محمد صبحى: تقدم الجامعات المصرية بالتصنيفات الدولية بلورة لتوجيهات القيادة السياسية    وزير الصحة يفتتح الدورة التدريبية عن «الإدارة المعاصرة»    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أصول البنك المركزي المصري تقترب من 6 تريليونات جنيه بنهاية أبريل    هيئة الاستشعار عن بُعد تستقبل وفدا صينيا لتعزيز التعاون في مجال بيانات الأقمار الصناعية    محمد الباز: مصر تحملت ما لا يتحمله بشر فى إدارة مفاوضات صفقة الرهائن    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    البطل التاريخي.. 6 مباريات رسمت طريق مانشستر سيتي نحو لقب الدوري الإنجليزي    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    الشركات توقفت عن إنتاج ألف صنف دوائي والمرضى لا يجدون العلاج في زمن الانقلاب    تطهير شبكات ومواسير المياه بقرية الأبطال في الإسماعيلية    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    عاجل| مصدر رفيع المستوى يستنكر تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية لوقف النار بغزة    باحثة سياسية: دور أمريكا أساسي لترسيخ الاعتراف بالدولة الفلسطينية    مصدر مصري رفيع المستوى يستنكر الاتهامات المغرضة للأطراف الوسيطة في أزمة غزة    رئيس الوزراء: برامج التعاون مع البنك الدولي تستهدف دعم القطاع الخاص    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    البنوك الرقمية تُحدث نقلة نوعية في القطاع المصرفي المصري    تأجيل محاكمة طبيب نساء شهير وآخرين بتهمة إجراء عملية إجهاض بالجيزة    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    صدمه القطار.. مصرع تلميذ أثناء عبوره «السكة الحديد» بسوهاج    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    سيدة «المغربلين»    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الحكومة العراقية تطالب بإنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيزنس العائلات..أبوك يعرف أكثر وعندما يرحل فالأخ الأكبر هو المدير
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 07 - 2013

استمرار المشروعات والمؤسسات العائلية هو تحدٍ لأفراد الأسرة التى يقوم عليها البيزنس، ويعتمد إلى حد كبير على صلابتهم». المهندس خالد عياد يتكلم عن تجربته، فقد ورث عن أبيه هو وأشقاؤه الثلاثة مشروعا استثماريا، وهم يديرونه حاليا بنجاح بعد سلسلة من الكبوات، والصعود والهبوط، فعملية التوريث وانتقال مقاليد السلطة جعلتهم يعرفون أياما صعبة، كادت أن تعصف بمشروعهم.

والدهم الحاج عياد نزح فى منتصف الستينيات من مسقط رأسه بالقرب من طنطا إلى القاهرة، وتحديدا للأزهر حيث عمل مع شقيقه فى محال «مانيفاتورة».

استطاع القروى الطموح فى غضون سنوات معدودة أن ينشئ متجرا صغيرا، ثم طوره حتى تحول دكان القماش إلى مؤسسة عائلية كبيرة تضم مصنعا وسلسلة من الفروع يديرها الأخوين عياد، بل صمدت المؤسسة العائلية لأكثر من أربعة عقود ويديرها حاليا الجيل الثانى. لكن التحدى الأكبر والحقيقى كان يتمثل فى الاستمرارية بعد رحيل الأب المؤسس عن مسرح الأحداث.

يرصد الدكتور جميس‏.‏لى أستاذ الإدارة والاقتصاد بجامعة نورث كارولينا لحظات فارقة تمر بها هذه النوعية من الشركات العائلية، ويرى أن هناك خصائص مميزة للشركات العائلية ربما كانت وراء أسباب نجاحها عند تأسيسها، ولكن مع الوقت قد تتحول إلى مخاطر جسام، منها وبالتالى يتوجب أحيانا تغيير هذه الخصائص لضمان الاستمرارية‏، خاصة فيما يتعلق بتوارث الإدارة وضعف الرقابة العامة على نشاط هذه الشركات. وعلى الرغم من اختلاف النشاط وخصوصيته من مؤسسة للأخرى، على حد تعبير الخبير الاقتصادى، إلا أن هناك خصائص مشتركة لبيزنس العائلات بشكل عام. الدكتور جيمس.‏

