شيخ العمود «إلكتروني».. شرح 60 كتاباً على يد كبار العلماء أسبوعياً بالأزهر    افتتاح الملتقى التوظيفي الأول لطلاب جامعة الفيوم    آخر تحديث.. تراجع جديد للدينار الكويتي مقابل الجنيه في البنوك    «صديقة الخباز» فى الصعيد.. رُبع مليار دولار استثمارات صينية    كتائب القسام في لبنان تعلن إطلاق عشرات الصواريخ تجاه أهداف عسكرية إسرائيلية    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    طلب مفاجئ من محمد صلاح يقلب الموازين داخل ليفربول.. هل تحدث المعجزة؟    إمام عاشور يمازح جماهير الأهلي قبل نهائي أفريقيا.. ماذا فعل؟    رسميا.. المقاولون يطلب إعادة مباراة سموحة ويستشهد بالقانون وركلة جزاء معلول أمام الزمالك    آخر تطورات الحالة الجوية بالإمارات.. توقعات بسقوط أمطار غزيرة على عدة محافظات    مصري بالكويت يعيد حقيبة بها مليون ونصف جنيه لصاحبها: «أمانة في رقبتي»    تعرف على موعد عزاء المؤلف عصام الشماع    باسم خندقجي.. الأسير الفلسطيني الذى هنأه أبو الغيط بحصوله على «البوكر»    الأربعاء.. قصور الثقافة تحتفل بعيد العمال على مسرح 23 يوليو بالمحلة    إيرادات الأحد.. فيلم شقو يتصدر شباك التذاكر ب807 آلاف جنيه.. وفاصل من اللحظات اللذيذة ثانيا    خالد الجندي: «اللي بيصلي ويقرأ قرآن بيبان في وجهه» (فيديو)    «الرعاية الصحية»: نتطلع لتحفيز الشراكة مع القطاع الخاص بالمرحلة الثانية ل«التأمين الشامل»    رئيس جامعة كفر الشيخ يطمئن على المرضى الفلسطينيين بالمستشفى الجامعي    لجنة الصلاة الأسقفية تُنظم يومًا للصلاة بمنوف    برلماني: زيارة أمير الكويت للقاهرة يعزز التعاون بين البلدين    صندوق تحيا مصر يطلق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم الفلسطينيين في غزة    محمد حفظي: تركيزي في الإنتاج أخذني من الكتابة    استعدادًا لامتحانات نهاية العام.. إدارة الصف التعليمية تجتمع مع مديري المرحلة الابتدائية    انطلاق القافلة «السَّابعة» لبيت الزكاة والصدقات لإغاثة غزة تحت رعاية شيخ الأزهر    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    السفير محمد العرابي يتحدث عن عبقرية الدبلوماسية المصرية في تحرير سيناء بجامعة المنوفية    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    تأجيل نظر قضية محاكمة 35 متهما بقضية حادث انقلاب قطار طوخ بالقليوبية    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    زكاة القمح.. اعرف حكمها ومقدار النصاب فيها    مايا مرسي: برنامج نورة قطع خطوات كبيرة في تغيير حياة الفتيات    بعد انفجار عبوة بطفل.. حكومة غزة: نحو 10% من القذائف والقنابل التي ألقتها إسرائيل على القطاع لم تنفجر    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    طريقة عمل الكيك اليابانى، من الشيف نيفين عباس    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات سور الأزبكية ورائحة الورق الأصفر
نشر في القاهرة يوم 27 - 12 - 2011

