مكان وزمان واحد، لكن المطالب تختلف.. في مثل هذا اليوم «25 يناير» منذ 3 سنوات اختلف المشهد كليًّا، كان اسم هذا اليوم «عيد الشرطة»، شباب قرروا التظاهر ضد الحاكم ونظامه، وثاروا ضد الفساد والظلم والغلاء الذي وصل الذروة. اليوم «السبت – 25 يناير 2014»، وبعد ثلاثة أعوام في نفس المكان، تشتت الرفاق السابقون الذين جمعتهم المطالبة بإسقاط النظام، وأصبح الميدان لا يتسع سوى لمن أرادوا الاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة وتأييد الشرطة والفريق أول عبد الفتاح السيسي.. وكأنها مشاهد لمسابقة «أخرج الاختلافات بين الصورتين». «التحرير بين 2011 و2014» في الساعة العاشرة صباحًا يوم 25 يناير 2011 تجمع الرفاق في الميدان، لم يعيروا التصنيفات السياسية أي اهتمام، الميدان لم يفرق بين إخوان أو 6 إبريل أو اشتراكيين أو سلفيين، لم يفرق بين «لحية وبنطلون.. ستريتش وشعر كيرلي»، الكل باقٍ لعودة الحق لأصحابه وسقوط النظام.. أما العاشرة صباحًا 25 يناير 2014 فاختلفت عن نظيرتها الأولى، وتجمع مئات المواطنين من توجه سياسي واحد، وعلى أنغام «تسلم الأيادي» كانوا يحملون صور للفريق أول عبد الفتاح السيسي للاحتفال بذكرى الثورة. في 2011 كان الهتاف ضد «مبارك» الذي لم يخطر بباله أنها النهاية، أما الرئيس المؤقت «عدلي منصور» هذه المرة فيغيب تمامًا عن المشهد، لا بهتافات مناصرة أو مناهضة، ويخطف الفريق أول عبد الفتاح السيسي جميع الأنظار، وتجوب التحرير مسيرات تبايعه رئيسًا لمصر. «الداخلية على الأعناق» في 2011 كان «التحرير» بركان غضب من أجل استرجاع حق «خالد سعيد» الذي مات على يد قوات الشرطة في عهد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وكان الهتاف «الداخلية بلطجية»، وضد الانتهاكات والتعذيب في أقسام الشرطة.. إلا أنه بعد ثلاث سنوات تحول نفس الميدان إلى مقر للاحتفال ب«الداخلية» في عهد اللواء محمد إبراهيم، محمولين على الأعناق، ليصبح الهتاف «الشرطة والشعب والجيش.. إيد واحدة»، ويتم الاحتفال بهم لقدرتهم على استرجاع هيبة الدولة، وتضحياتهم للقضاء على الإرهاب. «الرئيس غائب» «الشعب يريد إسقاط النظام» هتاف قوبل بالرصاص منذ ثلاثة أعوام، لكن لم تحصد الرصاصات شيئًا سوى الإصرار على البقاء لتحقيق العدل وسقوط النظام، أما هتافات اليوم فأصبحت مديحًا للنظام وتأييدًا للفريق أول عبد الفتاح السيسي لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، ومكان الحركات الثورية الشبابية تواجدت حملات «كمل جميلك» و«الشعب يريد». «نور عينينا» «الجيش حمى الثورة».. شعار رفعته القوات المسلحة أيام ثورة 25 يناير 2011 بعد أن تعهدت أنها لن تطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين، وأعلنت انحيازها التام لرغبة الشعب، والتف حولها الثوار بهتاف «الجيش والشعب إيد واحدة». خلال الفترة الانتقالية تغير الهتاف مع تعدد مشاهد الاشتباكات بين الثوار والقوات المسلحة، منذ أن فضت قوات الجيش اعتصام التحرير 8 إبريل 2011، ومرورًا بفض مسيرة العباسية يوليو 2011، ماسبيرو أكتوبر 2011، اعتصام العباسية مايو 2012، حتى امتلأ الميدان في 2012 يوم الذكرى الأولى بمن يهتفون «يسقط حكم العسكر». عام آخر انقضى، وتغير هتاف الميدان للمرة الثانية، وأصبح مكانًا لعودة الهتاف للقوات المسلحة وقائدها الفريق السيسي، احتفالًا بقيام الجيش بتخليص مصر كما يقولون من حكم الإخوان، وسعيها لحماية الوطن ومكافحة الإرهاب. «الإخوان في الصورة» الإخوان هم الطرف الذي مر بكل المحطات، فبعد أن كان طرفًا أساسيًّا في ميدان يناير 2011، وبعدها تحول إلى تأييد المجلس العسكري. حشد الإخوان للموافقة على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، ووصفوا الثوار في محمد محمود ب«البلطجية»، سعيًا للحفاظ على مكاسب الجماعة السياسية، وحازوا الأكثرية في البرلمان المنحل وكرسي الرئاسة من بعده. بعد عزل مرسي في 3 يوليو 2013 هتفت الجماعة للمرة الأولى «يسقط حكم العسكر»، وعادت لإطلاق دعوات التوحد مع الحركات الشبابية الثورية، وقدمت لهم اعتذارًا على لسان تحالف دعم الشرعية المؤيد لها، مع اقتراب 25 يناير 2014، لكنهم لم يستجيبوا، وأعلنت بيانات متتالية رفضها تكرار الخديعة. «ورد الجناين أكبر سنًّا» ثوار اليوم يظهر فيهم بوضوح نسبة عالية من كبار السن، وهي نفس الملاحظة التي شغلت الوسط السياسي في الاستفتاء على الدستور «14 و15 يناير». وكما ظهر بينهم ثوار سابقون، كان منهم معارضون للمجلس العسكري السابق، إلا أن رفضهم للإخوان دفعهم إلى التأييد والعرفان بفضل القوات المسلحة وقائدها، فمنهم نسبة ممن رفضوا ثورة يناير من الأساس، ورفعوا صور الرئيس المخلوع مبارك داخل الميدان الذي سبق أن هتف بسقوطه، وآخرون عرفوا إعلاميًّا ب«حزب الكنبة»، من كانوا يلزمون منازلهم طيلة أحداث الثورة وما تلاها، حتى قرروا المشاركة إلى جانب ما يعتبرونه طريق الاستقرار. أما شباب 2011 «الورد اللي فتّح في جناين مصر»، الذين حملوا رفقاءهم شهداء على أيديهم فداء الثورة منذ 3 سنوات، واعتصموا 18 يومًا في الميدان يهتفون «حرية» ويتلقون الاتهامات من الإعلام الحكومي، فقد غابوا عن المشهد، وعادت الحركة الشبابية الثورية «أقلية»، تبحث عن إسقاط «كل من خان عسكر فلول إخوان» معلنين سخطهم عن المشهد كله. لجئوا للشارع مرة أخرى متفرقين، بعدما ظلوا يغنون منفردين على لحن الحرية.