اخطف رجلك واذهب إلي معرض القاهرة الدولي للكتاب ولن تندم! لقد فعلت ذلك علي مدي 42 سنة هي عمر المعرض وفي كل مرة تزداد المتعة والبهجة وأعود محملاً بعشرات الكتب المهمة التي لا أستطيع شراءها طوال العام ولا تتوفر إلا في أجنحة معرض الكتاب. أذكر أول مرة جئت فيها إلي معرض الكتاب وكان مقره وقتها في أرض المعارض بالجزيرة وكان ذلك عام 1968، وكنت وقتها في الصف الثاني الإعدادي ضمن رحلة مدرسية. جئنا بسيارة مهكعة مخلعة من بني سويف، لكن المتعة والسعادة كانتا بغير حدود، وفي تلك الزيارة التي لا أنساها اشتريت لأول مرة مجموعة كتب مازلت أحتفظ بها رغم مرور كل هذه السنوات، كان في المقدمة كتاب الأستاذ أنيس منصور الحائط والدموع الصادر في بيروت ويتحدث عن يهود إسرائيل السفرديم والأشكنازيم وجيل الصابراً وكان ثمنه وقتها 48 قرشاً بعد تخفيض 20٪ من ثمنه الأصلي، كان هذا أغلي كتاب اشتريته في حياتي في تلك الأيام فقد جئت المعرض بميزانية لا تزيد علي خمسة جنيهات هي كل ما أاستطعت ادخاره وتوفيره عبر سنة كاملة من المصروف وفلوس العيدية!! في تلك الفترة كان أنيس منصور هو كاتبي المفضل وبلغ من هوسي بما يكتبه في الصفحة الأخيرة بأخبار اليوم أنني كنت أقص تلك الصفحة وأقوم بتجميع هذه المقالات وأقرؤها بدل المرة عشرات المرات، ولأنيس منصور أيضاً اشتريت له بقايا كل شيء ووحدي مع الآخرين وكانا يصدران عن سلسلة اقرأ الشهيرة التي تصدرها حتي الآن مؤسسة دار المعارف، وكان ثمن الكتابين عشرة قروش ويا له من ثمن أيامها. ومرت الشهور والسنوات ولا تزال زيارة المعرض لها نفس المتعة والبهجة وابتداء من عام 1976 - العام الذي جئت فيه إلي بيتي روزاليوسف متدرباً وصحفياً تحت التدريب، أصبحت زيارة المعرضة مهمة صحفية فوق إنها عادة ثقافية ومتعة لا تنتهي! وعبر سنوات طويلة خاصة تلك السنوات التي تولي فيها مهام رئاسة هيئة الكتاب الدكتور سمير سرحان الذي استطاع أن يحول المعرض إلي أيام فرح حقيقي، حيث أستطاع أن يدعو إليه نجوم العالم العربي في الشعر والأدب نزار قباني، سعاد الصباح، محمود درويش، سميح القاسم، ومعهم من مصر فاروق جويدة وعبدالرحمن الأبنودي وكامل زهيري وعبدالمعطي حجازي والسيد يس ورشدي سعيد وجلال أمين وجمال الغيطاني والقعيد وغيرهم. ولا أخفي سعادتي أنني قابلت كل هؤلاء النجوم العرب، وكانت صاحبة الفضل في ذلك هي الزميلة العزيزة والإنسانة الرائعة الأستاذة نهاد جاد مدير تحرير مجلة صباح الخير وقتها وزوجة المثقف الكبير اللامع الدكتور سمير سرحان رحمهما الله، فهي التي تولت تقديمي لهؤلاء بحب ومودة وإنسانية لا حدود لها وأجريت حوارات مطولة مع نزار قباني، وكذلك د.سعاد الصباح وجدت طريقها للنشر في صباح الخير بتشجيع الصديق الكبير الأستاذ لويس جريس رئيس التحرير وقتها. في تلك الأمسيات الشعرية التي كان أبطالها نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وسعاد الصباح، لم يكن هناك مكان لقدم صغير وكان المكان يضيق بالحاضرين فنجلس علي الأرض في حالة نشوي غير عادية وأنت تسمع لأجمل وأحلي قصائدهم. في إحدي هذه الأمسيات خطرت ببالي فكرة مجنونة عندما اقترحت علي مدام نهاد جاد أن تتوسط لي عند نزار قباني بأن يهديني المجموعة الكاملة لأشعاره، وكانت المفاجأة المذهلة بالنسبة لي عندما وافق نزار علي طلبها وأستأذنها في أن يرسل سائقها الخاص إلي جناحه منشورات نزار قباني ليأتي حاملاً معه أربعة مجلدات من أشعاره ثم يكتب إهداء رقيقاً عليها ويهديني إياها! وعاماً بعد عام يستمر المعرض وتستمر زياراتي له، لكن الأحبة والأصدقاء يتناقصون ويرحلون بعيداً عنا إلي عالم آخر لا يعرف الفساد والكراهية، ولعل آخر الأسماء التي غابت ذلك المثقف العصامي وزير الكتاب العربي الحاج مدبولي الذي كان أحد نجوم معرض الكتاب بجلبابه الشهير وابتسامته الصافية وعشقه اللا محدود للكتاب والنشر، عند الحاج مدبولي سواء في مكتبته أو جناحه المميز في المعرض كنت تجد عشرات المثقفين العرب ومن جميع الأطياف السياسية يتحاورون ويتناقشون ويختلفون ولكن ذلك الخلاف الذي لا يفسد للود قضية! في معرض الكتاب عرفت وعشت تجربة الفرح الحقيقي بأن يكون لك عدة كتب من تأليفك وهي معروضة بجوار أسماء كبيرة لها مكانها ومكانتها في عالم الكتابة والتأليف، ويزيد من تلك السعادة ذلك القارئ المهتم الذي يقبل علي شراء كتبك ويطلب توقيعك عليها! علي مسئوليتي اذهب إلي معرض الكتاب ولن تندم ولا تعتذر بأن الكتب أسعارها نار وهذا حقيقي، لكني أنصحك بالذهاب إلي أجنحة هيئة الكتاب والثقافة الجماهيرية وسور الأزبكية، فهناك ستجد الآف الكتب المهمة والثمينة والقيمة بأسعار تبدأ من جنيه واحد للكتاب، أي بعشرين جنيهاً تستطيع أن تشتري عشرين كتاباً تكون بمثابة نواة لمكتبة تنمو وتكبر بمرور السنوات، وإذا كنت لا تبخل بدفع عشرين جنيهاً في شريط العنب العنب أو بوس الواوا فلا تبخل بشراء ما يجعل عقلك أكثر استنارة وفهماً واستيعاباً للحياة من السياسة والاقتصاد وشئون الحراك إلي أحوال الكرة وإنجازات سيد المعلمين المعلم حسن شحاتة وأولاده بكل إنجازاتهم. ولا يفوتني إلا أن أذكركم بالمثل الألماني الجميل الذي يقول: الإنسان القارئ لا يهزم!! نعم لا يمكن هزيمة إنسان قارئ أبداً!