أسعار الفاكهة في سوق العبور ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 2025    أسعار اللحوم الحمراء بالأسواق ثاني أيام عيد الأضحى المبارك    مجانًا خلال العيد.. 13 مجزرًا حكوميًا بأسوان تواصل ذبح الأضاحي    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    5 مشروعات تنموية جديدة فى الأقصر بالتعاون مع هيئة تنمية الصعيد.. صور    17 شهيدا جراء هجمات الاحتلال على محافظتي خان يونس ورفح الفلسطينية    وزير العمل يهنئ فلسطين بمنحها "عضو مراقب" بمنظمة العمل الدولية    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب بابوا غينيا الجديدة    الشناوي: الأهلي يُحارب لعدم التتويج بثلاثية الأبطال تواليًا.. ونهائي الوداد علامة استفهام    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    ثاني أيام عيد الأضحى.. مقتل شاب بطلق ناري في نجع حمادي    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الأحياء (فيديو)    محافظ أسيوط يشارك المواطنين احتفالات عيد الأضحى بنادي العاملين بالمحافظ    في ثاني أيام العيد.. إصابة 4 أبناء عمومة خلال مشاجرة في سوهاج    «الداخلية»: ضبط 363 قضية مخدرات و160 قطعة سلاح وتنفيذ 85690 حكما قضائيا خلال 24 ساعة    ننشر أسماء 7 مصابين بانقلاب ميكروباص ببنى سويف    القبض على المتهم بقتل والدته وإصابة والده وشقيقته بالشرقية    أسما شريف منير: اخترت زوج قريب من ربنا    إيرادات ضخمة ل فيلم «ريستارت» في أول أيام عيد الأضحى (تفاصيل)    أواخر يونيو الجاري.. شيرين تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين بالمغرب    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    "البحوث الإسلامية": عيد الأضحى مناسبة إيمانية عظيمة تتجلى فيها معاني التضحية    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    الصحة: أكثر من 1.4 مليون قرار علاج على نفقة الدولة في 5 أشهر    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    الصحة تنظم المؤتمر الدولي «Cairo Valves 2025» بأكاديمية قلب مبرة مصر القديمة    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 7-6-2025 في مصر بعد آخر ارتفاع    محافظ الإسماعيلية يوجه بفتح الأندية لنزلاء دور الرعاية والمسنين (صور)    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    صدام ترامب ونتنياهو بسبب إيران.. فرصة تاريخية لدى رئيس أمريكا لتحقيق فوز سياسي    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    إيلون ماسك يخسر 35 مليار دولار من ثروته بعد خروجه من الحكومة الأمريكية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    مبالغ خيالية.. إبراهيم المنيسي يكشف مكاسب الأهلي من إعلان زيزو.. وتفاصيل التعاقد مع تركي آل الشيخ    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    زيزو: جيرارد تحدث معي للانضمام للاتفاق.. ومجلس الزمالك لم يقابل مفوض النادي    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    ترامب يأمر بدعم تطوير الطيران فوق الصوتي وتوسيع إنتاج المسيرات الجوية    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع التمكين الآخر
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 05 - 2013

لم يكن أحد من الذين طالهم على التوالى إعصار ما أطلق عليه «الربيع العربى» يميل لرفاق النهايات، أو يُكّن شيئا من احترام.. والروايات المتواترة تكشف آراء سلبية متبادلة تنال من اعتبارات الأهلية والكفاءة وجدارة الجلوس على المقاعد الرئاسية فى بلدانهم، لكن فى لحظات مواجهة الحقائق لم يكن هناك وقت ليشمت أحدهم فى الآخر.. كانت اللعبة انتهت والمنطقة كلها توشك أن تدخل عصرا آخر.

انهارت فى وقت واحد نظم حكم عائلية ومشروعات توريث، وقد كانت حاضرة فى جميع النظم التى تهاوت، واستحال النظام العربى إلى أطلال.. والفراغ استدعى مشروعين تصور كل منهما أن هذه هى لحظة التمكين الكبرى لأحلام خامرته طويلا أو سياسات استغرقت حساباتها عقودا.

المشروع الأول، جسد نفسه فى «تمكين» الجماعة الأكثر جهوزية وتنظيما من غيرها من السلطة السياسية على ما جرى فى مصر وبدرجة أقل فى تونس، بينما دخلت ليبيا فى فوضى الميليشيات، وأعادت اليمن إنتاج نظامها القديم بوجوه أخرى، والمصير السورى على المحك.

المشروع الثانى، له تاريخ طويل وسياسات معتمدة وعنوانه: «الشرق الأوسط الجديد»، وقد وجد فى ثورات افتقدت إلى بوصلات تقود وتوجه فرصا سانحة لجنى ثمارها الاستراتيجية وإعادة ترتيب المنطقة من جديد بما يجعل إسرائيل اللاعب الرئيسى فوق مسارحها المضطربة. فى المشروع الأول تمكين لجماعة.. وفى المشروع الثانى تمكين لإسرائيل.

