غلق باب الطعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ غدًا    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    جامعة الفيوم تنظم قافلة طبية بقرية اللاهون    بزيادة 300 ميجاوات، الكهرباء تسجل رقما قياسيا جديدا في الأحمال الكهربائية    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    بيان عاجل من السعودية ردا على تصريحات نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى"    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: حماس عليها أن تقدم أولوية إنقاذ شعبنا    26 آيفون و13 سيارة وقسائم ذهبية، العين الإماراتي يحفز جماهيره لحضور المباريات    ديمبلي يقود هجوم باريس سان جيرمان ضد توتنهام في السوبر الأوروبي    موراتا: سعيد بالانضمام إلى كومو ومستعد لتقديم كل ما لدي    خالد فتحي: مكافأة استثنائية لمنتخب الناشئين بعد التأهل لربع نهائي مونديال اليد    إيقاف الحركة الملاحية بنهر النيل وبحيرة ناصر لسوء الأحوال الجوية بأسوان (صور)    إصابة 3 أشخاص في حوادث متفرقة بشمال سيناء    إخلاء سبيل 6 متهمين بالتشاجر في المعادى    فلاش باك الحلقة 5، زياد يكتشف خيانة مريم ويطوي صفحة الماضي    إطلاق اسم إيهاب فهمي على الدورة الثالثة لمهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    القوات المسلحة تنظم زيارات لعدد من طلبة الأكاديمية العسكرية لمستشفى أهل مصر    الرئيس والإعلام ورهانه الرابح    كرة سلة.. سبب غياب إسماعيل مسعود عن منتخب مصر بالأفروباسكت    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    وصية محمد منير    عمرو يوسف: تحمست ل «درويش» لأن أحداثه تدور في الأربعينيات (فيديو)    محمود ناجي حكما لمباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    «السكة الحديد» تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط «القاهرة / السد العالي» (المواعيد)    افتتاح وحدة العلاج الإشعاعي بمستشفى الأورام الجامعي في المنيا    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    تفاصيل أول مشروع ل راغب علامة بعد حل أزمته مع نقابة الموسيقيين    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    المخططات الإسرائيلية للهجوم على غزة بين الموافقة والتمدد    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    قناديل البحر تعطل أحد أكبر المفاعلات النووية في فرنسا    إلغاء جلسة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست لعدم توفر أغلبية للمصادقة على تمديد أوامر استدعاء الاحتياط    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    فضيحة اسمها الانتخابات    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروبة تتقدم الإسلام كهوية
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 06 - 2013

نشأت أجيال عربية فى ظل الإيمان بأن روابط عميقة من أسباب الحياة ووحدة الأهداف فى التحرر والتقدم واستعادة الهوية القومية الجامعة تشد بعضهم إلى البعض الآخر، بمعزل عن البعد الجغرافى واختلاف الأحوال والمناخات السائدة.

مع بداية القرن العشرين أخذت هذه الروابط تتبلور فى صيغة سياسية عقائدية تؤكد على «العروبة» كهوية جامعة للعرب الذين عاشوا دهورا تحت أنماط من السيطرة الأجنبية، أبرزها هيمنة العثمانيين على معظم أرضهم بداية تحت عنوان الخلافة ثم تحت العنوان التركى بعدما صار الحكم للسلاطين...

وحتى بعد إسقاط «السلطنة» ظل الأتراك يسيطرون على البلاد العربية التى كان يتوزعها «الولاة» ثم الحكام العسكريون بعد تفجر الحرب العالمية الأولى.

ربما بسبب تراث الخلافة التى بدأت عربية ثم انتهت ممالك وإمارات مقتتلة، يحكم معظمها ولاة من غير العرب، قبل أن يحل «السلاطين» محل الخلفاء بعد استتباب الأمر للأتراك ظلت العلاقة ملتبسة بين دين الأكثرية، الإسلام، وهوية الأمة جميعا، العروبة.

وعبر مواجهة قوى الاستعمار وارتفاع الدعوة إلى التحرر والاستقلال ومقاومة القهر الذى استطال قرونا، تقدمت الهوية الوطنية القومية على الهوية الدينية، خصوصا وقد باتت رموز السلطة الفعلية من غير العرب.. وصارت العروبة عامل توحيد بين «المواطنين» على اختلاف أديانهم وطوائفهم.

تبدى واضحا، آنذاك، أن لا فرق بين استعمار «إسلامى» ممثلا بالسلطنة العثمانية وبين استعمار «مسيحى» مثله الاحتلال الأوروبى لمعظم الأقطار العربية: فالقهر واحد، ومحاولة طمس الهوية الجامعة تستهدف جميع «الرعايا» فى مختلف الأقطار التى أعاد صياغتها الاستعمار «دولا» وقسمها المنتصرون – بريطانيا وفرنسا أساسا – فيما بينها حتى من قبل أن تضع الحرب العالمية أوزارها.

فمعاهدة سايكس - بيكو وضعت سنة 1916 ووعد بلفور بمنح فلسطين لليهود لكى يقيموا دولتهم إسرائيل فيها، بموافقة وزير الخارجية البريطانى سنة 1917.

ومؤكد أن الاستعمار الغربى قد حاول الإفادة من الحركة القومية، التى حملت عنوان العروبة، فى نشأتها الأولى، ليوظف عداءها للاحتلال التركى فى خدمة مشروعه للهيمنة على المنطقة العربية جميعا، لكن ذلك لم يمنع هذه الحركة من أن تقاتل ضد الاستعمار الغربى فى سوريا والعراق، وأولا وأخيرا فى فلسطين.