"سور الأزبكية" اسم يصلح لبرنامج تليفزيوني مصري خالص واسم لعدد من الصفحات الثقافية في الصحف المصرية والعربية، ومن سور الأزبكية كان اسم برنامج إذاعي شهير قدمه الأديب سليمان فياض قبل أكثر من ربع قرن ومن خلاله أطلق علي السور لقب " جامعة الفقراء" حيث يجد الراغبون في القراءةِ والعلم من أبناء الطبقة الفقيرة ضالَّتَهُم بأسعار زهيدة. "سور الأزبكية" .. هذا السور العريق الذي شكل ولسنواتٍ طويلةٍ منزلةً خاصَّةً لدي المثقف المصري والعربي، فكانت كتبه المصدرَ الأوّلَ لمعظم الكُتّاب والمفكرين الكبار المتواجدين علي الساحة الثقافية الآن، وكثير من الراحلين ؛ لأنه بمثابة المعرض الدائم للكتاب في قلب القاهرة، ولا ينافس سورَ الأزبكية في تفرده الثقافي إلا ضفافُ نهر السين بمدينة باريس الفرنسية، فهما يشتركان في احتضان الثقافة وتقديمها للناس بمبالغَ قليلة! انشأ منطقة سراي الأزبكية المعز الظاهري منذ اكثر من خمسمائة عام وكانت تعرف قديما باسم «جنان الزهري» وتمتد من ميدان السيدة زينب حتي العتبة الخضراء . ثم سميت حديقة الأزبكية نسبة الي عز الدين ايبك قائد جيش السلطان قايتباي الذي قام بتجميل منطقة الأزبكية وجعلها حديقة للقاهرة منذ سبعة قرون، واحتفظت الحديقة ببركة الأزبكية التي كانت تأتي اليها المياه من الخليج الناصري حتي امر الخديو اسماعيل بردمها واستعان بالمهندس الفرنسي «ديشان» مسئول بساتين باريس لانشاء حديقة مساحتها عشرون فدانا عليها علي طراز حدائق فرساي الشهيرة بباريس وزودت الحديقة بنحو 2500 مصباح غاز وكانت تضم اشجارا ونباتات نادرة جلبها الخديو اسماعيل من جميع انحاء العالم الي جانب المسرح الفني ودار الأوبرا عام 1869 وفندق الكونتننتال عام 1889 وسيرك وملعب للخيول بدأ السوق بمجموعة من باعة الكتب القديمة؛ حيث كانوا يقومون بشرائها من (درب الجماميز)، ومكتبات (دار السعادة)، (والآداب) وغيرها، وكانوا في البداية يقومون بشراء الكتب صغيرة الحجم، ويقومون ببيعها علي مقاهي المثقفين (مقهي ريش، وزهرة البستان، ومتاتيا)، أما في ساعة القيلولة، وحين تُغلِقُ المقاهي أبوابها، فكان هؤلاء الباعة يلجأون إلي ميدان الأوبرا للاستراحة في ظل الأشجار التي كانت تملأ الميدان آنذاك، وأصبح شارع (حمدي سيف النصر)- الذي يفصل بين حديقة الأزبكية والأوبرا الملكية- مكانًا لعرض بضاعتهم من الكتب، ينجذب إليه المارة فيتوقف بعضهم لشرائها، ومع الوقت استقر الباعة في المكان، وعلي الرغم من غرابة البداية فإن السور أخذ في التطور، وعلي الرغم من ملاحقة السلطات لهم، لقربهم من الأوبرا الملكية -لدرجة أنهم سلطوا عليهم خراطيم مياه سيارات الإطفاء- تمسك الباعة بمكانهم، إلي أن وافق رئيس الوزراء (مصطفي النحاس) علي بقاء السور، وتم الترخيص للباعة. الكتاب والمثقفون في هذا التحقيق يحكون ل"القاهرة" كيف كانت علاقتهم بسور الأزبكية وماذا كان يمثل لهم في مرحلة تشكل الوعي.. مغارة علي بابا في البداية تقول الروائية والكاتبة بهيجة حسين: أول كتاب اشتريته من مصروفي كان من سور الأزبكية، وأتذكر جيدا انني جئت مع جدي في الستينات من القرن الماضي لمشاهدة احد الأفلام في دار سينما أوبرا في ميدان الأوبرا القديم، وكان جدي قد حضر للقاهرة لمشاهدة الفيلم وشراء بعض الكتب من سور الأزبكية حيث أخذني من يدي إلي هناك حيث شعرت بأنني ادخل مغارة علي بابا، كانت المغارة مليئة بالكنوز المميزة، شعرت برغبتي في شراء كل الكتب " حتي لو مش فاهمة حاجة فيها"، وفي هذا اليوم أذكر أنني اشتريت كتاب "ملخص قصة الفلسفة" وكنت في أولي إعدادي وبالطبع لم أفهم منه شيئا، يومها طلبت من جدي أن أشتريه بمالي الخاص، أما هو فقد اشتري لي مجموعة من الكتب التي تناسبني بالإضافة إلي مجلة كان اسمها "العصور" لاسماعيل مظهر، لم أفهم منها شيئا إلا عندما كبرت . وتضيف بهيجة: كنت أشعر أن الورق الأصفر يشبه