المشروعان تداخلا، والقضية هنا تتجاوز النوايا، فالتمكين للجماعة يستدعى تفاهمات دولية وإقليمية تدخل فيها اعتبارات الأمن الإسرائيلى، وهو بطبيعته يفضى إلى صدامات بين مؤسسات الدولة وإقصاء القوى والجماعات السياسية الأخرى.. وهو بطبيعته مشروع إنهاك يتطلب دعما دوليا للإمساك بالسلطة والبقاء فيها.

إنه إذن مشروع «التمكين الآخر».. وقائعه تجرى والعالم العربى فى متاهاته لا يعرف ما الذى يجرى فيه وحوله ولا يقدر على مواجهة استحقاقات لها ما بعدها لعقود طويلة.

تكاد تشبه الحالة التى عليها العالم العربى من «عدم تنبه» للأخطار المحدقة ومكامنها ما كان عليه قبل النكبة الفلسطينية قبل خمسة وستين عاما، بل لعل ما هو عليه الآن أسوأ وأفدح.

لم نصل إلى هنا فجأة.. فالنظام العربى تعرض لتصدعات تتالت من مرحلة لأخرى.. فى البداية كان هناك تناقض بين طبيعة النظام العربى، والجامعة العربية مؤسسته الرئيسية، وطبيعة الحركة القومية العربية الداعية إلى وحدة الهدف والدولة الواحدة قبل أن يدخل فى اختبار «وحدة الصف» بعد هزيمة (1967) حتى أكتوبر والانتصار فيه، وكان النجاح لافتا ومؤقتا.

فى (1974) انفجرت الحرب الأهلية فى لبنان، وكانت بأهدافها المباشرة داعية إلى إرباك الموقف العربى فى لحظة تحول حاسمة وإحكام الخناق فى الوقت نفسه على المقاومة الفلسطينية.. وكان خروج مصر من معادلات الصراع العربى الإسرائيلى بتوقيع معاهدة (1979) نقطة تحول حاسمة فى إضعاف بنية النظام الإقليمى العربى.. تبعها خروج آخر تدريجى للعراق الدولة العربية الأكبر والأهم بعدها.. من حرب الخليج الأولى مع إيران، إلى التورط فى حرب خليج أخرى باحتلال الكويت، وهذه الحرب أفضت إلى انشقاق خطير فى العالم العربى شكك فى فكرة العروبة نفسها، قبل أن يتعرض البلد كله قبل عشر سنوات لاحتلال أراضيه وتفكيك جيشه ودخوله فى حرب أهلية مذهبية. ورافق الخروجين المصرى والعراقى فى التسعينيات الباكرة خروج ثالث لدولة عربية محورية فى محيطها المغربى وصاحبة دور أفريقى بارز من معادلات المنطقة والتأثير فيها بدخول الجزائر فى حرب أهلية طويلة ومهلكة. فقد العالم العربى الحضور الفاعل لدوله الثلاث الكبرى، وتبقت دولتان مؤثرتان حاولتا قيادة قاطرة الجامعة العربية هما السعودية وسوريا، وقد احتاجتا حضورا مصريا رمزيا لإعطاء رسالة قيادة للعالم العربى.

كان النظام العربى فى حالة احتضار طويلة جرى خلالها تحطيم العراق وتهميش القضية الفلسطينية.. وتتبدى على مسارحه الملتهبة الآن قضيتان حاسمتان فى الصراع على مستقبل المنطقة.

أولاهما المصير السورى بعد «بشار الأسد».. وما يجرى فى سوريا وحولها هو بالتعريف حربا إقليمية بالوكالة، فلكل طرف دولى أو إقليمى حساباته ومصالحه، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وتركيا وحلف الناتو، ومعها دول خليجية، تسعى لإسقاط النظام السورى، وإسرائيل كامنة فى الظلال، وعلى الجانب الآخر فإن إيران وروسيا والصين وحزب الله تدعو النظام السورى، والحرب فى جوهرها مسألة مصير للاعبين الكبار. فى حالة إيران الحليف الأوثق للنظام السورى فإن مصير الأخير مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، ومنع انهيار النظام السورى أكثر أهمية بأية حسابات إيرانية استراتيجية من المشروع النووى نفسه. الأزمة السورية بترتيبات محتملة لما بعدها تتضمن إعادة نظر فى مصير بلدين عربيين مشرقيين هما: لبنان والأردن، وإنهاء الوجود العسكرى لحزب الله، والعد التنازلى للحرب على إيران.. وتبدو مصر فى أحوالها الحالية أقرب إلى من أصابه دوار بحر فلا يدرى إن كان رأسه فقد اتزانه أم أن السفينة نفسها على وشك أن تغرق.