لى الذى يعمل كمستشار للعديد من الشركات العائلية الأمريكية يذكر مثلا أن معظم هذه الشركات الخاصة قامت على مبادرة فرد وهو غالبا الذى يقودها، وتشرف عليها مجموعة صغيرة من الناس‏.‏ وبالتالى فإن الشركة العائلية تملكها أسرة معينة ولديها مرونة وحرية كبيرة فى استخدام أموالها وفى الادارة وفى استراتيجية نشاطها‏،‏ وهى شركة مستقلة لا تخضع للرقابة بصورة كبيرة، وتمثل امتدادا لحياة الأسرة وقيمها الشخصية‏.‏

مؤسسة عائلية أخرى تعمل فى مجال الطباعة، تعرضت هى الأخرى لمشكلة رحيل الأب القائد منذ ستة أعوام.. اختلاف رؤى الأشقاء السبعة حول المستقبل: ستة منهم كانوا يرون ضرورة استئناف المشوار الذى بدأه الأب منذ سنة 1946 والإبقاء على النشاط الذى يقتات منه حوالى مئة مستخدم، بينما رفض سامى الأخ الأصغر تلك النظرة التى تحكمها الرومانسية. معيشته لمدة تزيد على الثمانى سنوات بالخارج، جعلته يميل للتفكير البراجماتى، وفضل أن يوقف عمل المؤسسة ويبيع أصولها للاستفادة من الريع البنكى لرأس المال. ورغم تأجج الصراع الذى وصل إلى ردهات المحاكم، فقد نزل أبناء الجيل الثالث للعمل فى ظروف ضبابية، ربما ارتباطهم بالجد وبالقيم العائلية هو ما دفعهم للتصدى لمشكلة الآباء.


خالد عياد يتحدث عن بيزنس العائلات ومشكلات التوريث - تصوير: زياد حسن

اسمع كلام أخوك
إذا كان أحد الهموم الأساسية فى مثل هذه المشروعات هو كيفية الحفاظ على الإدارة ورأس المال فى ظل التوريث، لكن ثمة لحظات فارقة أخرى يمر بها البيزنس العائلى، من ضمنها صراع الأجيال. داخل مؤسسة عوارة، يقود دفة العمل عمرو، الشاب العشرينى الذى يمثل الجيل الثالث لعائلة تتوارث صناعة وتوزيع الحلوى أبا عن جد منذ أربعينيات القرن الماضى. يسعى عوارة إلى تطبيق النظم الحديثة التى تعلمها خلال دراسته لإدارة الأعمال بالجامعة الألمانية.

يميل الوالد الخمسينى أن يسير إلى جوار الحائط، ويفضل التعقل والتروى، لذا يكتفى بتقليل إنتاجية المصنع فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أما الابن فيميل إلى الاندفاع والمغامرة بحكم السن. وهو ما يخلق إشكاليات فى بعض الأحيان، خاصة وأن كل فرد من أفراد مجلس الإدارة يريد أن ينفذ قراره بحجة أن البيزنس ضمن مشروعه الخاص. وتزداد المعضلة عندما يتسرب موقف الشركاء إلى العاملين، فيسعى بعضهم لتأجيج الصراع لتحقيق منفعة شخصية.

التقاليد المصرية قد تشكل عائقا آخر، على حد تعبير المهندس عياد الذى درس هندسة النسيج لاستئناف مشوار العائلة، فأشقاؤه الثلاثة مثلا يتقاسمون إدارة تفاصيل المشروع، لكن كثيرا ما يضطر الاثنان الأصغر الخضوع لرأى الأخ الأكبر بحجة انه يمتلك الخبرة، هذا فى حين يفضل خالد الشقيق الأصغر أن يقوم بتطوير العمل وإفساح المجال لكل ما هو جديد. يقول أصغر الأشقاء: «الكثير من المشروعات العائلية الناجحة، حققت قفزة نوعية فى تاريخها العملى بسبب إتاحة الفرصة لإبداع الجيل الجديد».