جلد الطفل الصغير الذي أخشي عليه أن يجرح، هكذا كانت علاقتي بالكتب القديمة، لقد كان سور الأزبكية هو النواة الأولي لمكتبتي ولإمكانية القراءة، فمن هناك اشتريت سلسلة كتب جورجي زيدان ومجموعة هائلة من المجلات التي كانت تباع بعشرين قرشا للمجلد الكامل، وفي هذه المجلات قرأت أول وصف لجمال المرأة وكنت طفلة صغيرة احمرّ وجهي والكاتب يصف شعر البنت الطويل الذي وصل لخصرها، ووجهها الأبيض وكتفيها المستديرتين. كانت المرة الأولي التي اكتشف أن هذا ليس عيبا. علي سور الأزبكية اكتشفت أنه ليس عيبا أن يصرخ الناس من الفقر مع يوسف ادريس في "أرخص ليالي" . تتنهد صاحبة "حكايات عادية لملء الوقت" وتكمل حديث ذكرياتها: حتي الآن مازالت متعتي أن أمر علي سور نقابة المحامين والشهر العقاري كي اتفرج فقط علي الكتب القديمة رغم أن بعضها كتب قانون ولكن حنيني للكتاب " ابو جنيه" يدفعني لشراء كتب قد تكون لدي منها نسخ أخري فقد اشتريت بالفعل دون كيشوت لسربانتس رغم انني لدي نسخة من جدي، إلا انني لم استطع أن أقاوم وجوده بجوار السور وكان ممزقا إلي حد ما فأخذته وقمت بتجليده وكأنه طفل رضيع تائه، قام آخرون بالحفاظ عليه حتي أنجبته انا، المجلات أيضا اشتريت منها الكثير والكثير حتي لو لم اكن اعرف اسمها ولكنها متعة قراءة لغة الصحافة القديمة، وحتي لغة الإعلانات، فما زلت أذكر اعلانا لن انساه ما حييت .. شيكوريل، مقطع الحرير ب3 مليم، وبجوار الإعلان صورة لسيدة أنيقة جميلة تتسم بالبساطة والشياكة في نفس الوقت دون أن نسمع عن تسليع المرأة وانتهاك حقوقها، إعلان آخر عن صابون نابلسي، وثالث عن بابور الجاز وابرة البابور، متعة متابعة الإعلانات في الجرائد تفوق عندي متعا كثيرة لأنها تشعرني بالحنين وبالحميمية التي شكلت وعيي الذي كانت بدايات تشكيله عند سور الأزبكية. عبقرية عمر وعن ذكريات القراءة الأولي، يقول الناقد الدكتور مدحت الجيار: ولدت بحي الجمالية بالقاهرة، وأول سور تعاملت معه كان سور الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة، وكان ذلك عام 1964 عندما نصحني أحد باعة الكتب بعدما سألته عن العقاد ونجيب محفوظ أن أذهب لسور الأزبكية، وهناك رأيت عالما جديدا لم أكن أتوقعه، مجموعة من الأكشاك تحيط بسور حديقة الأزبكية ومن هناك اشتريت كتبا لكل الأدباء المحترمين في القرن العشرين وحين كبرت قليلا بدأت أقتني الكتب ذات الجلد الفخم وذات الأجزاء المتعددة كنوع من الترف الثقافي، وكنت احمل الكتب علي كتفي "حمل بعير" وأسير بها من الأزبكية ومرورا بشارع 26 يوليو إلي نهايته في الزمالك وصولا إلي إمبابة لأدخل بيتي وأغلق غرفتي علي نفسي، سعيدا بكنوزي التي كانت تمنعني وقتها من الذهاب للجامعة قبل أن انتهي من قراءتها، وفي أحيان أخري كنت أنسي نفسي وأنا علي سور الأزبكية فأبدأ في قراءة كتاب ولا أقوم قبل أن أنتهي منه وأذكر أنني فعلت ذلك مع "عبقرية عمر" للعقاد وقتها كافأت نفسي بواحد مكرونة في الفرن وأيس كريم من حلواني ويلسون الشهير. ويضيف استاذ ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة الزقازيق، مازالت لدي الطبعة الأول من كتاب عن الانجليز الساكسون لأحمد فتحي زغلول، شقيق سعد زغلول وكذلك الطبعة الأولي لكتاب عن طبائع المصريين صدر سنة 1902 لكاتب اسمه محمد عمر، كان يعمل في بوستة العتبة والكتاب يتحدث عن المصريين وكأنه يعيش بيننا الآن، تحدث عن الأغنياء والفقراء وكيف يحتفلون بالحياة، وعن