فى زيارته الروسية قال الدكتور «محمد مرسى» إن الموقف المصرى من الأزمة السورية «متقارب» مع الموقف الروسى، داعيا إلى تحالف استراتيجى دائم مع موسكو، وفى زيارة أخرى لمستشاره الدكتور «عصام الحداد» إلى طهران أعلن دعمه للمبادرة الإيرانية، وقال إن موقف البلدين واحد!.. والمثير هنا أن المبادرة الإيرانية تتضمن بندا يدعو إلى انتخابات رئاسية بعد عام فى سوريا يشارك فيها الرئيس «الأسد»، فإذا كان الموقف المصرى مؤيدا للمبادرة فلماذا لم يعترض أثناء القمة العربية الأخيرة على منح مقعد سوريا فى الجامعة العربية إلى المعارضة؟. ما الذى يحدث بالضبط؟.. السؤال بذاته وفى توقيته يومئ لارتباك فادح فى السياسة الخارجية المصرية ومستويات كفاءة الأداء. بشكل أو آخر جرى تنحية الخارجية المصرية، المؤسسة العريقة التى تراكمت فيها خبرات دبلوماسية مشهود لها بالكفاءة، عن إدارة ملفاتها.

للمراجعات أصولها، وليس من بينها العشوائية التى تقلل من احترام المواقف المصرية، فلو أن لقاء جمع «مرسى» مع الرئيس الفرنسى لقال إن الموقف من الأزمة السورية واحد، ولو أن وزير الخارجية القطرى سأل نظيره المصرى: هل جرى تغيير فى السياسة المصرية؟.. لبادره على الفور واثقا: أبدا!

وثانيتهما المصير الفلسطينى والكلام متواتر عن تحركات لتسوية ما فى لحظة يبدو فيه العالم العربى مشغول بما يجرى فى دوله من تحولات وما ينتابها من مخاوف.. والاهتمام العربى العام بالقضية الفلسطينية تراجع بصورة فادحة وصلت فى بعض حالاتها إلى الدخول فى مساجلات عن حقيقة دور «حماس» فى بعض حوادث الثورة المصرية الدامية، المساجلات نفسها تعبير عن أزمة تتفاقم فى لحظات تقرير مصير، والانقسام الفلسطينى نفسه أفضى إلى تفكيك وحدة الشعب والقضية.

أخطر ما يجرى الآن اقتناص اللحظة التاريخية لإنهاء القضية الفلسطينية.. وفى اجتماع وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» مع وفد عربى ضم عددا من وزراء الخارجية ظهر اقتراح بإحياء مبادرة السلام العربية بتعديل جوهرى عليها يبيح تبادل الأراضى، المبادرة التى قدمها العاهل السعودى «عبدالله بن عبد العزيز» فى قمة بيروت قبل أكثر من عشر سنوات ماتت وشبعت موتا.

نصوص المبادرة تقضى بمبادلة الأراضى العربية المحتلة منذ عام (1967) بتطبيع عربى شامل مع إسرائيل، الأخيرة تحفظت على المبادرة وحاصرت «عرفات» واغتالته بالسم، وتوسعت فى الاستيطان بالضفة الغربية ومدينة القدس. التعديل المقترح يضفى شرعية على التوسعات الاستيطانية الإسرائيلية فى الضفة الغربية داعيا ضمنا إلى اعتبارها جزءا من إسرائيل، وفكرة تبادل الأراضى تعنى عمليا التخلى عن القطاع الأكبر من الضفة الغربية، وعن القدس بطبيعة الحال ما عدا محيط المسجد الأقصى، وقد يجرى مقايضتها بمناطق عربية خلف الخط الأخضر تضم إلى الدولة الفلسطينية الافتراضية.. فى هذه الحالة، فإن إسرائيل قد تطلب ترحيلا ممنهجا لسكانها العرب وأن تكون دولة يهودية كاملة وشطب حق العودة إلى الأبد. الكلام فى مضمونه وتوقيته مفزع، وردود الأفعال عليه متثائبة على نحو ما صرحت به الخارجية المصرية.. نفت إدخال تعديلات على المبادرة العربية دون أن تعترض فى المقابل على الفكرة ذاتها التى أحالتها إلى أطراف التفاوض المباشرة!

لا سياسة خارجية إذن تدرك ما يجرى أو لها رأى فيه، ومع ذلك فإن الضعف يغرى بالتنازلات، بينما إسرائيل تضع شروطا إضافية على سياق الفكرة لا على جوهرها.. وفى مقدمتها إجراء استفتاء عام شعبى على أى اتفاق تسوية مع الفلسطينيين تدرك مقدما أنه لصالحها، فالاستفتاء ورقة ضغط على الفلسطينيين، وهم فى مركز ضعف بالغ بلا دعم عربى يذكر، لتقديم تنازلات إضافية لإرضاء الجمهور الإسرائيلى قبل الاستفتاء على الاتفاق.. ولأول مرة فى التاريخ يستفتى احتلال على الانسحاب من أراض ليست له!

من التداعيات الضرورية لإعادة ترتيب أوراق المنطقة من جديد تصفية الوجود العسكرى لحركة «حماس»، بنفس طريقة التفكير التى تحكم فكرة تصفية حزب الله.

مشروع «التمكين الآخر» يطل على المنطقة فى لحظة ارتباك لا مثيل لها فى تاريخها الحديث كل، بينما الجماعة مشغولة بالتحرش بالقضاء والجيش والإعلام والأزهر والكاتدرائية مرة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.