أوردت دراسة قام بها معهد التخطيط بهذا الشأن أن تلك الشركات العائلية تمر بمراحل محددة: أولها شراكة الإخوة أو الشراكة العائلية حيث يتقاسم الوالدان الملكية مع أبنائهم، وفى نهاية الأمر ينتهى دور الوالدين ويتقاسم الإخوة الملكية بروح الشراكة، أما الجيل الثالث من الورثة فيضم فى كثير من الحالات مجموعة متباينة من أبناء العمومة. لكن ما يثير القلق هو مستقبل هذه المؤسسات مع رحيل جيل بعد جيل، إذ تشير الدراسة إلى أن 30% من مشروعات البيزنس العائلى تستطيع أن تستمر للجيل الثانى، و‏12%‏ فقط يستمر للجيل الثالث، و‏3%‏ للجيل الرابع‏.‏

حكاية العمات السبع
يغلب على البيزنس العائلى الطابع الذكورى، فالنساء عادة ما تلهيهن حياتهن الزوجية عن استئناف مشروعهم، على حد تعبير عوارة الذى اشتركت عماته السبعة فى البداية مع والده فى عملية الإدارة، قبل أن يصحبن أزواجهن للعيش خارج طنطا، أما شقيقاته من الجيل الثالث فقد فضلن دراسة مجالات بعيدة عن إدارة الأعمال. يتكرر المشهد نفسه داخل مؤسسة عياد، إذ انسحبت البنات من الجيل الثانى فى مقابل الحصول على نصيب مادى وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، بحسب خالد عياد الذى يفكر أن يفتتح لابنتيه مصنعا للملابس الجاهزة، لأنه يعتقد أنه سيكون أكثر ملاءمة لطبيعتهن، لاعتماده أكثر على الإدارة دون الدخول فى متاهات التجار.

وعلى الرغم من انسحاب المرأة بشكل رسمى فإنها قد تلعب دورا مهما خلف الكواليس، يتحدد من خلاله تقرير مصير هذه المؤسسات العائلية، فمشروعات «المصاهرة» كما ترفع من شأن تلك المؤسسات قد تكتب أيضا نهايتها.

بعد اقتران سامى من ابنة خالته، بدأت ميوله الانفصالية فى النمو، لأن زوجته لم تتمتع بعلاقة طيبة مع شقيقاته، رغم صلة القرابة، بل كانت تغار أيضا من بعض زوجات الإخوة. وبسبب إلحاحها المستمر قرر سامى أن يكون له مشروعه الخاص، وضغط على والدته بكل الوسائل وصلت أحيانا إلى التهديد بالانتحار كى يصغى أشقاؤه لرغبته فى احتكار خط إنتاج بعينه. من ناحية أخرى، قامت زينات زوجة سامى بتنشئة أبنائها على النزعة الانفصالية نفسها. وبالتالى تأجج الصراع فيما بعد بين أبناء العمومة من الجيل الثالث الذين حملوا فى قلوبهم ملف التوريث.

السم فى العسل؟ ربما هذا المبدأ هو ما دفع ع. صاحب إحدى المؤسسات العائلية إلى إجراء عملية مونتاج دورى على كلامه، تحديدا فيما يتعلق بأخبار العمل التى يرويها فى المنزل. وهو يعلق: «ليس من الحكمة أن تعرف النساء كل شىء وأن تدس أنفها فى كل التفاصيل لأن العمل العائلى يشوبه الكثير من الحساسيات. الأمر يفسد الود داخل الأسرة، كما يفسد قليل من الخل العسل، فكل زوجة ترى أن زوجها على حق. وكثيرا ما تحركها مصلحة أسرتها الصغيرة وليس الصالح العام للمؤسسة العائلية ككيان»، من الواضح أن السيد ع. قد عانى الأمرين من تدخل النساء فى شئون العمل، أو ربما يشوب الأمر بعض التعنت الذكورى.

فى أرقام
بيزنس العائلات فى مصر يشكل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطنى. ففى دراسة صدرت عن معهد التخطيط أعدتها الباحثة الدكتورة إيمان الشربينى حول ظاهرة الشركات العائلية تاريخها فى مصر والتحديات التى تواجهها، جاء أن تلك المؤسسات تمثل أكثر من 70% من الشركات المصرية. ويكشف تقرير آخر، صادر عن هيئة سوق المال، عن وجود ألف منشأة عائلية تمتلك وتدير 50% من السوق فى مصر، و90% من شبكات التوزيع الداخلى، و60% من وسائل النقل، و80% من الأراضى الزراعية، و65% من النشاط الصناعى، و90% من قطاع السياحة.

