أشعر بالشفقة علي الدكتور عبد العظيم وزير، محافظ القاهرة، فالرجل يبدو أن نيته حسنة ويريد أن يفعل شيئاً، ولكن الفساد الذي يعشش في المحافظة لا يمكنه من فعل أي شيء لأنه أقوي منه، ويبدو أنه يدرك أن التصدي للفساد يمكن أن يعجل برحيله، من هنا اختار أن يتعايش معه بدلاً من الدخول في معركة خاسرة. وقد جرب المحافظ أن يتصدي للخلل ولكنه للأسف لم يتمكن لأن هناك مراكز قوي أقوي منه وأعتي. فعندما قرر أن يعيد الانضباط إلي شوارع وسط البلد لم يتمكن لأن هناك شخصًا ما نافذًا يفتح مقهي مخالف في الشوارع التي من المفترض أنها خصصت للمشاة، وكان أصحاب المقاهي يتندرون علي المحافظ ويدركون أنه لن يطبق القانون عليهم وهم مطمئنون لأن معهم من هو أقوي منه. ولا أريد أن أسميه لأن المحافظ بالتأكيد يعرفه. وعندما أراد المحافظ أن يستعيد لسوق التوفيقية وظيفتها ودورها وهو أن تكون سوقًا للخضار والفاكهة، بعد أن أصبحت سوقا لقطع غيار السيارات مجهولة المنشأ، كان الباعة الجائلون في السوق يدركون أنهم سوف ينتصرون علي المحافظ لأن معهم من هو أقوي منه وهو تاجر جملة كبير، أصبح أقوي من كل أجهزة المحافظ بما لديه من مال وقدرة علي الرشي وشراء الذمم. وأنا أدرك بالطبع أن الدكتور عبد العظيم وزير ليس سعد زايد ولا يوسف صبري أبو طالب اللذين كان الانضباط هو السمة الغالبة علي شوارع القاهرة في عهدهما، ولم يستطع الفساد أن يحتل المكانة التي يحتلها الآن في أروقة أجهزة المحافظة، واستطاعا أن يتصديا لمراكز القوي والنافذين من رجال الأعمال والمفسدين. وآخر المشروعات الجيدة التي أجهضها الفساد في المحافظة هو سور الأزبكية. فالمحافظ لأنه مثقف وأستاذ جامعي مرموق، تواصلت العلاقة بينه وبين الباعة في السور وعقد معهم أكثر من لقاء، وعندما قرر الباعة أن يكون لهم موسم ثقافي في المكان القديم لهم افتتحوه بلقاء مع المحافظ ذاته ثم مع الأستاذ محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب، وزار المحافظ السور أكثر من مرة وتابع بنفسه المشكلات التي يواجهها الباعة وحلها علي الفور. وعندما تقرر نقل السور من مكانه القديم القريب من مسرح الطليعة اختار لهم المحافظ مكانًا قريبًا، وقرر أن يكون لهم نموذج موحد للأكشاك والمحال وبالفعل أصبح السور نموذجًا حضاريًا فريدًا، يجذب المثقفين، وارتاح الباعة له، خاصة أنه بني علي طراز معماري فاطمي، والمحال نفسها واسعة يسهل فيها عرض الكتب ويرتاح لها المشترون من المثقفين وطلاب المدارس والجامعات. ولكن المشكلة أن المحافظ أقام النموذج وتركه للفساد يخربه. والفساد هنا يقبع في قسم الموسكي، حيث حول أمين شرطة السور إلي مزبلة، وخصخصه لحسابه، حيث يكلف أمين الشرطة هذا شخصًا يدعي «لوبيا» بجمع 20 جنيهًا يوميًا من كل من يريد أن يبيع أي شيء في المكان، فأصبح المكان سوقًا كبيرة لكل شيء إلا الكتب، حيث يعجز المواطن عن الوصول إلي الأكشاك التي تبيع الكتب وهي السلعة الرئيسية نظريا في المكان، فضلاً عن أن المكان أصبحت رائحته كريهة لا تطاق بسبب بائعي السندوتشات ونصبة الشاي التي وضعت عنوة في المكان، ولك أن تحسب عدد الباعة الواقفين لتعرف المبلغ الفلكي الذي يجمعه أمين الشرطة يوميًا عن طريق «لوبيا» الذي يجمع له 20 جنيهًا من باعة يعدون بالمئات يوميا. ومن أسف أن معظم الواقفين في المكان المحيط بالسور من البلطجية والمسجلين خطر وبالتالي فإن تجار السور لا يقدرون علي التصدي لهم، وعندما اشتكوا لرجال حي الموسكي