• حوادث ملوى وميت رهينة لن تكون الأخيرة «لا نعرف حين تستقر الأمور هل سيبقى لنا آثار نعرضها أم لا؟» هكذا بادر بالسؤال حسان على، أحد سكان منطقة دهشور، مضيفا: «لا يعرف الأهالى الذين يستولون على الآثار أنهم يسرقون مستقبل أولادهم». حسان على يعمل «خرتى»، وهى مهنة منتشرة فى المناطق السياحية والأثرية ووسط البلد، وتقوم مهنتهم على مرافقة السائحين إلى المحال التجارية والبازارات، ويحصل على نسبة مقابل المشتريات. «الكساد أصاب المهنة، ما دفع أغلب العاملين فى المجال إلى استغلال علاقاتهم بالسياح لتسويق الآثار المسروقة، لذا فقد نشطت عمليات سرقة الآثار والاعتداء على المناطق الاثرية». الحديث لحسان على، أثناء جولة بمنطقة دهشور، حيث ترتفع أسعار المنازل بطبيعة الحال، لكنها زادت بصورة ملحوظة بعد الثورة، فهناك أشخاص بعينهم يلعبون دور الوسيط لآخرين غير معروفين بهدف شراء المنازل الموجودة فى المنطقة، خاصة تلك المنازل التى تنتشر حولها شائعات وجود آثار تحتها. يشير حسان كذلك إلى منطقة تنتشر فيها آثار بناء داخل حرم منطقة دهشور الأثرية، إذ شهدت محاولات للبناء الشهر الماضى، وأحبطتها الشرطة والقوات المسلحة. يتركنا حسان مع المهندس عبدالرحيم شطا، صاحب أحد البازارات بمنطقة دهشور، الذى يشرح بدوره ما يحدث حاليا: «عمليات التنقيب على الآثار من السهل أن تتم فى المناطق المبنية، أسفل المنازل، إلا أن المناطق المكشوفة لا يمكن أن يتم التنقيب فيها دون اكتشاف الأمر، ما يدفع السكان إلى الاعتداء بالبناء للتغطية على التنقيب». بحكم مهنته يعتقد الأهالى أنه قادر على تسويق الآثار المسروقة، لذلك يتلقى باستمرار أسئلة عامة تلمح بشكل أو بآخر إلى وجود آثار لديهم، لكن طبعا دون تصريح خوفا من الابلاغ عنهم. شهدت منطقة دهشور موجة من بناء المقابر بالقرب من الأهرامات، حيث تم بناء نحو ألف مقبرة بشكل غير قانونى على مقربة من أقدم الأهرام فى مصر: هرمى الملك سنفرو والد الملك خوفو على بعد نحو 25 كيلومترا من دهشور، والهرم الأسود المبنى من الطوب اللبن، وذلك فى إبريل من العام الجارى، الأمر الذى تمت مناقشته فى مجلس الشورى المصرى قبل حله. إلا أن العديد من خبراء الآثار والمسئولين، أكدوا أن البناء فى تلك المنطقة ما هو إلا وسيلة للتغطية على أعمال حفائر غير قانونية، لاستخراج الآثار وبيعها، مشيرين إلى أن الدولة خصصت أراضى لمقابر الأهالى منذ سبعينيات القرن الماضى، لكن البعض يستغل تقديس المصريين لحرمة الموتى، وحساسية التدخل الأمنى لإزالة المقابر للتغطية على أعمال التنقيب. تصوير: روجيه أنيس الحفائر غير القانونية لم تنحصر فى منطقة دهشور أو الصعيد فقط، بل وصلت أيضا إلى شرق البلاد، كما يقول د. محمد عبدالمقصود مدير آثار الوجه البحرى، موضحا أن 1200 قطعة أثرية تمت سرقتها من متحف القنطرة، خلال أحداث ثورة يناير، وبيعها لإسرائيل عبر لصوص الآثار. وناشد الحكومة بإعادة التنقيب فى المنطقة من خلال أجهزة السونار والرادارات، لأنها تضم آثارا كثيرة لم يكتشف منها حتى الآن سوى 10% فقط. فيما أكدت عالمة المصريات مونيكا حنا أن حادثة دهشور هى حادثة مكررة فى عدد من المواقع الأثرية فى صعيد مصر. وأضافت أن الفترة، منذ نهاية ثورة يناير وحتى الآن، تمثل العصر الانتقالى الرابع أو «فترة اللادولة الرابعة فى تاريخ مصر»، بعد تلك التى مرت بها البلاد بين الدولة القديمة والوسطى والحديثة فى العصر الفرعونى، «فبين اضمحلال دولة وقيام أخرى كنا نعرف ما يسمى بفترة اللادولة». وأوضحت مونيكا حنا أن مصر التى تشهد حاليا مساعى لإعادة بناء دولة ديمقراطية بحاجة إلى جهود المصريين جميعا بل والمجتمع الدولى لحماية آثارها، فهى تتعرض لعمليات سرقة ممنهجة. وتشير عالمة المصريات: «السرقة لا تطال فقط المواقع الأثرية الفرعونية بل المعالم الإسلامية والقبطية، إضافة إلى القصور والمبانى الأثرية التى تم هدمها منذ ثورة يناير». المتحف المصرى كان البداية مع انسحاب الشرطة من شوارع القاهرة يوم جمعة الغضب (28 يناير 2011)، كان المتحف المصرى هو أولى