البحيرة: التعامل بكل قوة مع أي محاولة للتعدي على الأرض الزراعية أو أملاك الدولة خاصة خلال عيد الأضحى    لن ننسى غزة الأقصى.. مظاهرات بالمغرب ضد حرب الإبادة الإسرائيلية    إيران عن حصولها على بيانات سرية عن مرافق نووية إسرائيلية: العملية نفذت منذ فترة لكن تقديم المعلومات تأخر لسببين    السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء باكستان للتهنئة بعيد الأضحى    أحمد موسى: قالوا زيزو مش إمام عاشور ولن يبيع الزمالك.. وفي الآخر مع الأهلي بميامي    عاجل.. محمد شوقي يتولى تدريب فريق زد بداية الموسم الجديد    مصرع طفل غرقا داخل حمام سباحة خاص بطنطا    يتبقى التوقيع.. ريان نوري يجتاز الفحص الطبي مع مانشستر سيتي    "التعاون الخليجي" يرحب بقرار "العمل الدولية" رفع صفة فلسطين إلى "دولة مراقب غير عضو"    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في شمال سيناء.. بالاسم ورقم الجلوس    ثقافة الفيوم تحتفل بذكرى ميلادها "هدى شعراوي.. امرأة لا ينساها التاريخ".. صور    لمن يعانى من مرض النقرس.. التزم بهذه النصائح فى العيد    تعرف على أفضل الطرق لفك اللحمة بعد تجميدها فى الثلاجة    رئيس جامعة المنوفية يتفقد معهد الأورام ويهنئ الأطباء والعاملين بعيد الأضحى    لليوم الثاني.. أهالى الأقصر يذبحون الأضاحى لتوزيعها علي الأسر الاكثر احتياجا فى عيد الأضحى    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    «إيبارشية إسنا وأرمنت» تعلن إخماد الحريق المحدود ب كنيسة السيدة العذراء في الأقصر    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    إعلام إسرائيلي: يحتمل وجود جثامين لمحتجزين إسرائيليين بمحيط المستشفى الأوروبي    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    الخرفان أولًا والعجول آخرًا.. تدرّج في الطلب بسبب تفاوت الأسعار    رونالدو يعلن موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    "الزراعة": إزالة 20 حالة تعد في المهد بعدد من المحافظات    اتحاد تنس الطاولة يناقش مستقبل اللعبة مع مدربي الأندية    مرسال: اتحاد العمال يرسخ مكانته الدولية في مؤتمر جنيف| خاص    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    ضبط 156 شيكارة دقيق بلدي مدعم وتحرير 311 مخالفة فى الدقهلية    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    زلزال جديد في اليونان منذ قليل بقوة 5.2    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    رسميًا.. غلق المتحف المصري الكبير في هذا الموعد استعدادًا للافتتاح الرسمي    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    اعتراض دورية ل "اليونيفيل" في جنوب لبنان    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    وكيل صحة أسيوط يتفقد سير العمل بالمستشفيات والمركز الإقليمي لنقل الدم خلال إجازة عيد الأضحى    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة    "دفعها للإدمان وحملت منه".. تفاصيل بلاغ من سيدة ضد والدها في الوراق    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامان على الثورة.. إشكالية المصطلح
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 02 - 2013

يذكر القارئ بلا شك كيف كانت مصر فى تلك الأيام قبل عامين (فبراير 2011) كان الشباب قد انتهوا للتو من «تنظيف الشوارع»، دون تعليمات من أحد، ودون حاجة إلى لافتات تنزع عن الفعل عفويته «أو صدقه»، لتضعه فى جداول السياسة ومغازلة الناخبين وحسابات «الصندوق». وكان الشباب يتسابقون بحثا عن طريق «للعطاء» بلا مقابل. وكان الكل على استعداد «لربط الأحزمة على البطون» لشراء مستقبل أبنائهم وأحفادهم. وكان الجيران أيامها يسهرون، ويتسامرون «معا» على أبواب شوارعهم، فيما عرف باللجان الشعبية، لتأمين بيوتهم، بعد ان اختفت الشرطة تماما فى تلك اللحظة الفارقة التى لم يُكتب تاريخها الصحيح بعد. ولعلنا نتذكر أنه رغم ذلك كان معدل الجريمة وقتها، خاصة المرتبطة بالعنف قد وصل تقريبا إلى الصفر، على الأقل مقارنة بهذه الأيام.