واستطاعت بعض المؤسسات أن تنطلق بشركاتها من العائلية نحو العالمية مثل عائلة ساويرس التى تحتل المركز ال24 على قائمة أغنياء العرب بثروة تقدر ب4.2 مليار دولار، وفقا لتقرير صادر عام 2011 عن مجلة «أربيان بيزنس».

عائلات صنعت التاريخ
لعب بيزنس العائلات دورا كبيرا فى عصرنة الحياة وتأسيس الاقتصاد المصرى، فمع تدفق هجرة اليهود إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر للاستفادة من الامتيازات الأجنبية لمع اسم عائلة «سوارس» التى امتدت أذرعها برا وبحرا.

سوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو فى إيطاليا ثم استقرت فى مصر حيث أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل ( 1846 1902 ) ويوسف ( 1837 1900 ) وفيلكس ( 1844 1906 )، مؤسسة «سوارس» عام 1875. وفى عام 1880 قام رافائيل سوارس بالتعاون مع رأس المال الفرنسى ومع عائلتين يهوديتين أخريين، هما رولو وقطاوى، بتأسيس البنك العقارى المصرى. كما تعاون سوارس مع رأس المال البريطانى الذى مثَّله المالى البريطانى اليهودى سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلى المصرى عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان.

من ناحية أخرى ارتبط اسم العائلة بمشروعات النقل البرى (سوارس لعربات نقل الركاب)، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة: السوارس. ومع قدوم العديد من الشوام إلى مصر، وضعت البذرة الأولى للصحافة المستقلة حيث أسس الأخوان تقلا جريدة الأهرام التى ظلت تتوارثها الأسرة حتى صدور قانون تأميم الصحافة فى ستينيات القرن الماضى. وفى مجال الفندقة برزت عائلة موصيرى التى أسست شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوى، سان ستيفانو.

أما محلات «شيكوريل» فقد أسستها عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل عام 1887، وترأس مجلس إدارتها مورينو شيكوريل عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000 جنيه. عمل بها 485 موظفا أجنبيا و142 موظفا مصريا. وكان شيكوريل متجرا للأرستقراطية المصرية بما فى ذلك العائلة الملكية وأول نموذج للمتاجر العملاقة ال grand magasin التى بدأت تنتشر فى أوروبا كإحدى سمات الحداثة والأناقة. ولم تتوقف مشروعات الأسر على القطاع المصرفى أو النقل أو التجارة، بل كان لبيزنس العائلات دور فى إضفاء ألوان جديدة على الحياة فى مصر.

