عقب نشر مقال الأسبوع الماضي «مشروع المحافظ الذي أجهضه فساد قسم الأزبكية» اتصل بي الدكتور عبد العظيم وزير - محافظ القاهرة -، وأكد لي اهتمامه بسور الأزبكية، وبأن يستمر هذا المشروع الحضاري كما خطط له، وأنه يعد لاحتفال كبير في السور ليؤكد اهتمامه به خاصة أن مشروع القراءة للجميع قد بدأ ولابد أن يكون للسور دور فيه، والأهم من كل ذلك كله أنه قبل اتصال المحافظ قامت قوات الأمن بإعادة النظام إلي سور الأزبكية، واختفي أمين الشرطة الفاسد وتابعه لوبيا تماما من المنطقة. وقد وعد المحافظ بأن يستمع خلال الاحتفال لآراء وتصورات ومطالب باعة الكتب في السور حول تطوير السور ليظل علامة من العلامات الحضارية لمحافظة القاهرة. وهذا الاهتمام من المحافظ يستحق الشكر والعمل الذي قام به يستحق الشكرأيضا ، خاصة أنه يدرك قيمة سور الأزبكية التاريخية والثقافية بل والسياحية فأي سائح عربي مثقف عندما يأتي إلي مصر يضع هذا السور ضمن برنامجه السياحي، ويأتي إلي مصر مستشرقون لجمع مواد أبحاثهم ودراساتهم ولا يجدونها إلا في سور الأزبكية. وعندما أسس المحافظ هذا المشروع الحضاري استبشر المثقفون خيرا بأن ينعش ذلك عادة القراءة، لأن المكان أصبح مزارًا لهم، ولأن طلاب المدارس والجامعات من الناس الغلابة يحصلون منه علي كتبهم الدراسية بأسعار زهيدة، ولكن أبت مؤسسة الفساد التي تعشش في أقسام الشرطة بأن يستمر ذلك دون الحصول علي مكاسب خاصة فقررت أن تحتل الأماكن المحيطة بالسوروتخصصه للباعة ومعظمهم يبيع مواد غذائية دون معرفة مدي صلاحيتها للاستهلاك الآدمي. وبعدما نشر المقال عرفت من بائعي وسط البلد والعديد من الناس الكثير عن إمبراطورية أمناء الشرطة الذين هم أساس البلاء في العديد من المشكلات التي تعانيها شوارع العاصمة والذين يكسبون قوتهم ويمارسون بطشهم علي الناس الغلابة بسبب فساد ومعظمهم في أقسام الشرطة وسلبية مأموري العديد منها مما جعلهم يؤسسون دولة داخل الدولة حيث يفرضون الجباية علي الناس، ويؤجرون الشوارع العامة لحسابهم، ويتغاضون عن العديد من المخالفات، وأصبحت لديهم سلطات أقوي من سلطة المحافظ نفسه في شوارع العاصمة. بل الأدهي من كل ذلك أنني عرفت أن هناك ثلاثة من أقسام الشرطة عندما ينقل إليها أمين شرطة يصفه زملاؤه بأنه ذهب إلي الخليج بالنظر إلي أنه عبر الجبايات التي يفرضها والإتاوات التي يحصلها يجمع أموالا تشبه ما يجمعه الموظف المصري في دول الخليج عندما يذهب إلي هناك للعمل، وهذه الأقسام هي: عابدين والأزبكية والموسكي. ولكنني بحسبة بسيطة، وعبر ما أعرفه عن الجبايات المفروضة أستطيع القول: «إن أي أمين شرطة من هؤلاء «الخلايجة» يجمع في يوم واحد فقط ما يجمعه أي موظف مصري في دول الخليج في شهر كامل». وهؤلاء وهم يجمعون الجباية ويفرضون الإتاوات يزعمون أنهم يجمعونها لمأموري الأقسام، وهو ما يتطلب تطهير أقسام الشرطة من الفساد سواء من مأموريها إن كانت تجمع الإتاوة من أجلهم أم من أمناء الشرطة الفاسدين أنفسهم، وزيارة واحدة لوسط البلد تكشف عن أنهم قاموا بتأجير كل الأرصفة ولم يعد المشاة يستطيعون السير إلا في الشارع وهو ما يؤثر في حركة المرور في وسط البلد. كنت منذ سنوات قد كتبت عن متاعب يواجهها بائعو الصحف مع رجال التنظيم بمحافظة القاهرة، وتدخل المحافظ ومنذ ذلك الحين لم يتعرض الباعة لأي مشكلات، وهو أمر يؤكد أن المحافظ يدرك جيدًا الدور