المتدينين الذين يريدون البعد عن الانحراف.. الغريب في الأمر أن المترجم المعروف بشير السباعي كان يترجم كتابا عن الفرنسية ووجد فيه سيرة محمد عمر وكتابه، وسألني عنه فأعطيته الكتاب الذي استعان به في تصحيح بعض الترجمات التي كانت تختلف قليلا عما وجده في النص الفرنسي، ومن النادر أيضا عندي، عدد كبير من المجلات والصور مثل مجلة "المقتطف" التي احتفظ منها بالعدد الذي تم فيه تنصيب الأمير هيروهيتو امبراطورا لليابان سنة 1936 . الشوقيات أما الشاعرة والكاتبة فاطمة ناعوت فتقول عن سور الأزبكية، أزعم أن جيلنا كله، تشكل وعيه عن طريق القروش القليلة التي كنا ندخرها لننفقها في نهاية الأسبوع علي هذا السور بمجمع الكتب القديمة، وفي الورق الأصفر وصفحاته الممزقة ورائحته القدم والعتاقة تفوح من بين دفتيها، أطرف ما حدث لي مع السور حينما كنت في المرحلة الثانوية وبدأت أميل إلي كتابة الشعر وطلبت من أمي "الشوقيات" فذهبت معي علي مضض لأشتريها ( لأنني كنت أهددها بعدم الاستذكار، إن لم تشتر لي ما أشاء، فالكتب غالية ولا تكفي قروشي القليلة لشرائها خلسة، بعيدا عن عيون أمي التي كانت ترفض أن أقرأ في شيء خارج المناهج الدراسية لكي تضمن لي ولشقيقي التفوق الدراسي الذي انتهي بنا إلي كليتي الطب لشقيقي والهندسة لي ) وافقت أمي واشترينا الشوقيات، وبعد أسبوع فاجأتها أنني أريد الأعمال الكاملة لنزار قباني ولحسن الحظ لم تكن تعرف أمي من هو نزار قباني فذهبت معي، وبعدما اشترينا الدواوين وركبنا السيارة، شيء ما جعلها تمسك بأحد الدواوين وتتصفحه وكان لسوء الحظ " طفولة نهد" .. نظرت لي برعب وقالت الكلمة التي لن أنساها " لف وارجع تاني يا عم ابراهيم" وبالفعل عاد السائق ضاربا صفحا عن صراخي وبكائي في السيارة، وأرجعت أمي الكتب ثم بدأت مرحلة الرقابة المشددة علي كل ما يدخل بيتنا من كتب حتي وصل التفكير إلي حقيبتي المدرسية . وتضيف ناعوت: لذلك كانت لحظات تعيسة بالنسبة إلي جيلي حينما بدأت الأخبار تتناثر حول وشك إغلاق سور الأزبكية، شعرنا وقتها أننا نسرق وأن جزءا من تاريخنا ومستقبلنا وربما مستقبل أولادنا يتم استلابه دون أن نستطيع أن نفعل حيال ذلك شيئا، لذلك سنظل مدينين لهذه البقعة الثرية من بقاع القاهرة، لأنها كانت وراء مخزوننا الفكري والمعرفي والذي صنع منا كتابا وقضاة ومحامين ومفكرين .. وماذا عن الكتب النادرة التي تحتفظين بها في مكتبتك من سور الأزبكية .. سؤال ردت عليه فاطمة ناعوت قائلة: بعض أجزاء من كتاب الأغاني للأصفهاني والشوقيات كاملة والعديد من الروايات العالمية وبعض الأعداد النادرة من سلسلة "المغامرون الخمسة" لمحمود سالم، وتاريخ الإسلام السياسي لعلي عبد الرازق. أصل الأنواع الروائي ابراهيم عبد المجيد المولود بالاسكندرية والذي لم تسمح له طفولته لبعد المسافات بين القاهرة والاسكندرية أن يكون من مرتادي سور الأزبكية، لكنه رغم البعد، ظل حريصا علي زيارته للسور كلما جاء للقاهرة لنشر قصصه في المجلات والاصدارات القاهرية قبل أن يقرر الاستقرار النهائي بها أوائل السبعينات، يقول صاحب " ليلة العشق والدم "، كانت زيارتي للقاهرة حدثا مهما لا يجب أن يفوتني خلاله الذهاب لسور الأزبكية قبل أن يأخذ هذا الشكل التجاري الذي هو عليه الآن والذي أفقده الكثير من رونقه القديم، اشتريت من هناك " هكذا تكلم زرادشت " أحد أشهر اعمال الكاتب والفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وكتاب " أصل الأنواع " لدارون، بالإضافة لبعض الروايات العالمية خاصة للإيطالي ألبرتور مورافيا والتي ما زلت احتفظ بها حتي الآن وكلما قرأتها تذكرت فترة مهمة في حياتي قبل أن تتشكل أفكاري وقبل أن تبدأ اعمالي في الظهور للنور . ورغم بعدها عن القاهرة ومصر طوال فترة تشكلها الثقافي، تقول الكاتبة والناقدة د . سمية رمضان، لم أكن أعيش في مصر بشكل يسمح لي بالتردد في طفولتي علي سور الأزبكية في مكانه القديم المعروف، ولكن السور الذي أعرفه والذي تعاملت معه كثيرا هو الموجود حاليا بالقرب من محطة مترو العتبة وميدان محمد فريد، والذي لم يبتعد كثيرا عن الموقع القديم، وقد بدأت شراء ما تبقي من الكتب القديمة التي ما زالت تحمل رائحة السور الأصلية، فنفس الحس مازال موجودا ونادرا ما أبحث عن كتاب ولا أجده، فهؤلاء الباعة يعرفون خبايا وأسرارا لا نعرفها نحن الكتاب والمثقفين ويستطيعون أن يحصلوا علي أي كتاب مهما كانت ندرته ( ولكن كله بثمنه) وقد اشتريت من هذا المكان النسخة الأولي من جريدة الأهرام وهذا كان بالصدفة البحتة. وتضيف صاحبة " أوراق النرجس": رغم عدم رؤيتي أنا وأولادي للسور القديم الذي كان يمثل رمزا للثقافة، إلا أنني أشعر بالحنين وانا ذاهبة للمكان الموجود حاليا، لأنه مكان وجداني، تتوقع دائما أن تجد فيه كل ما تريده وكل ما لن تجده في أماكن أخري، فروح الباعة القدامي ما زالت قائمة وما زالت الطقوس كما هي
طالما في النهاية يوفرون لك ما لن يستطع غيرهم توفيره وما زالوا يملكون لغة المهاودة والفصال التي كانت إحدي سماتهم، وبخلاف الشجن والإحساس الرائع بالمكان وعلاقته بالأوبرا القديمة التي افتقدها رواد وسط البلد بعد أن وقف جراج العتبة أمام تمثال ابراهيم باشا في تحد سافر للمثقفين وأصحاب الذكريات القديمة . وعن الكتب النادرة التي اشترتها من سور الأزبكية تقول سمية رمضان: نسخة نادرة من مجموعة محمود طاهر لاشين " يحكي أن " وكنت قد بحثت عنها في كل مكان حتي أحضرها لي أحد الباعة من هناك خلال أسبوع واحد من طلبي لها . من الإعدادية ويختتم الشاعر والناقد شعبان يوسف حكايتنا عن سور الأزبكية ويقول، "من اعدادي وانا باروح سور الأزبكية" .. كان ذلك قبل اربعين عاما وكانت المكتبات اكثر من الموجودة الآن بكثير وقد ارتبط ذهابي لسور الأزبكية بعدد من المفارقات التي لا تنسي، فذات مرة اشتريت كتابا وفوجئت بالبائع يساومني عليه مرة اخري، ويبدو انه أدرك قيمته بعد أن باعه لي، وفي مرة شبيهة اشتريت رواية أديب لطه حسين ب 5 جنيهات وكان عليها ختم عميد الأدب العربي واهداء الرواية إلي مصطفي النحاس سنة 1936، وعرض علي أحد الواقفين شراء الرواية ب200جنيه وهو يعلم أنني اشتريتها قبل دقائق بالجنيهات الخمسة، أما أطرف المواقف والتي كثيرا ما كانت تتكرر هو أنني كنت أشتري الكثير من الكتب ولا أجد المال الكافي لدفع ثمن ما اشتريته ولأنني كنت وقتها من الزبائن المعروفين للباعة كانوا يعطونني الكتب وأدفع في مرات لاحقة ( كنت باشتري شكك يعني ) وما زالت مكتبتي زاخرة بالكتب والمجلات والصحف المليئة بالطرائف والتي اشتريتها من سور الأزبكية، ولا انسي أبدا أنني اشتريت كتابا لي كنت قد وقعته لأحد الأصدقاء وهناك اكتشفت " أن بضاعتنا ردت إلينا" والأمر تكرر مع كثيرين غيري ويكفي أن تعلم أن كاتبا مثل عبد العال الحمامصي كانت أغلب محتويات مكتبته موجودة علي سور الأزبكية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.