فعائلة رولو التى جاءت إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر لعبت دورا فى إدخال صناعة النيلة أو الصباغة. كما اشتهرت عائلات مصرية أخرى بزراعة القطن المتميز، إذا يروى نائب البرلمان الراحل ياسين سراج الدين أن قطن مزارع سراج الدين ذو التيلة الطويلة كان معروفا بجودته فى لانكشير حيث كانت يتم توريده. كما اشتهرت عائلة قطاوى فى مجال تجارة وتصدير الأقطان، وكان يوسف قطاوى باشا صديقا للزعيم سعد زغلول.
استمرار المشروعات والمؤسسات العائلية هو تحدٍ لأفراد الأسرة التى يقوم عليها البيزنس، ويعتمد إلى حد كبير على صلابتهم». المهندس خالد عياد يتكلم عن تجربته، فقد ورث عن أبيه هو وأشقاؤه الثلاثة مشروعا استثماريا، وهم يديرونه حاليا بنجاح بعد سلسلة من الكبوات، والصعود والهبوط، فعملية التوريث وانتقال مقاليد السلطة جعلتهم يعرفون أياما صعبة، كادت أن تعصف بمشروعهم. والدهم الحاج عياد نزح فى منتصف الستينيات من مسقط رأسه بالقرب من طنطا إلى القاهرة، وتحديدا للأزهر حيث عمل مع شقيقه فى محال «مانيفاتورة». استطاع القروى الطموح فى غضون سنوات معدودة أن ينشئ متجرا صغيرا، ثم طوره حتى تحول دكان القماش إلى مؤسسة عائلية كبيرة تضم مصنعا وسلسلة من الفروع يديرها الأخوين عياد، بل صمدت المؤسسة العائلية لأكثر من أربعة عقود ويديرها حاليا الجيل الثانى. لكن التحدى الأكبر والحقيقى كان يتمثل فى الاستمرارية بعد رحيل الأب المؤسس عن مسرح الأحداث .
يرصد الدكتور جميس‏.‏لى أستاذ الإدارة والاقتصاد بجامعة نورث كارولينا لحظات فارقة تمر بها هذه النوعية من الشركات العائلية، ويرى أن هناك خصائص مميزة للشركات العائلية ربما كانت وراء أسباب نجاحها عند تأسيسها، ولكن مع الوقت قد تتحول إلى مخاطر جسام، منها وبالتالى يتوجب أحيانا تغيير هذه الخصائص لضمان الاستمرارية‏، خاصة فيما يتعلق بتوارث الإدارة وضعف الرقابة العامة على نشاط هذه الشركات. وعلى الرغم من اختلاف النشاط وخصوصيته من مؤسسة للأخرى، على حد تعبير الخبير الاقتصادى، إلا أن هناك خصائص مشتركة لبيزنس العائلات بشكل عام. الدكتور جيمس .‏لى الذى يعمل كمستشار للعديد من الشركات العائلية الأمريكية يذكر مثلا أن معظم هذه الشركات الخاصة قامت على مبادرة فرد وهو غالبا الذى يقودها، وتشرف عليها مجموعة صغيرة من الناس‏.‏ وبالتالى فإن الشركة العائلية تملكها أسرة معينة ولديها مرونة وحرية كبيرة فى استخدام أموالها وفى الادارة وفى استراتيجية نشاطها‏،‏ وهى شركة مستقلة لا تخضع للرقابة بصورة كبيرة، وتمثل امتدادا لحياة الأسرة وقيمها الشخصية‏.‏
مؤسسة عائلية أخرى تعمل فى مجال الطباعة، تعرضت هى الأخرى لمشكلة رحيل الأب القائد منذ ستة أعوام.. اختلاف رؤى الأشقاء السبعة حول المستقبل: ستة منهم كانوا يرون ضرورة استئناف المشوار الذى بدأه الأب منذ سنة 1946 والإبقاء على النشاط الذى يقتات منه حوالى مئة مستخدم، بينما رفض سامى الأخ الأصغر تلك النظرة التى تحكمها الرومانسية. معيشته لمدة تزيد على الثمانى سنوات بالخارج، جعلته يميل للتفكير البراجماتى، وفضل أن يوقف عمل المؤسسة ويبيع أصولها للاستفادة من الريع البنكى لرأس المال. ورغم تأجج الصراع الذى وصل إلى ردهات المحاكم، فقد نزل أبناء الجيل الثالث للعمل فى ظروف ضبابية، ربما ارتباطهم بالجد وبالقيم العائلية هو ما دفعهم للتصدى لمشكلة الآباء .

