أفراح الخمس نجوم على طريقة بعض الملتزمين دينيا قد تكلفك كثيرا، فبين قاعة للحريم وأخرى للرجال، فاتورة الحساب غالبا ما تكون حارة جدا. «القلب بيضحك للعرسان والفرحة مالها حدود. يا سلام على الفرح مع الإسلام، أفراحنا جميلة وطاهرة وحلال. ده الناس للدين بتعود... يا سلام يا سلام. وأجمل الأفراح أفراح المسلمين «هكذا ارتفعت أصوات بنات فرقة «اليشمك»، بوب ستار عالم «الملتزمين» أو «السنيون الجدد» لتعلن عن عرس محمد ومها». العروسان اللذان التزما حديثا على حد تعبيرهما اختارا أن يحتفلا بليلة العمر على طريقتهما، ونظرا لأن العريس ينتمى لأسرة ثرية فضلا عن أنه جديد فى «الالتزام» فآثار شقاوة زمان ما زالت تداعب خياله. قرر محمد أن يمسك العصا من المنتصف، يحتفل بفرحته لكن بشكل يتناسب مع أفكاره الجديدة، كذلك العروس أبت أن تجعل ليلة العمر تمر دون فرحة دنيوية حقيقية، ولأنهما يملكان الإمكانيات المادية التى تساعدهما على حفظ توازن العصا كان الفرح فريدا من نوعه. تقول هبة أستاذة جامعية من أقارب العروس: «الفرح نموذج حقيقى للأبهة والثراء والطرافة والغرابة فى آن واحد». همسات المعازيم تتأرجح بين السخرية والاستغراب والتردد فى قبول مثل هذا النوع من الاحتفالات وأحيانا الصمت الممزوج بالخوف من أن يكون «الناس دول على صواب» كما ترى غادة «40 سنة» أحد أبناء عمومة العريس. أو ربما يرى آخرون أن «الالتزام» بهذا الشكل قد يبدو «عين فى الجنة وعين فى النار» على حد قول هدى ابنة خالة العروس التى لم تبلغ بعد درجة عالية من «الالتزام» بالنسبة للبعض ، فقط اكتفت بحجاب عادى أو «مشخلع» على حد تعبير بعض الحضور. وتضيف هدى: «إما أن نختار حياة الدين أو الدنيا وملذاتها، لماذا هذا التشتت ؟». فى أحد الفنادق على ضفاف النيل بالزمالك يبدو وكأن تفاصيل الفرح قد نوقشت بعناية من أجل الموازنة بين غرض الأناقة والتدين، لم يترك أى شىء للصدفة حتى اختيار المكان، فالفندق له طراز غربى أنيق إلا أنه من الأماكن السياحية القليلة التى لا تقدم خمورا. يوضح محمد، العريس ورجل أعمال فى الثامنة والعشرين: «نحن لا نريد أن نبدأ حياتنا فى مكان ملعون من الله على جالس الخمر وبائعها وشاربها». بعيدا عن لعنة الله والملائكة. ولأن الفرح غير مختلط فقد وصلت نفقاته لضعف الأفراح العادية، استأجر العروسان قاعتين: الأولى فى الدور الحادى عشر للذكور والثانية فى الدور التاسع حيث المدعوات سافرات الشعر والوجه. فى الدور التاسع ما زالت تتعالى نغمات فرقة «اليشمك»، الأغانى مقتبسة من أعمال محمد منير وعمرو دياب وداليدا بنفس الأنغام وإن حورت كلماتها لتتناسب مع أفكار «الملتزمين»، فهى تقدم الوصايا للعروس وتدعو للالتزام بالحجاب رغم الضغوط والهجمات. تؤكد نورا إحدى عضوات الفرقة التى كونتها بعض الفتيات الجامعيات لتحيى أكثر من 70 فرحا سنويا: «إننا نستخدم الآلات الحلال وهى الدفوف والطبول والأورج ونبتعد عن الآلات الوترية التى ما زال هناك جدل حول مدى شرعيتها». ثم تضيف نورا: «إحنا عادة ما نحيى المناسبات الإسلامية ونعمل فى مجتمع نسائى فقط خاصة أننا لا نرتدى الحجاب عندما نغنى». وصلت العروس مع عريسها إلى نقطة «الانفصال» بالدور العاشر. كانت مها ترتدى النقاب كاملا وإن استبدلت اللون الأسود بالأبيض، انفصل العريسان ليحتفل كل منهما مع أبناء جنسه ببداية الحياة الزوجية. عندما دخلت العروس قاعة السيدات خلعت النقاب وظهر لون وثوب الفرح الحقيقى المطرز الذى يحمل لمسات أحد أشهر المصممين. أما محمد فقد هذب لحيته بعض الشىء وأطال بنطلونه حتى يبدو أنيقا يوم