كان على العرب أن يخوضوا، بأنفسهم ومباشرة، حروب تحرير بلادهم من الاستعمار الغربى الذى حل محل الاستعمار التركى.. وبين المفارقات أن تقسيم هذه البلاد فرض عليهم أن يواجهوا استعمارين فى وقت واحد، وكذلك أن يواجهوا تخلف مجتمعاتهم وانعدام الحياة السياسية فيها بعد دهر الاحتلال العثمانى الطويل، ثم سيطرة المستعمر الجديد قبل أن يلتقطوا أنفاسهم ويتقاربوا فيتواصلوا ويوحدوا جهودهم من أجل تأكيد انتمائهم إلى الأمة الواحدة وانجاز الاستقلال فى آن.

•••

لم ينفع الغطاء الدينى للعثمانيين ثم الأتراك (المسلمين) فى إخراج العرب (المسلمين بأكثريتهم الساحقة، على اختلاف الطوائف) من ميدان النضال من أجل الاستقلال، وكانت العروبة رابطا قويا يجمعهم على هدف التحرر واستعادة هويتهم القومية الجامعة ولو فرض عليهم الاستعمار الغربى أن يتوزعوا على دول «مستنبتة» جغرافيا وليس لها ذكر فى التاريخ.

ولم يكن الدين الحنيف أساسا لقيام هذه «الدول» فى ظل الاستعمار ولا هو كان بين أسباب بقائها بعد «الاستقلال»، خصوصا وإنها أطلت على الحياة «كدول علمانية» ونصت معظم دساتيرها على أن «الإسلام مصدر أساسى للتشريع» لتنفى عن ذاتها الهوية الدينية توكيدا لأنها دولة مواطنيها جميعا على اختلاف أديانهم».

وحيث قامت الدولة على أساس «دينى»، كالسعودية مثلا، فإن المذهب الحنبلى بنسخته الوهابية السلفية قد همش إلى حد الطمس المذاهب السنية الأخرى، وكاد يكفر المنتمون إليها فكيف بمتبعى المذاهب المختلفة كالسنة من الشوافع والمالكية والحنفية، ثم الشيعة والزيدية، فضلا عن الإسماعيلية والدروز والعلويين... إلخ.

لقد اعتبر الإسلام السياسى «العروبة» عدوه الأول وقاتلها بشراسة فى فترة نهوضها، مقدما التصادم معها على مواجهة الاستعمار، سواء بريطانيا كما فى مصر وليبيا، أو فرنسا كما كان الحال فى لبنان وسوريا، وقبل الوصول إلى أقطار المغرب العربى، مثل تونس والمغرب ثم الجزائر التى قدمت مليونا من الشهداء من أجل استعادة هويتها الوطنية التى يشكل الدين الحنيف أحد أهم ركائزها وإن هى لم تنهض بعد الاستقلال دولة دينية، بل عمدت إلى تأكيد عروبتها بمواقفها عموما، وأبرزها مشاركتها فى صد الحروب الإسرائيلية ونصرة الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل تحرير أرضه.

وها هو الإسلام السياسى يتقدم الآن نحو السلطة بعدما نجح فى ركوب موجة الانتفاضات العربية، مثقلا بعقدة اضطهاده، فى الماضى، مقررا أن العروبة وهى تتضمن الوطنية فى جوهرها كفر وشرك، مندفعا إلى تقديم أوراق اعتماده إلى الإدارة الأمريكية مع تزكية علنية من دولة العدو الإسرائيلى التى لم يجد مبررا لمعاداتها.

اللافت أن الإخوان المسلمين قد سلكوا بعد قفزهم إلى السلطة من خارج التوقع، السياسة ذاتها التى يسلكها السلفيون: إذ تقدموا يطلبون التزكية والمساعدات الأمريكية ونافقوا الوهابيين فى السعودية وهم نظريا خصومهم العقائديون، والقطريون الوهابيون أصلا وإن استفادوا من الشيخ القرضاوى والتنظيم الدولى للإخوان المسلمين للتمويه ولأغراض سياسية.

وهكذا تلاقت فصائل الإسلام السياسى جميعا فى مناهضة «العروبة» وتكفير المؤمنين بها طريقا إلى «دولة مواطنين لا رعايا»، والأخطر التنكر لحقيقة أن الأرض العربية «محتلة» سواء بالكيان الصهيونى أو بالهيمنة الأمريكية ولو من دون جيوش احتلال، وإن قرار من يرفعون الشعار الإسلامى من حكامها هو الخروج من موجبات المصير المشترك والمواجهة المفروضة مع أعداء هذه الأمة وطموحها إلى الوحدة والتقدم.

على أن الأخطر أن الإسلاميين عموما يهددون اليوم بشعاراتهم كما بممارساتهم وحدة الأمة، بل وحدة كل دولة من دولها، وطموحها إلى الاستقلال والسيادة والكرامة... بل إنهم يهدرون كفاح أجيال من المجاهدين الذين قاتلوا حتى الشهادة من أجل الحرية والكرامة واستمروا على إيمانهم بحق أمتهم ودولها بالاستقلال وبناء غدها الأفضل.

•••

إن التاريخ هو أصدق شاهد على هوية الأمة. ويشهد التاريخ أن كثرة من المفكرين والمناضلين فضلا عن الشهداء الذين صنعوا مجد العروبة المعاصرة عبر نضالهم الطويل الذين كثيرا ما قادهم إلى المواجهة مع الاستعمار بمضمونه السياسى وليس بالهوية الدينية للمستعمر، كانوا من مختلف أطياف هذه الأمة، ومنهم المسلم السنى والشيعى والدرزى والعلوى والإسماعيلى والزيدى، وإن ظل العديد من طلائعهم من المسيحيين.

والأمة بجميع أبنائها، ولجميع أبنائها، وليس لحزب فيها أو جماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.