ردوا عليهم ردًا مفحمًا هو «أهم بياكلوا عيش». والكارثة الكبري أن هناك كشكًا كان مخصصًا لدار المعارف وعندما لم تتسلمه الدار استولي عليه حي الموسكي ووضع يافطة عليه تؤكد أنه ملك للحي، ولكن أمين الشرطة الذي هو أقوي من المحافظ ومن رئيس الحي الغائب المغيب خصص هذا المكان لبلطجي جعل منه نصبة شاي وقهوة ثم خصص الجزء المواجه له لآخر جعل منه فترينة لبيع السندوتشات. وعندما اتصل صحفي لسؤال رئيس الحي حول مدي معرفته بهذا الفساد والحالة المزرية التي وصل إليها السور تهرب من الإجابة ثم قرر عدم الرد علي اتصالات الصحفي، وهو ما يؤكد أن رئيس الحي متواطئ في هذه الكارثة الأخلاقية. عندما يجمع «لوبيا» الإتاوة من الباعة يقول لهم إن أمين الشرطة يوزعها علي مأمور القسم وكبار الضباط، وفي نفس الوقت يتحدث الباعة في السور عن كروت شحن موبايل تذهب يوميًا إلي كبار ضباط القسم من أجل إتاحة الفرصة لأمين الشرطة الفاسد لخصخصة السور لمصلحته وغض الطرف عن فساده، وإن كنت أستبعد أن يطول الفساد كل أفراد قسم الموسكي فالأمر يتطلب تحقيقًا علي مستوي عالً من وزارة الداخلية بعد أن أصبحت خصخصة الأقسام ظاهرة واضحة للعيان ويعاني منها المواطنون. وقد استبعدت هذا الأمر ليس لأنني أثق في ضباط الشرطة ولكن لأنني أعرف أن هؤلاء الباعة الجائلين من الشراغيش استعان بهم ضباط مباحث القسم أكثر من مرة في التصدي لمظاهرات حركة «كفاية»، حيث يجمعونهم ويكلفونهم بمهام تتمثل في افتعال خناقات مع متظاهري الحركة حتي تتحول المظاهرات إلي خناقات، وفي فترة لاحقة طلب ضباط قسم الأزبكية - وهو أحد الأقسام «المخصخصة» كما كتبت عن حالة محددة من قبل - من الباعة الجائلين في ميدان الإسعاف أن يشهدوا زورًا بأن شباب حركة 6 أبريل اعتدوا علي الضباط في إحدي المظاهرات هناك. وهذا الأمر يعني أن ضباط الشرطة من خلال الاستعانة بهؤلاء الباعة المهمشين أكثر من مرة يلعبون بالنار ويريدون إشعال هذا البلد عبر حرب أهلية مفتعلة بين النشطاء السياسيين والزعران المهمشين. وهذه التجربة استوردها ضباطنا من ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية المنهارة. وبالتالي فإن تخريب سور الأزبكية هو مسئولية مشتركة بين هؤلاء الضباط سواء أخذوا حقهم من الأمين الفاسد أو تمثل دوره في أنه يجمع لهم هؤلاء المهمشين وقت الحاجة لهم فقط. وفي كل الأحوال فوزارة الداخلية إن كانت حريصة علي سمعتها وسمعة ضباطها فعليها التحقيق مع ضباط قسم الموسكي بدءًا من المأمور حتي الأمين الفاسد لأن الأول بالطبع مسئول عن وجود عنصر فاسد لديه في القسم ويتحمل مسئولية كبري عن هذا التخريب للسور. أما المحافظ نفسه والذي لا أشك في نيته الطيبة وسعيه إلي أن تكون القاهرة هي الأجمل فإن عليه عدة مسئوليات، في مقدمتها محاسبة مسئولي حي الموسكي علي الوضع المزري الذي وصل إليه سور الأزبكية، وعن تنازلهم عن الكشك المخصص للحي فلا هم أجروه لمن يستحق ولا هم استفادوا منه، لكنهم تنازلوا عنه للأمين الذي خصصه لبلطجي يثير الذعر في المكان كله، ويكفي المحافظ أن يري هذا الشخص ليعرف كيف تحول المكان إلي مأوي للبلطجه. كذلك علي المحافظ أن يشرف بنفسه علي إعادة السور إلي الوضع الحضاري الذي تركه عليه عند افتتاحه وأن يتابع بنفسه أحواله حتي لا يعود مرة أخري لقمة سائغة في يد هذا الأمين أو غيره. أما المسئولية الأخيرة للمحافظ فهي أن يخاطب وزارة الداخلية من أجل تطهير قسم الموسكي من الفساد الذي عشش فيه.