عرسه. انطلقت العروس لترقص مع صديقاتها على أنغام فرقة «اليشمك». بدأت النسوة يتحررن من العباءات السوداء، وفى لحظات تحول العرس إلى كرنفال من الأناقة والجمال. يصعب تصديق أن هذه الوجوه هى التى كانت تتخفى منذ لحظات ولا يظهرهن سوى العيون الخجلة. موديلات من الفساتين ذات «الديكولتيهات» الواسعة بينما انسدلت الشعور على الظهور أو فى «شينيون» أنيق يظهر بهاء العنق. اندلعت مسابقة الرقص الشرقى لتتبارى النساء المتعطشات للانطلاق خلف هذه الحوائط. ممنوع التصوير تصدت بعض النسوة لمحاولات التصوير فى الوقت الذى تعالت فيه أصوات بعضهن مطالبات بإغلاق الهواتف المحمولة التى قد تخطف لقطة خبيثة للنساء وهن على حريتهن. اقتصر التصوير للذكرى على مصورة واحدة فقط واشترطت العروس أن تحصل على ديسكات الصور قبل مغادرة القاعة حتى لا يرى أحد النساء الحاضرات وهن على هذه الهيئة. ومن قاعة السيدات إلى الطابق الحادى عشر تبدو الصورة مختلفة تماما، كما لو أن الجنس اللطيف قد اختفى من على سطح البسيطة. على المنصة الموضوعة أمام طاولات المعازيم، بدأ أصدقاء العريس «المحنكين» بإلقاء كلمة عن أهمية الزواج كرباط مقدس وسكن ومودة ورحمة. ثم عكف فريق آخر على امتداح والد العروس وكفاحه فى الدعوة، بينما اصطف آخرون لإسداء النصح. وعلى إحدى الطاولات الموجودة فى أركان القاعة جلست مجموعة من الشباب غير الملتحى والذى يعتبرهم السواد الأعظم من الحضور «غير ملتزمين بالقدر الكافى». يتبادل هؤلاء النكات والتعليقات الساخرة، الأمر الذى أثار حنق بعض المدعوين خاصة أنهم يدخنون السجائر. «التدخين حرام شرعا يا أساتذة» صاح فيهم أحد المدعوين الملتحين مضيفا: «مش كفاية مش ملتزمين ليه بقى تضروا غيركم بالدخان». كاد العرس أن يتحول إلى مناقشة حامية عن مدى شرعية التدخين لولا تدخل واحد من أولى الألباب ليذكر الجميع أنهم فى فرح وليس أكثر.. فانشغل الجمع فى قزقزة الفستق والكاجو الذى دارت أطباقه بين الموائد، ثم بدأت المسابقة ذات الجوائز الكبرى فى المعلومات الدينية والعامة. تصاعد الدخان من سيجارة خالد ذو ال25 عاما والذى مل الاحتفال على هذه الطريقة وكاد أن ينصرف لولا خوفه من تعنيف عائلته لأنه ابن عم العريس. فقرر أن يتحامل على نفسه رغم كونه مقتنعا تماما أن: «برضه وجوه الستات تطرى القعدة». هذا فى حين يرى البعض كعادل أحد أقارب العريس أن الفرح مثالى ونموذجى «الستات دول وجع دماغ. إحنا كده مكبرين. كفاية إن المكان راقى ونضيف والأكل حلو». انهالت الأسئلة الدينية كسيل من علٍ، تسابق الجميع فى حلها، البعض طمعا فى الفوز بمجموعة أعمال دينية من أمهات الكتب وآخرون لمجرد استعراض معلوماتهم الثقافية أمام «غير الملتزمين». طعام أكثر من العادى أخيرا جاء وقت البوفيه. هرع فريق الجارسونات إلى الطابق العلوى لتقديم ما لذ وطاب من اللحوم والأسماك والحلوى بأنواعها الشرقية والغربية، إضافة إلى الديك المحشو بالمكسرات. لم تتغير قائمة الطعام فى الطابق المخصص للنساء رغم زيادة الكميات لدى الرجال ربما كوسيلة لتعويضهم عن غياب الجنس اللطيف.. وزادت معدلات الطعام بطبيعة الحال عن الأفراح العادية حتى يكون منظر المائدة مشرفا أمام كلا الجنسين. يقول العريس: «فرحى نموذج لأفكارى الجديدة، ممكن أفرح واستمتع بحياتى فى حدود الشريعة. هذه وسيلة كمان لأثبت لبعض الشباب المتردد فى الالتزام أنه ممكن يكون شيك وروش لكن بشكل مختلف». المشكلة هى أن تمتلك إمكانات تجعلك تعيش بأسلوبك ومستواك داخل دنيا «الملتزمين» على حد تعبير طارق أحد أصدقاء العريس من «أيام الشقاوة».