اسمع كلام أخوك
إذا كان أحد الهموم الأساسية فى مثل هذه المشروعات هو كيفية الحفاظ على الإدارة ورأس المال فى ظل التوريث، لكن ثمة لحظات فارقة أخرى يمر بها البيزنس العائلى، من ضمنها صراع الأجيال. داخل مؤسسة عوارة، يقود دفة العمل عمرو، الشاب العشرينى الذى يمثل الجيل الثالث لعائلة تتوارث صناعة وتوزيع الحلوى أبا عن جد منذ أربعينيات القرن الماضى. يسعى عوارة إلى تطبيق النظم الحديثة التى تعلمها خلال دراسته لإدارة الأعمال بالجامعة الألمانية. يميل الوالد الخمسينى أن يسير إلى جوار الحائط، ويفضل التعقل والتروى، لذا يكتفى بتقليل إنتاجية المصنع فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أما الابن فيميل إلى الاندفاع والمغامرة بحكم السن. وهو ما يخلق إشكاليات فى بعض الأحيان، خاصة وأن كل فرد من أفراد مجلس الإدارة يريد أن ينفذ قراره بحجة أن البيزنس ضمن مشروعه الخاص. وتزداد المعضلة عندما يتسرب موقف الشركاء إلى العاملين، فيسعى بعضهم لتأجيج الصراع لتحقيق منفعة شخصية .
التقاليد المصرية قد تشكل عائقا آخر، على حد تعبير المهندس عياد الذى درس هندسة النسيج لاستئناف مشوار العائلة، فأشقاؤه الثلاثة مثلا يتقاسمون إدارة تفاصيل المشروع، لكن كثيرا ما يضطر الاثنان الأصغر الخضوع لرأى الأخ الأكبر بحجة انه يمتلك الخبرة، هذا فى حين يفضل خالد الشقيق الأصغر أن يقوم بتطوير العمل وإفساح المجال لكل ما هو جديد. يقول أصغر الأشقاء: «الكثير من المشروعات العائلية الناجحة، حققت قفزة نوعية فى تاريخها العملى بسبب إتاحة الفرصة لإبداع الجيل الجديد ».
أوردت دراسة قام بها معهد التخطيط بهذا الشأن أن تلك الشركات العائلية تمر بمراحل محددة: أولها شراكة الإخوة أو الشراكة العائلية حيث يتقاسم الوالدان الملكية مع أبنائهم، وفى نهاية الأمر ينتهى دور الوالدين ويتقاسم الإخوة الملكية بروح الشراكة، أما الجيل الثالث من الورثة فيضم فى كثير من الحالات مجموعة متباينة من أبناء العمومة. لكن ما يثير القلق هو مستقبل هذه المؤسسات مع رحيل جيل بعد جيل، إذ تشير الدراسة إلى أن 30% من مشروعات البيزنس العائلى تستطيع أن تستمر للجيل الثانى، و‏12%‏ فقط يستمر للجيل الثالث، و‏3%‏ للجيل الرابع‏.‏

حكاية العمات السبع
يغلب على البيزنس العائلى الطابع الذكورى، فالنساء عادة ما تلهيهن حياتهن الزوجية عن استئناف مشروعهم، على حد تعبير عوارة الذى اشتركت عماته السبعة فى البداية مع والده فى عملية الإدارة، قبل أن يصحبن أزواجهن للعيش خارج طنطا، أما شقيقاته من الجيل الثالث فقد فضلن دراسة مجالات بعيدة عن إدارة الأعمال. يتكرر المشهد نفسه داخل مؤسسة عياد، إذ انسحبت البنات من الجيل الثانى فى مقابل الحصول على نصيب مادى وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، بحسب خالد عياد الذى يفكر أن يفتتح لابنتيه مصنعا للملابس الجاهزة، لأنه يعتقد أنه سيكون أكثر ملاءمة لطبيعتهن، لاعتماده أكثر على الإدارة دون الدخول فى متاهات التجار.
وعلى الرغم من انسحاب المرأة بشكل رسمى فإنها قد تلعب دورا مهما خلف الكواليس، يتحدد من خلاله تقرير مصير هذه المؤسسات العائلية، فمشروعات «المصاهرة» كما ترفع من شأن تلك المؤسسات قد تكتب أيضا نهايتها.
بعد اقتران سامى من ابنة خالته، بدأت ميوله الانفصالية فى النمو، لأن زوجته لم تتمتع بعلاقة طيبة مع شقيقاته، رغم صلة القرابة، بل كانت تغار أيضا من بعض زوجات الإخوة. وبسبب إلحاحها المستمر قرر سامى أن يكون له مشروعه الخاص، وضغط على والدته بكل الوسائل وصلت أحيانا إلى التهديد بالانتحار كى يصغى أشقاؤه لرغبته فى احتكار خط إنتاج بعينه. من ناحية أخرى، قامت زينات زوجة سامى بتنشئة أبنائها على النزعة الانفصالية نفسها. وبالتالى تأجج الصراع فيما بعد بين أبناء العمومة من الجيل الثالث الذين حملوا فى قلوبهم ملف التوريث. السم فى العسل؟ ربما هذا المبدأ هو ما دفع ع. صاحب إحدى المؤسسات العائلية إلى إجراء عملية مونتاج دورى على كلامه، تحديدا فيما يتعلق بأخبار العمل التى يرويها فى المنزل. وهو يعلق: «ليس من الحكمة أن تعرف النساء كل شىء وأن تدس أنفها فى كل التفاصيل لأن العمل العائلى يشوبه الكثير من الحساسيات. الأمر يفسد الود داخل الأسرة، كما يفسد قليل من الخل العسل، فكل زوجة ترى أن زوجها على حق. وكثيرا ما تحركها مصلحة أسرتها الصغيرة وليس الصالح العام للمؤسسة العائلية ككيان»، من الواضح أن السيد ع. قد عانى الأمرين من تدخل النساء فى شئون العمل، أو ربما يشوب الأمر بعض التعنت الذكورى.