ويذكر القارئ بلا شك كيف كانت المشاعر وقتها. وكم عاد من مصريين كانوا عاشوا لعقود خارج وطنهم بعد أن شعروا أن الشباب أعاد اليهم ليس فقط «وطنهم» بل وشبابهم. (أعرف مصريين باعوا كل أملاكهم فى الخارج فى أسبوع واحد ليصبح قرار العودة نهائيا إلى «وطن» كانوا قد افتقدوه لسنوات طويلة). ويذكر القارئ بلا شك كيف عاد التغنى بالوطن فجأة كما كان أيام عبدالحليم وأم كلثوم فنا جميلا كان قد غاب عن أسماعنا أربعة عقود كاملة، فاستمعنا إلى رامى جمال «يا بلادى»، وحمزة نمرة «إنسان»، ومحمد عباس «كان لازم»، وحامد موسى «الثورة لسه فى الميدان»، وسامية جاهين «يُحكى أن»، وعلى الحجار «ملعون»، وعايدة الأيوبى «يا الميدان»، ثم رائعة أنغام «يناير»... هل تذكرون:

فجأة هز الدنيا صوتكو والحياة رجعت بموتكو

والسنة اتسمت يناير شيلتو عن عينا الستاير

درس من قلب الميدان للى خايف من زمان

عدتو ترتيب المكان واحنا ليكم مديونين

●●●

ربما كان فى هذا الكلام «طوباوية» أو رومانسية تحلق بعيدا عن واقعٍ بات مؤلما، ولكنها بالتأكيد ليست أعراض «النوستالجيا»، قرينة فنجان القهوة والشعر الأبيض. فالوقائع ما زالت ساخنة، والصور مازالت ماثلة فى الذاكرة، وتسجيلات «اليوتيوب» لم تُمح بعد. عامان فقط مرا على تلك «اللحظة العبقرية»، التى للأسف لم نعض عليها بالنواجز. أين ذهبت إذن؟ من أضاعها؟ وكيف وصلنا إلى ما وصلنا اليه؟ أو كما يقولون بالانجليزية فى مثل تلك الأحوال: What went wrong?

ليس هنا مقام البحث عن الأخطاء، أو عن من نعلق فى رقبته الجرس، فالتاريخ الذى لا يرحم سيتكفل بالمهمة. ثم «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ». السجدة آية 25

●●●

قبل أيام كنت قد دُعيت لألقى المحاضرة الافتتاحية فى مؤتمر دولى حول «الثورة بعد عامين»، نظمته جامعة القاهرة مع جامعة أدنبره. والحاصل أننى عندما تأملت العنوان لأعد محاور الحديث، كان أن استحضرت ما تعلمناه من الأكاديمية نحن القادمون من خارجها، من ضرورة أن نبدأ بتعريف المصطلحات. والمثير أننى وجدت فى هذه العملية ذاتها؛ «تعريف المصطلح» أو بالأحرى التباين بل والتناقض فى تعريف المصطلح بين أصحاب العلاقة واللاعبين الأساسيين على الساحة، التفسير الأول ربما للنقطة التى وصلنا اليها بعد عامين من «الثورة»، التى يبدو أننا لم نتفق «جميعا» على تعريف واحد لها، أو لعلنا لم نتفق أصلا على أنها كانت حقا «ثورة».

●●●

فى البدء كان العسكر.

فى مساء الحادى عشر من فبراير 2011 خرج السيد عمر سليمان بوجهه الذى لم يكن مُعَبِّرا قط ليعلن أن مبارك سلم مسئولية إدارة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ذهب مبارك إذن وبغض النظر عن التباينات فى توصيف هذا الذهاب، خروجا أم إخراجا، توافقا أم اتفاقا.. إجبارا أم امتثالا للبديل الذى لا بديل له. وأيا ما كانت التفاصيل التى اختلف الجميع فى روايتها، فالرجل «سقط» مساء ذلك اليوم الذى ردد فيه أربعة ملايين، مسلمين ومسيحيين «دعاء القنوت» خلف الشيخ محمد جبريل فى قلب «الميدان» الذى سرعان ما أصبح فى العالم كله عنوانا للثورة.

سقط الرجلُ إذن لتحل الأهازيجُ ليلتها محل الهتافات، والأغانى محل الشعارات.. ومن بينها بالضرورة شعار المطلب الأهم، الجامع لكل المطالب والشعارات: «الشعبُ يريدُ اسقاط النظام»، وكان طبيعيا ومنطقيا أن يصبح سؤال اليوم التالى: إن كان مبارك قد سقط، فهل سقط النظام؟

وكان السؤال الآخر الذى لم يلتفت له أحدٌ أبدا يومها، إن كان الرجل قد سقط استجابة لنداء شعب يريد «إسقاط النظام»، فهل الذين استلموا الأمور بقرار منه كانوا يريدون أيضا «إسقاط النظام»؟ تقول الشواهد، كما يعرف الذين اقتربوا من دوائر صنع القرار وقتها أن الإجابة لم تكن هكذا بالضبط. بل بدا للجميع أن الأمر لم يعدو رغبة فى التخلص من «هاجس التوريث» الثقيل. ثم.. «كما كنت»، كما يقول النداء العسكرى الشهير.