ضحايا الانفلات الأمنى، إذ تم اقتحام المتحف وتحطيم 13 خزانة عرض زجاجية وبعثرة محتوياتها.. تم تحطيم 70 قطعة أثرية وسرقة 28 قطعة أخرى، أغلبها من مجموعة كنوز الملك توت عنخ آمون، وتم اكتشاف السرقات من خلال عملية جرد قامت بها إدارة المتحف للتأكد من سلامة المعروضات، خاصة بعد ما تمت إثارته من أقاويل تفيد بأن الآثار المعروضة حاليا فى المتحف مقلدة، وأن عملية السرقة جاءت للتغطية على ما تم سرقته قبل الثورة، خاصة أن الكاميرات الموجودة بالمتحف لم تكن تعمل. أما فى مارس 2012 فقد شهدت مخازن البعثة الأثرية الألمانية الموجودة فى محيط معبد الملك أُمنحتب الثالث، والمنطقة المعروفة بوادى الحيتان غرب الأقصر. وفى التاسع عشر من شهر مارس 2011، تمت سرقة تمثالين أحدهما من حجر الجرانيت الأسود، بارتفاع 28 سم وعرض 23 سم، ويمثل أحد الآلهة، والثانى لرأس تمثال الإلهة سخمت إلهة الحرب فى مصر القديمة. وفى الصعيد أيضا وبالتحديد محافظة المنيا تم تدمير متحف ملوى بالكامل، وذلك فى أعقاب أعمال العنف التى اندلعت منتصف أغسطس الماضى، بعد فض اعتصامى أنصار المعزول برابعة والنهضة. تم قتل أحد الموظفين بالمتحف والاستيلاء على ما يزيد عن ألف قطعة أثرية وتحطيم الباقى، تمت استعادة 460 قطعة بعد حملات مناشدة من وزارة الآثار للمواطنين، فيما أكد التقرير المبدئى لبعثة اليونسكو التى زارت مصر عقب أحداث المنيا أن المتحف تم تدمير أغلبه. وأشار التقرير إلى أن الدمار شمل عدة كنائس ذات طابع أثرى فى تلك المنطقة نفسها، وتم الاعتداء عليها وحرقها بالكامل. ومن المتاحف إلى المخازن، أكد تقرير اللجنة التى شكلتها وزارة الآثار لجرد مقتنيات مخازن ميت رهينة (الصادر بتاريخ 8 سبتمبر 2013 ) اختفاء 261 قطعة أثرية من المخزن رقم 40، هذا بالإضافة إلى اختفاء الأوراق الخاصة بهذه القطع من سجلات المخزن الأثرية والتى توثق هذه القطع. تحف للبيع على النت الآثار المفقودة عادة ما يتم بيعها فى صفقات سرية دون الاعلان عنها، لينتهى بها الحال فى قصور الأثرياء أو فى الخزائن الخاصة بهم، لكن الصدمة كانت فى نشر موقع إسرائيلى متخصص فى التسويق الالكترونى (Baidun)، لإعلان لبيع آثار مصرية أصلية بأسعار متفاوتة، دون تحديد وسيلة الحصول عليها. ومن بين الآثار المعروضة مجموعة من التماثيل البرونزية لأوزوريس ترجع إلى العام 342 قبل الميلاد، وقناع مطرز يعود إلى العام 1650 ق.م، وغيرها من التحف الأثرية الثمينة التى تطرح تساؤلات حول التسيب الشديد الذى يسيطر على قطاع الآثار فى مصر. لكن الدكتور أحمد شرف مدير قطاع المتاحف بوزارة الآثار يؤكد أن هناك إدارة لاسترداد الآثار المسروقة وأن الوزارة تعمل على مراقبة صالات المزادات المعروفة لبيع القطع الأثرية لمتابعتها واسترداد القطع المفقودة، فيما يتم مقاطعة أى متحف يثبت عرضه لآثار مسروقة، ويتم ابلاغ اليونسكو لاسترداد تلك القطع. لا يوجد حصر دقيق لعدد الآثار المفقودة فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن، إلا أن الخبراء قدروا حجم المواقع الأثرية التى تم الاعتداء عليها بنحو 700 موقع أثرى، فيما يقدر د.محمد عبدالتواب أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الازهر عدد القطع المفقودة ب1228 قطعة تمت سرقتها من مخازن الوجه البحرى، بالإضافة إلى 200 قطعة من مخزن متحف كلية الآثار. وأكد أن 40% من مخازن الآثار يتم سرقتها بشكل شبه يومى. ثوار الآثار انتصار غريب، منسق حركة «ثوار الآثار»، اتهمت المسئولين باستغلال الانفلات الأمنى للتغطية على حوداث سرقة تمت من قبل مسئولى الوزارة، تم فيها استبدال الآثار المسروقة بأخرى مقلدة. وأضافت: «تقدمت بعدة بلاغات ضد مسئولى المتحف المصرى، بالإضافة إلى شكاوى اخرى عديدة. أين كانت كاميرات المراقبة التى تعمل بالمتحف طوال الليل عندما حدثت السرقة؟». يرد الكثير من الكلام حول وجود قطع مقلدة بالمخازن على أنها أصلية، ولكن لم تشكل لجنة محايدة للبت فى الموضوع، بحسب انتصار غريب، التى تنتمى لمجموعة ضمن كيانات أخرى لن تترك الأمر رهن الإشاعات.