فى أرقام
بيزنس العائلات فى مصر يشكل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطنى. ففى دراسة صدرت عن معهد التخطيط أعدتها الباحثة الدكتورة إيمان الشربينى حول ظاهرة الشركات العائلية تاريخها فى مصر والتحديات التى تواجهها، جاء أن تلك المؤسسات تمثل أكثر من 70% من الشركات المصرية. ويكشف تقرير آخر، صادر عن هيئة سوق المال، عن وجود ألف منشأة عائلية تمتلك وتدير 50% من السوق فى مصر، و90% من شبكات التوزيع الداخلى، و60% من وسائل النقل، و80% من الأراضى الزراعية، و65% من النشاط الصناعى، و90% من قطاع السياحة. واستطاعت بعض المؤسسات أن تنطلق بشركاتها من العائلية نحو العالمية مثل عائلة ساويرس التى تحتل المركز ال24 على قائمة أغنياء العرب بثروة تقدر ب4.2 مليار دولار، وفقا لتقرير صادر عام 2011 عن مجلة «أربيان بيزنس».






عائلات صنعت التاريخ
لعب بيزنس العائلات دورا كبيرا فى عصرنة الحياة وتأسيس الاقتصاد المصرى، فمع تدفق هجرة اليهود إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر للاستفادة من الامتيازات الأجنبية لمع اسم عائلة «سوارس» التى امتدت أذرعها برا وبحرا.
سوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو فى إيطاليا ثم استقرت فى مصر حيث أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل ( 1846 1902 ) ويوسف ( 1837 1900 ) وفيلكس ( 1844 1906 )، مؤسسة «سوارس» عام 1875. وفى عام 1880 قام رافائيل سوارس بالتعاون مع رأس المال الفرنسى ومع عائلتين يهوديتين أخريين، هما رولو وقطاوى، بتأسيس البنك العقارى المصرى. كما تعاون سوارس مع رأس المال البريطانى الذى مثَّله المالى البريطانى اليهودى سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلى المصرى عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان. من ناحية أخرى ارتبط اسم العائلة بمشروعات النقل البرى (سوارس لعربات نقل الركاب)، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة: السوارس. ومع قدوم العديد من الشوام إلى مصر، وضعت البذرة الأولى للصحافة المستقلة حيث أسس الأخوان تقلا جريدة الأهرام التى ظلت تتوارثها الأسرة حتى صدور قانون تأميم الصحافة فى ستينيات القرن الماضى. وفى مجال الفندقة برزت عائلة موصيرى التى أسست شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوى، سان ستيفانو. أما محلات «شيكوريل» فقد أسستها عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل عام 1887، وترأس مجلس إدارتها مورينو شيكوريل عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000 جنيه. عمل بها 485 موظفا أجنبيا و142 موظفا مصريا. وكان شيكوريل متجرا للأرستقراطية المصرية بما فى ذلك العائلة الملكية وأول نموذج للمتاجر العملاقة ال grand magasin التى بدأت تنتشر فى أوروبا كإحدى سمات الحداثة والأناقة. ولم تتوقف مشروعات الأسر على القطاع المصرفى أو النقل أو التجارة، بل كان لبيزنس العائلات دور فى إضفاء ألوان جديدة على الحياة فى مصر. فعائلة رولو التى جاءت إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر لعبت دورا فى إدخال صناعة النيلة أو الصباغة. كما اشتهرت عائلات مصرية أخرى بزراعة القطن المتميز، إذا يروى نائب البرلمان الراحل ياسين سراج الدين أن قطن مزارع سراج الدين ذو التيلة الطويلة كان معروفا بجودته فى لانكشير حيث كانت يتم توريده. كما اشتهرت عائلة قطاوى فى مجال تجارة وتصدير الأقطان، وكان يوسف قطاوى باشا صديقا للزعيم سعد زغلول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.