اختصر الفكر الغربى التقليدى أعداء الديمقراطية فى كلمتين: النازية، التى لم ترحل تماما، والشيوعية. وبعد أن سقطت الثانية مع انهيار جدار برلين 1989 بدا العالم «نظيفا». غير أن الغرب الاستعمارى الهاجس أبدا ب«عالم سعيد» أصابه الاضطراب إثر وفود عدو جديد عنوانه: «الإسلام الإرهابى»، فوزع قنابله على أفغانستان، وامتدت نيرانه إلى العراق، وخلص الليبيين من «ملك ملوك أفريقيا»، ولكن: هل حارب الغرب أعداء الديمقراطية بوسائل ديمقراطية؟ هذا هو سؤال تسفيتان تودوروف، البلغارى الأصل والفرنسى الجديد، فى كتابه الجديد: أعداء الديمقراطية الحميميون. يؤكد تودوروف، الذى كان ناقدا أدبيا قبل أن يتعامل مع قضايا سياسية، أن الغرب الذى نصّب ذاته مرجعا للديمقراطية يشكّل، موضوعيا، عدوا «حميما» لها، ذلك أنه يوظف الدفاع عن الديمقراطية، كما السكوت عن ممارسات مستبدة، وفقا لحاجاته. فليس فى الإسلام، مقارنة بالشيوعية، ما يشكّل خطرا، ولم يكن فى العراق وأفغانستان، قياسا على النازية، ما يهدد الغرب، والمصالح الأمريكية. وبسبب هذا القياس الخاطئ، الذى تمليه المصالح، فإن فى سياسات الغرب ما يهدّد الديمقراطية ، قبل أن يكون «غيرة ديمقراطية» على الديمقراطية!
يستعمل المؤلف فى تحليله مفهوم «التطرّف الديمقراطى»، الذى جاء بظواهر تهدد العالم كله مثل: الشعبوية الكارهة للغرباء، والليبرالية المتطرفة التى تمجد الأسواق ولا تلتفت إلى حاجات البشر، والنزعة الرسولية التى ينسبها الغرب إلى ذاته، وغيرها من الظواهر التى تنتج الأعداء الحميميين للديمقراطية. تتكشف دلالة التطرّف فى إرجاع المتعدد إلى الواحد، الذى يعنى أن الغرب هو العالم بأسره، وفى «شخصنة المفاهيم»، حيث الغرب هو الديمقراطية فى ذاتها.
يتوقف تودوروف أمام الجذور الفكرية، التنويرية منها والمسيحية، التى أفضت، عمليا، إلى «النزعة الرسولية» التى أقنعت بوش الابن، وهناك غيره، بأنه مسئول عن إعادة ترتيب شئون الخليقة، وبأن البشر محكومون بمرتبية صارمة، تحدد المسافة بين الأدنى والأعلى. كان عصر التنوير الأوروبى،كما بعض الاجتهادات المسيحية، كما يظهر المؤلف، قد تحدث عن «الإنسان الكامل»، الذى يعمل ولا يخطئ. قرأت غطرسة القوة التعريف بشكل جديد، وترجمته بلغة المدافع والقنابل الحارقة، فاتحة العالم الإنسانى على مستقبل قوامه الأنقاض.
نقد المؤلف مبدأ «فرض الديمقراطية بواسطة القنابل»، المستند إلى تفوق الغرب فى المجالات جميعا، وندّد بحروب حلف الأطلسى، القائمة على «الانتقائية»، وحلم بحكومة عالمية عادلة: «طالما أنه لا توجد حكومة عالمية، وهو مبتغى ضعيف الجاذبية، تبقى العدالة الكونية واجهة لمصالح الأطراف القوية. «ص: 101».
يتابع تودوروف فى تأملاته أصواتا غربية، تمتّعت بالمسئولية والأخلاقية والدفاع عن وحدة الجنس الإنسانى، بدءا من جان جاك روسو وصولا إلى تشومسكى.