أكد رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، الدكتور مصطفى رجب، أن مصر بها 14 مليون أمى، مشيرا إلى أن هذا العدد بالغ الخطورة ويجب تكاتف جميع أجهزة الدولة والمجتمع المدنى للمشاركة فى محو أمية هؤلاء المواطنين، مشيرا إلى أن الدستور الجديد أكد التزام الدولة بمحو الأمية فى 10 سنوات فقط، مطالبا فى الوقت ذاته بالبدء فى تفعيل هذه المادة وإصدار تشريع لمحاسبة الجهات الممتنعة عن المشاركة فى جهود محو الأمية، موضحا أن الهيئة التى يرأسها تحتاج سنويا إلى مبلغ 2 مليار جنيه وإرادة سياسية وشعبية لإنهاء هذه المشكلة فى خلال 10 سنوات كما نص الدستور. وأضاف «رجب» خلال حواره ل«الشروق» أن نقل تبعية الهيئة لرئاسة الجمهورية سينشط القرار السياسى لمحو الأمية، وأنه لا يصح أن يكون راتب المعلم فى الهيئة لا يزيد على 5 جنيهات يوميا، لافتا إلى أن تكلفة تعليم الأمى فى مصر تبلغ 400 جنيه، فى حين أن المعدل العالمى هو 100 دولار لكل مواطن أمى، منوها إلى وجود عزلة بين مشكلتى الفقر والأمية فى خطط الدولة التنموية رغم أن هاتين المشكلتين متلازمتان.. وإلى نص الحوار:
• بداية، هل يمكن بالفعل محو الأمية فى مصر خلال 10 سنوات كما نص الدستور الجديد؟
الدستور نص على التزام الدولة بوضع خطة للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها لجميع الأعمار بمشاركة المجتمع المدنى خلال 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ما يدل على توفر العزيمة الجادة والقوية والتصميم على القضاء على هذه الوصمة، لكن الأمر يحتاج 2 مليار جنيه سنويا وقرار سياسى جاد وإرادة شعبية للتصدى لهذه المشكلة، لكن للأسف لا توجد جهة محددة حتى الآن تحاسب الجهات الممتنعة عن المشاركة فى جهود محو الأمية، فقانون محو الأمية لعام 1991 كان قد حدد فى مسئولية العديد من الجهات لتشارك فى محو الأمية، إلا أن غالبيتها تقاعست عن دورها خلال السنوات العشر الماضية، ولم يستطع أحد محاسبتها.
وهناك الآن إلزام بقوة الدستور لتلك الجهات، لكن الأمر يحتاج إلى تشريع يحاسبها، وأعتقد أن المجتمع لديه استعداد أكثر من ذى قبل للتخلص من تلك الوصمة، لكن التحولات السلبية التى تحدث فى بعض القطاعات وبعض المطالب الفئوية تعطل الإرادة السياسية والشعبية الآن، لكننى أتوقع تحسن الأمور بعد صدور التعديل التشريعى المطلوب.
• وكم تمثل المليارى جنيه بالنسبة لميزانية الهيئة الآن؟
ميزانية الهيئة تصل إلى 160 مليون جنيه سنويا، يذهب 70% منها للأجور تبعا لقوانين العمل، ما يجعل المبلغ المتبقى للعملية التعليمية لمحو الأمية ضعيفا، فلا يوجد فى الهيئة معلم لمحو الأمية يزيد راتبه على خمسة جنيهات يوميا، والهيئة وفق الميزانية الهزيلة تتعامل بنظام مالى صارم خاص بالمعلم ووفق الإنتاج وعدد المتواجدين فى الفصل وعدد الناجحين، فتكلفة تعليم الأمى فى مصر تصل فى المتوسط إلى نحو 400 جنيه، فى حين أن المعدل العالمى لا يقل عن 100 دولار لكل فرد.
نحن فى حاجة إلى قاعدة بيانات للأميين وأماكنهم، وأن توكل هذه المهمة إلى جهة أخرى غير الهيئة، لتتفرغ الهيئة لدورها الفنى، وإنفاق 2 مليار جنيه على محو الأمية سنويا خلال العشر سنوات القادمة، يعد مبلغا قليلا مقارنة بالعائد الناتج من محو أمية الأفراد، فالدراسات العلمية أثبتت أن خفض مستوى الأمية بنسبة 1% يزيد معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى.
• وكيف يمكن للدولة أن تشجع الأميين على الالتحاق بفصول محو الأمية؟
بالحوافز الإيجابية مثل تملك الأراضى للزراعة، وتوفير فرص العمل من خلال الشركات، والتوسع فى أندية الكبار والتعليم من خلالها، بالإضافة لبرامج ترفيهية وتثقيفية أخرى والبرامج المدرة للدخل والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
• هل ترى أن القيادة السياسية الحالية تضع محو الأمية فى أولوياتها فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نعيشها؟
القيادة السياسية تضع محو الأمية فى بؤرة الاهتمام أكثر من ذى قبل، انطلاقا من اعتبار أن الأمية ترتبط عكسيا بمستوى الديمقراطية، وينعكس ذلك على عمليات انتخاب مجلسى الشعب والشورى واستفتاءات الدستور، بخلاف الحكومات السابقة.
