أعدت وحدة تحليل السياسات، بالمركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، ورقة بحثية بعنوان «التقارب الأمريكى الإيرانى: أسبابه وفرص نجاحه»، نُشرت على الموقع الإلكترونى للمركز. تتناول هذه الورقة احتمالات حصول انفراج فى العلاقات الأمريكيةالإيرانية يؤدى إلى تسوية الملف النووى الإيرانى والقضايا المرتبطة بنفوذ إيران الإقليمى. حاولت الورقة البحثية رصد مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، التى شكلت الأرض الخصبة للتقارب الإيرانى الأمريكى ودفعها إلى تسوية سياسية. الدوافع الداخلية: حيث قامت كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى خلال عام 2012، بفرض حزمة جديدة من العقوبات ضد إيران، شملت منع استيراد النفط الإيرانى، ومقاطعة البنوك الإيرانية. مما أدى إلى تقليص حجم الصادرات الإيرانية بنسب كبيرة وخاصة الصادرات النفطية، وتقلصت معها موارد الخزينة العامة. مما أدى إلى زيادة نسب البطالة، وارتفاع التضخم المالى، وانخفاض قيمة العملة الإيرانية، واستشراء الفساد، وازداد الاستياء الشعبى بفعل العقوبات الاقتصادية. ومع وصول روحانى للسلطة، حدد مشاكل إيران فى قضيتين أساسيتين هما «السياسة الخارجية والاقتصاد»، وراى أن أى توصل إلى تسوية مع الغرب بخصوص الملف النووى يعد السبيل الوحيد لرفع العقوبات الاقتصادية. لقد جاء التوجه الإيرانى الجديد فى السياسة الخارجية، نتيجة توافق بين المرشد على خامنئى والحرس الثورى والرئيس حسن روحانى؛ خلال توافقات داخلية حصل بموجبها كل طرف على جزء مما يريده؛ إذ جاء تشكيل حكومة روحانى وفقا لرغبات خامنئى والتيار الأصولى المتشدد، فهى لا تضم أى شخصية إصلاحية، كما وعد روحانى بالالتزام فى السياسة الخارجية بما سماه خامنئى ب«فنّ المرونة والبطولة مع الحفاظ على الأصول». أما على صعيد الولاياتالمتحدة، فنجد أنها ترتبط بالأساس برؤية أوباما السياسية التى تنطلق من رغبته فى حل المشاكل الدولية بالطرق الدبلوماسية، والامتناع عن التورط فى نزاعات مسلحة خارجية ما لم تهدد المصالح الأمريكية مباشرة. الدوافع الخارجية: مع وصول الرئيس أوباما إلى الحكم فى البيت الأبيض عام 2009، وإعلان عزمه على سحب كامل القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية عام 2011، ومن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014، بدأت طهران تعد نفسها للزعامة الإقليمية. لكنه، مع خروج آخر جندى أمريكى من العراق، انطلقت الثورة فى سورية ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد. وعلى الرغم من كل المساعدات التى قدمتها إيران لسحق الثورة السورية، فإنها فشلت جميعها. ومع اهتزاز سلطة بشار الأسد فى سورية واضطراب وضع حلفائها فى العراق؛ نتيجة تدهور الوضع الأمنى والانخراط فى مواجهة شاملة على مستوى الإقليم مع دول الخليج العربية. قام هذا العامل بدور أساسى فى دفع إيران إلى التفكير فى إمكانية تحقيق تسوية مع الولاياتالمتحدة قد تقايض بموجبها القبول برقابة دولية صارمة على برنامجها النووى بما تبقى لها من نفوذ إقليمى، قبل أن يتداعى هذا النفوذ بصورة كاملة. ••• أما على صعيد الولاياتالمتحدة، فطبقا للقراءة الأمريكية، تعد الظروف الإقليمية والدولية، بخاصة بعد بروز سابقة تخلى النظام السورى عن سلاحه الكيماوى فى مقابل الامتناع عن ضربه عسكريا، ملائمة للتوصل إلى تسوية تحقق الأهداف الأمريكية لجهة تخلى إيران عن برنامجها النووى فى مقابل رفع العقوبات عنها، وتطبيع العلاقات معها. ومن هنا أيضا، يدرك أوباما رغبة طهران فى التوصل إلى حل سريع للملف النووى. وهى رغبة عبر عنها روحانى صراحة فى أكثر من مناسبة؛ لأن رفع العقوبات يحتاج إلى وقت طويل ستكون تكاليفه باهظة بالنسبة إلى الاقتصاد الإيرانى. من جهة أخرى، سيسعى جمهور المتضررين على المستوى الإقليمى والدولى من تسوية أمريكية إيرانية، إلى فعل أى شىء لمنعها إذا ظلوا بمعزل عما يجرى بين طهرانوواشنطن؛ فإسرائيل تحاول منع أى تقارب إيرانى أمريكى لا يحقق لها مطالبها الأساسية، وهو الموقف الذى عبر عنه نتنياهو فى الأممالمتحدة عندما حذر من الانخداع بما اسماه «تلاعب إيران بالمجتمع الدولى». أما تركيا وروسيا ودول الخليج، فتشعر كل منها بالقلق من أن يحسم الاتفاق المحتمل بين واشنطنوطهران من حساب مصالحهم، ما يضعنا أمام عدة سيناريوهات يمكن أن تتطور فى سياقها العلاقات الإيرانيةالأمريكية، وهى: السيناريو الأول: أن يؤدى انخفاض مستوى التوتر بين إيران والغرب إلى تفاهمات موقتة تحول دون وقوع صدام عسكرى، لكنها لا تكفى لعقد تسوية شاملة؛ نظرا لصعوبة الملفات المطروحة، وتعدد الأطراف ذات المصلحة فيها. السيناريو الثانى: أن يقود مسار التقارب الحالى إلى تسوية شاملة للملفّات العالقة تنتهى بتوافق إيرانى أمريكى يحفظ مصالح الطرفين، ومن ضمنها طبعا المصالح الإسرائيلية. قد يحصل هذا السيناريو انطلاقا من رغبة واشنطنوطهران فى اغتنام الفرصة لتحقيق ما يعتقد أنه مكاسب قد لا يحققها كل طرف فى ظروف تاريخية أخرى. السيناريو الثالث: يتمثل فى سعى الإيرانيين، إلى شراء مزيد من الوقت من دون تقديم تنازلات تذكر، فى انتظار الوصول إلى نقطة اللاعودة فى خصوص حصولهم على تكنولوجيا إنتاج السلاح النووى.