فى أحد أيام عام 1998 كنت فى صالة تحرير جريدة البيان الإماراتية فى دبى حيث أعمل وقتها. يومها طيرت وكالات الأنباء خبرا عاجلا، يقول إن «مقاومى حزب الله اللبنانى نفذوا عملية نوعية فى قرية الأنصارية ضد جنود الاحتلال الصهيونى فى جنوب لبنان أوقعت أكثر من عشرين قتيلا.
عندما قرأت الخبر على «رول التيكرز» لم أتمالك نفسى، وقفزت فرحا قائلا بأعلى صوتى الله أكبر، وبعد ذلك بنحو ساعة دخل مكتبى أحد الزملاء العرب فى الجريدة وقال لى «اسمح لى أن إوجه لك عتابا وانتقادا، مضيفا: كيف تهلل فرحا لهؤلاء الشيعة الروافض؟!».
ثم بدأ الزميل فى إعطائى محاضرة طويلة تبين حقيقة الشيعة من وجهة نظره، وكيف أنهم أكثر خطرا على السنة من الإسرائيليين واليهود وسائر من يتربص بالمسلمين.
وقتها كنت فى بداية عملى فى الإمارات، ولم أكن على اطلاع كامل بحقيقة الخلافات السنية الشيعية فى الخليج، باعتبار أن غالبية المصريين لا يعانون من هذه المشكلة ولا تشغل بالهم كثيرا.
المهم رددت على زميلى الذى انتقدنى بمحاضرة أخرى خلاصتها أنه مهما كان الخلاف فالشيعة إخوة عرب ومسلمون، ثم أخبرته بالقاعدة التى أتبناها وهى «أننى مع الشيطان إذا حارب ضد الاحتلال الصهيونى لفلسطين».
نعود إلى الوقت الحاضر ونسأل: هل هناك خلاف سنى شيعى؟!
بالطبع نعم وهو موجود منذ صدر الإسلام وأغلب الظن أنه سوف يستمر لسنوات ولقرون وربما حتى قيام الساعة، مثله مثل الخلاف بين الأرذثوكس والكاثوليك والإنجيليين فى المسيحية، وبين المتدينين والعلمانيين فى اليهودية، وبين سائر الطوائف والمذاهب فى الديانات السماوية والوضعية.
الأديان والمذاهب إطلاقية وليست نسبية، أصحابها يؤمنون بأنهم على صواب كامل وغيرهم على خطأ كامل، وبالتالى فإن فكرة الوصول إلى حلول وسط بين أصحاب المذاهب والديانات المختلفة تبدو شبه مستحيلة.
الملاحظ الآن أن واحدة من المعارك التى ستتكرر كثيرا على الساحة السياسية هى الخلاف السنى الشيعى، ومخاوف البعض من المد الشيعى فى مصر بعد السماح للسياح الإيرانيين بزيارة مصر.
وصرنا نسمع كل يوم ونقرأ احتجاجات سلفية متنوعة، كان آخرها محاولة اقتحامهم لمنزل القائم بالأعمال الإيرانى فى حى مصر الجديدة ظهر الجمعة الماضى، عقب خطبة الداعية السلفى فوزى السعيد الذى اعتبر السماح بدخول الإيرانيين لمصر «كارثة أشد خطرا من التنصير والتهويد، لأن الشيعة يستخدمون حب المصريين لآل البيت فى الدخول إلى قلوبهم ونشر التشيع».
بهذا المنطق وطبقا للافتات التى رفعها السلفيون فوق سيارات الأجرة خلال توجههم من غمرة إلى منزل القائم بالأعمال الإيرانى فهم ينوون طرد كل الشيعة من مصر.
والسؤال البسيط الموجه للإخوة السلفيين: إذا نحن طردنا كل الشيعة فهل سيكون من حق إيران طرد ما بقى من السنة فى عربستان والأهواز، خصوصا أنها متهمة بممارسة سياسة تمييزية ضدهم ينبغى إدانتها.
ثم وهذا هو الأخطر، هل سيكون من حق العراق وأغلبيته من الشيعة العرب أن يطردوا السنة العرب أو الاكراد أم ماذا؟ وماذا نتوقع إذا تم تطبيق نفس السياسة على مناطق الاحتكاك السنى الشيعى، خصوصا الملتهب منها فى لبنان واليمن وباكستان وأفغانستان.
يا أيها الإخوة السلفيين: الأكثر خطرا على سنة مصر وكل مواطنيها بمن فيهم المسيحيون، هو الفقر والجهل والمرض والانعزال والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة وبعد ذلك يأتى الصهاينة فى مقدمة الأعداء الخارجيين.
ما رأيكم، تعالوا نهزم كل هؤلاء الأعداء وبعدها نتفرغ للشيعة.