• البعض يرى أن نقل تبعية الهيئة من مجلس الوزراء لرئاسة الجمهورية يمكن أن يسرع بتحقيق أهدافها؟
نعم نقل تبعية الهيئة لرئاسة الجمهورية من شأنه أن ينشط القرار السياسى الذى ننشده لمحو الأمية ويضعه فى بؤرة الاهتمام، فالقوانين وحدها لا تكفى لإلزام مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع بالمشاركة فى جهود محو الأمية.
• الأميون غالبا ما يكونون من الفقراء، ولم تربط الدولة يوما بين محو الأمية ومحاربة الفقر.. فهل مازال هذا الربط غائبا؟
نعم لاتزال هناك عزلة بين مفهوم الفقر والأمية فى خطط الدولة التنموية، وفى عمل الوزارات، رغم أن الفقر والأمية متلازمان، فالفقر نتيجة الأمية، كما أن الأمية نتيجة الفقر، ويجب أن تتضمن خطط الوزارات الرامية لخفض نسب الفقر خفضا لنسب الأمية أولا، من خلال تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
• كيف غيرت مسار العمل فى الهيئة بعد توليك المسئولية منذ أكثر من عام؟
الأمية قضية أنثوية ريفية، وقد اهتممت منذ تولى المسئولية بالبؤر والنقاط الساخنة التى بها نسب عالية من الأمية فى أى موقع على مستوى الجمهورية من خلال خريطة الفقر، ووقعت خلال الشهور الماضية اتفاقيات تعاون مع عدة جمعيات وجامعات وأحزاب سياسية وهيئة قصور الثقافة وهيئة ضمان الجودة والاعتماد وبنك الطعام وغيرها، لتوفير برامج تثقيفية فى مجالات الصحة والسكان والبيئة والثقافة الدينية الصحيحة واستكمال قواعد بيانات الدارسين، وإتاحة فرص التعلم المستمر للمتحررين من الأمية.
• لماذا لا يتم التنسيق بين الهيئة ووزارة التربية والتعليم للاستفادة من طاقة المدارس فى محو الأمية بعد انتهاء اليوم الدراسى توفيرا للنفقات؟
تعليم الكبار نظام متخصص لا يتوقف فقط عند محو الأمية، لكن يتضمن أيضا التثقيف الجماهيرى وإعداد قيادات وإكساب مهارات العمل والحياة وغيرها، وهذه المهارات لا تتوافر لدى معلم الصغار، فضلا عن المشكلات التى تواجه التعليم النظامى ذاته والتى أنتجت نسبة الأمية.
• هل تطمئن إلى أعداد الأميين التى تعلنها الدولة فى ظل طرق الرصد التى قد لا تأخذ فى اعتبارها المرتدين للأمية؟
الدولة تعلن نسب الأمية من خلال الهيئة وبالتنسيق معها، ولدينا الآن 14 مليون أمى طبقا لآخر الاحصاءات، أى بنسبة 22% من إجمالى السكان، وهناك اعتبار لنسب الارتداد للأمية، لكن الأخطر من الارتداد هم الوافدون الجدد من الأميين، نتيجة لضعف المستوى التعليمى النظامى أو وجود نحو 1500 قرية صغيرة ونجع ليس بها أى مدارس حكومية وكذلك وجود ما يقارب 200 ألف طفل سنويا ينضمون لجحافل الأميين تلقائيا لأنهم بلغوا السادسة ولم يجدوا مكانا فى المدارس، هذا غير أن 40% من مدارس مصر تعمل بنظام الفترتين، ما يعنى تدهورا فى حالة التعليم.
• ولكن كيف تفسر الإنفاق على الخبراء والمنتفعين فى صورة حوافز إشرافية وإعلامية ومهرجانية والبحوث وتأليف الكتب، الذى انتقده الدكتور حامد عمار فى إحدى مقالاته ب«الشروق»؟
البحوث والخبراء والتدريب وتطوير تأليف المحتوى التعليمى، كلها مكونات مهمة للعملية التعليمية، ويجب أن تستمر ما دام هناك تقييم وتقويم مستمرين وجهات رقابية ومساءلة قانونية.
ومع هذا أنشأت الهيئة خلال الشهور الماضية مركز معلومات للقضاء على الفساد، حيث تم الكشف عن وجود 39 ألف اسم مكرر من الدارسين بتكلفة للفرد الواحد بلغت 800 جنيه فى الدورة.