يقول أرشيف الصحف، وسجل الوقائع إن أول من دخل السجن كان صحبة جمال مبارك (أحمد عز وجماعته)، ولم يمس أحدٌ وقتها رموز الحرس القديم. كما تقول الوقائع أن زكريا عزمى ظل يذهب إلى القصر يوميا «بوصفه موظفا عموميا، لا نملك فصله تعسفيا»(!). وأن القضاء (لا غيره) هو الذى أقدم على حل الحزب الوطنى والمجالس المحلية.. الوقائع كثيرة، يكفى لتذكرها أن نعود إلى أرشيف الصحف أو نستمع إلى بعض من تولوا المسئولية أيامها. كما يكفى لقراءة دلالاتها ما أشرنا اليه فى هذا المكان من قبل من الارتباك واللا وضوح فى إدارة فترة الأشهر السبعة عشر الأهم (من الحادى عشر من فبراير 2011 وحتى الثلاثين من يونيو 2012) والتى اتسمت رغم وفاء من الرجال بوعدهم الأساس بقدر ليس هين من تناقض فى الرؤى والأهداف، وبرغبة «مكتومة ومفهومة» بالاحتفاظ بالمكان أوالمكانة، وبسذاجة أو براءة من عسكريين لا يجيدون «ألاعيب الساسة والسياسة»، فكان أن ضاعت «البوصلة»، أو اضطرب مؤشرها أحيانا «بتجاذبات» هنا وهناك. وما أدراك حين تضيع البوصلة من جندى فى الميدان. يومها سمعنا عن ائتلافات تم تخليقها، وحوارات جرى توجيهها، وأحزاب كرتونية جرى استدعاؤها من أضابير أجهزة النظام القديم، ليمكن توظيفها «رقما زائفا» فى معادلات القوى السياسية. وما أدراك كم انتهكت براءة الشباب تلك «القوى السياسية»، بتوازناتها الزائفة، ولغتها اللزجة، ومعادلاتها القديمة.

●●●

بعد ذلك كان «الإخوان»؛ رفاق الميدان لا شك فى ذلك. ولكن الأهداف لم تكن فيما بدا متطابقة مع أهداف الرفاق. فبعد تجربة مريرة من الإقصاء لعقود، وبعد تجربتى انتخابات 2005 و 2010 بدا أن الهدف الأول، الكفيل بأن يتقدم على أى هدف آخر (راجع التصريحات المنشورة) هو أن نصبح أخيرا «جماعة غير محظورة» يمكننا أن نصل إلى السلطة «عبر صناديق الاقتراع». وهو أمر «مشروع» ولا غبار عليه بلا شك. فهكذا تفعل كل الأحزاب فى الدول «المستقرة». ولكنه، بحسب تعريفات العلوم السياسية هدفٌ «إصلاحى» بامتياز، لا علاقة له «بالثورة» مفهوما أو تعريفا. كما أنه لا يتطابق مع هدف الذين خرجوا يطالبون «بإسقاط النظام»، بكل ما يعنيه ذلك من معنى. أما الهدف الثانى «الآجل» والمتمثل فى إعادة رسم خرائط المنطقة لإصلاح عوار شاب خرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى، فلا أظنه كان فى بال أحدٍ من الشباب الذى كان قد دعا إلى احتجاجات 25 يناير، مثله مثل شعارات «الشريعة.. والهوية.. والدولة الإسلامية» التى غابت عن لافتات وهتافات أيام الثورة الثمانى عشرة.

هذا التباين رغم عدم وضوحه فى البداية وضح جليا فيما بدا بعد ذلك من تناقضٍ لم يكن مطلوبا «بين الميدان والبرلمان»، وفى تحديد خاطئ لأطراف الصراع. فبدلا من أن ننتبه إلى أن معركتنا «الحقيقية» هى مع «نظام» لم يسقط بعد، وسيحاول أن يعود، انجرفنا إلى معارك «وهمية / انتخابية» مع رفاق المعركة، واستهنا بعواقب استقطاب عملنا على تزكيته يوما بعد يوم. وبدلا من أن نواجه «النظام / الدولة العميقة» بالوحدة التى نجحت وحدها فى مواجهة هذا النظام فى يناير 2011، لجأنا إلى أدوات تلك الدولة العميقة ذاتها لمواجهة ما يواجهنا من تحديات، فكان طبيعيا أن لا تأتى الرياح بما تشتهى السفن.

●●●

وبعد..

فربما لم يقرأ هؤلاء الشباب، أو تلك المرأة التى ظهرت على الشاشة تضرب رأسها بالحذاء «لأنها انتخبت مرسى» كتاب Hobsbawm عن الثورة، كما أنهم لم يطلعوا على الكتب المؤسِّسة لمفهوم Transitional Justice ولكنها ثقافة الشعوب العريقة، تعلمنا التجارب أنها كفيلة باختصار الحكمة فى مثل شعبى أو عبارة؛ يعرفون بوجدانهم ماذا يقصدون بها. وهكذا كانت العبارة العبقرية «الشعب يريد إسقاط النظام».

تباينت التعريفات إذن، رغم حسن النوايا.. فتباينت التوقعات.. فمضى كلٌ فى طريق. وعندما تقاطعت الطرق، وقد كان.. كان كل ما نراه الآن.

ماذا فاتنا إذن أن نفعل؟ وماذا علينا الآن أن نفعل؟

لعل هذا يكون «اجتهاد» المقال القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.