الحضاري لهؤلاء الباعة في أي عاصمة كبيرة. وإحياء المحافظ لسور الأزبكية بعد موات ورحلة بهدلة انتقلت به إلي عدة أماكن منها الدراسة، يؤكد إدراكه لأهمية القراءة ولأن أي عاصمة كبري لابد أن يكون لديها سوق ما لبيع الكتب النادرة مثل باعة الكتب القديمة علي نهر السين في باريس وفي الحي اللاتيني، واهتمام المحافظ بإعادة الانضباط مرة أخري إلي السور يؤكد أن هناك خللا ما في قنوات الاتصال تحجب عنه الكثير من الأمور غير الصحيحة التي تحدث في العاصمة والتي لو علم بها لحلها، وهذا الأمر يتطلب منه البحث عن حل له مثل أن يكون لديه خط ساخن لتلقي الشكاوي وأن يعمل في هذا الخط أشخاص يتمتعون بالنزاهة حتي لا يصبح الأمر بمثابة سبوبة لهم. وأكثر ما أخشاه هو أن يكون الانضباط الذي شهده سور الأزبكية الأسبوع الماضي وقتيًا يعود بعدها الأمين الفاسد أو آخر غيره لتحويله إلي سبوبة بمساعدة لوبيا أو آخر مثله، وهذه المخاوف سمعتها من الباعة في السور ومعظمهم يمكن أن نطلق عليه مسمي «كتبي» لما له من خبرة في المجال الذي يعمل فيه، وبعضهم له تاريخ لو كتب سيرته الذاتية لأصبحت تاريخا للثقافة والمثقفين بالنظر إلي العلاقة التي جمعتهم مع الذين تعاملوا معه من الكتاب والمثقفين والأدباء والكتاب وكيف كانوا يختارون الكتب وكيف كانوا يساومون علي الأسعار؟ وقد سمعت من بعضهم حكايات من هذا القبيل تصلح لأن تكون كتابا عظيما، ومعظمهم يقرأ الكتب التي يبيعها من أجل الاستفادة منها، وطرحت عليهم أن يطرحوا علي المحافظ خلال لقائه معهم، الذي أرجو أن يكون قريبا،أن يشكلوا مجموعة منهم تكون حلقة الوصل بين السور والجهاز التنفيذي للمحافظة لطرح المشكلات عليه ،أولا بأول وحتي لا تتكرر المأساة التي دعتني إلي كتابة المقال المشار إليه. وإذا كان المحافظ قد استطاع أن يعيد الانضباط إلي سور الأزبكية، وأن يعيد إلي المكان حركته التجارية الطبيعية، بعدما تحول إلي سوق عشوائية، فإنني أدعوه إلي أمر آخر وإن كان أكثر صعوبة وهو أن يستعيد أرصفة وسط العاصمة إلي أصحابها الحقيقيين وهم المشاة، فما يحدث حاليا أن أمناء الشرطة «الخلايجة» بالتواطؤ مع مأموري الأقسام الثلاثة السابق الإشارة إليها أو من دون معرفة منهم وهذه كارثة أخري، يؤجرون القطعة ب 15 جنيها لكل من يبيع أي شيء جوراب أو ملابس أو أحزمة، وأصبحنا لا نستطيع أن نمشي في الشارع، وللأسف فإن هؤلاء الباعة لأنهم يتصورون أنهم محميون من الأمناء يتعاملون مع الناس ببلطجة وقلة أدب، وتحول وسط العاصمة من منطقة مخصصة إلي الطبقة الوسطي إلي أخري لا يذهب إليها إلا المهمشين اجتماعيا، وأنا وكلي أسف أدعو الدكتور عبد العظيم وزير أن يقارن بين وسط القاهرة ووسط بيروت وأن يقارن بين المنطقة المخصصة للمشاة المحيطة للبورصة والتي أصبحنا لا نستطيع أن نمشي فيها من كثرة المقاهي، وبلطجة أصحابها هي للعلم ليست مقاهي مرخصة وبين مشروع سوليدير المشابه في بيروت ليعرف الفرق بين المشروعين. وإذا كان طريق الألف ميل يبدأ بخطوة فإنني أطلب من المحافظ أن يكون ما حدث في سور الأزبكية هو خطوة الألف ميل الأولي التي يعيد بها الانضباط إلي وسط العاصمة والتي تطهر أقسام شرطة «الخليج» من أمناء الشرطة الفاسدين ومأموري الأقسام إذا تطلب الأمر ذلك، ولا يسعني في النهاية إلا أن أعيد القول للدكتور عبد العظيم وزير.. شكرا علي اهتمامك بسور الأزبكية وبما تنشره الصحافة.