكذلك علينا أن نشجع بائعي الكتب في سور السيدة زينب بأبو الريش وأنا شخصيا مدين لسور الأزبكية, هذا السور الذي كنت اشتري منه الكتب ذات القيمة العالية بأسعار رخيصة وكانت هناك عروض الكتاب بقرش وبقرشين ونفاجأ بنفائس الكتب.
يقول جمال الشاعر: تزخر مكتبة بيت الشاعر في الجمالية بنفائس الكتب. وتجمعني بمحمد صادق أحد أصحاب المكتبات التي يبدو وأنه قد ورثها عن والده علاقة قوية. وفي طنطا حيث سنوات الدراسة, كان هناك سور للكتب بجوار السيد البدوي وكان عم أحمد يقف علي السور المتواضع وكان ذكيا للغاية فاذا لمح احتياجنا للكتب كان يغالي في ثمنها. واستطعت من سور الأزبكية الحصول علي كتب الجبرتي ومترجمات الكتب العالمية.. هذا السور كان فرصة رائعة للتواصل مع الابداعات القديمة في ظروف اقتصادية صعبة. عندما جئت للقاهرة أصبحت زبونا دائما في الأزبكية وفي معرض الكتاب كان سور الأزبكية هو الأساس في معرض الكتاب والجولة الأخري تكون لدور النشر الكبيرة. هناك أيضا سور الأزهر بجوار الامام الحسين, حيث يلجأ اليه طلاب الأزهر من حوالي57 دولة اسلامية وهم زبائن دائمون حول مكتبات دور الأزهر الشريف التي تعد زادا معرفيا رائعا لطلاب العلم.
ويضيف: علي ضفاف نهر السين لا توجد اشغالات نواد أو احتلال من الهيئات كما هو الحال في مصر, الشئ الوحيد المسموح به هو عرض الكتب بشكل جمالي متحضر.. لهذا اقترح أن نستفيد بممشي النيل الممتد من الزمالك وحتي كوبري قصر النيل وقد سبق واستغلت في مهرجانات ولقاءات معرض الكتاب, حيث يمكن عمل أكشاك للكتب لا ترتفع عن سور النيل الحديدي وأن تطلي بنفس اللون. كما أطالب هيئة التنسيق الحضاري بوضع تخطيط حضاري وتصميم معماري يناسب البيئة ويضيف قيمة جمالية لهذا السور علي شواطئ النيل بدلا من السور الحالي بطريقته الارتجالية والعشوائية والفوضوية. كما يجب أن نكون ايجابيين ونفكر ونتصرف بشكل غير تقليدي وننزل بالفكر والكتب الي الشباب وكذلك بالفن التشكيلي الأصلي والمستنسخات وأن تعمم التجربة في كل حي.
تقول د. نجوي الفوال مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سابقا: كنت أتردد دائما علي سور الأزبكية أثناء التحضير للماجستير والدكتوراه وأحيانا أخري كنت ألجأ اليه لاقتناء الكتب لمكتبتي الخاصة وكتب السور الي جانب رخص أسعارها الا أنها نادرة ونفيسة.. والباحثون الجدد يحتاجون الي المعرض الشعبي الي جانب ذلك. ونحن نتساءل لماذا هجرت الناس القراءة. وهذا الاهتمام بدأ يضمحل والدولة لا ترعي سور الأزبكية ولا تضعه في مكان يسهل علي الباحثين الوصول اليه. ومع ظهور الانترنت تراجعت القراءة, بحيث يمكن تحميل أي كتاب منه. لكن سور الأزبكية يحمل تراثا وأهمية لا تقل عن أهمية الآثار. ويحمل تراث شخصيات ورموز أدبية وتاريخية عاشت يوما بيننا ولم يعد موجود سوي أعمالها في المكتبات. الي جانب أن هذه الكتب في عصرها كانت رصدا للمجتع المصري في تطوره. والتعرف علي الفكر السائد في حقبة ما, يصبح سور الأزبكية هو المصدر الوحيد له, لهذا يجب علي الدولة أن تستشعر أهميته وتوفر المناخ له حفاظا علي هذا التراث أسوة بما تفعله الدول المتقدمة مع الثقافة, فعندما كنت في زيارة لابني في لندن, وجدت سور الكتب مقام في الهايد بارك, في مشهد يقدم العلم والجمال والحضارة معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.