احتفى بى عاموس عوز، الروائى التى سبرت رواياته وقصصه روح إسرائيل بدأب ومثابرة، فى شقته التى تعج بصفوف الكتب، بدرس سريع فى العبرية: علىّ أن أفهم أن معنى الكلمة اليديشية المهمة fraiers هى «المخادعون». وهو يرى أن «معظم الإسرائيليين سيغادرون الضفة الغربية لكنهم لا يريدون أن يكونوا مخادعين، ولا يريدون تكرار سيناريو غزة. وأولا وقبل كل شىء، هذه الانتخابات كانت تتصل بأمور داخلية، مثل الطبقة الوسطى، والدولة والمعبد، والتجنيد الإجبارى، مع الاتفاق الصامت على ألا تحظى مسألة الأراضى المحتلة بأهمية كبيرة. وهذا يعنى أنه فى حال تأكد الإسرائيليين من أن التخلى عن الضفة الغربية لن يكون صفقة خسيسة ولن يكونوا «مخادعين» إنهم لن يترددوا فى الإقدام على ذلك».
•••
وفى ظل المشاعر الدينية القومية القوية، حتى وإن أظهرت الانتخابات تحول إسرائيل ضد التطرف، أعتقد أن عوز سيشعر بالتفاؤل. لكنه يصر على أنه فى نهاية اليوم كان هناك حوالى 70% على كل من الجانبين يركلون ويهتفون ويصرخون ضد الظلم على استعداد لقبول حل الدولتين. ويقول عوز: «إن كان لى أن أستخدم المجاز، يمكننى القول بأن المريض، الإسرائيلى والفلسطينى، مستعد على مضض للخضوع لإجراء الجراحة، لكن الأطباء جبناء».
هل يمكن ضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى قائمة الجبناء؟ قال: «نعم، أعتقد أن نتنياهو جبان». لكن فوز الوسط فى الانتخابات يمكن أن يغير المعادلة. ويقول عوز: «هذا يعنى أنه سيكون هناك المزيد من الضغط على نتنياهو من جانب الحمائم فى إسرائيل وكذلك العالم الخارجى، بحيث يسخر جبنه للعمل فى الاتجاه الآخر».
•••
إن إسرائيل الكائنة وسط جيران معادين، فى ظل حدود غير محددة، وتعانى من الخلافات بين الدينيين والعلمانيين، والحائرة فيما يمكن أن تفعله أمام الانتفاضة العربية المحيطة بها تريد أن تحيا حياة طبيعية. ومواطنوها الآن قلقون من العنف الجنائى أكثر من قلقهم من العنف السياسى. ولم يُقتل إسرائيلى واحد فى الضفة الغربية فى عام 2012. وإيران لم تكن حاضرة أثناء الحملة. والصراع الفلسطينى تراجع، برغم التشنج، بما يكفى على أى حال للتصويت لسياسى مبتدئ.
وقد اندهش عوز (73 عاما) بالقدر الذى يجعله لا يعتبر الأسوأ أمرا حتميا، حتى وإن كان ذلك هو الحرب التى صبغت حياة إسرائيل منذ 1948. وهو يطرح سؤالا: «من كان يتوقع أن يقوم تشرشل بتفكيك الأمبراطورية البريطانية، أو أن ينسحب ديجول فرنسا من الجزائر، أو أن يأتى السادات إلى القدس، أو أن يرد بيجين سيناء بالكامل مقابل السلام، أو أن يقوم جورباتشوف بتفكيك الكتلة السوفييتية؟».
ورسالته إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة واضحة: السلام مستحيل بدون جسارة؛ ولا شىء فوق طاقة الإنسانية غير المحدودة والقادرة على مفاجئتنا.
•••
هناك نوع من الأسى فى نظرته إلى إسرائيل التى يحبها. وهو يتعجب مما يسميه «العصر الثقافى الذهبى» للإنجازات الأدبية والعلمية. وهو يستنكر ويمقت ما يراه تشكيكا فى وجود إسرائيل، فى أوروبا وفى كل مكان، وهو تساؤل «يتجاوز حدود النقد المشروع للسياسة الإسرائيلية» ويعكس فى جانب منه معاداة للنموذج الأمريكى لأن «إذا كانت الولاياتالمتحدة هى الشيطان فلابد وأن تكون إسرائيل طفل روزمارى (ابن الشيطان)».
فى الوقت نفسه، لا يخفى عوز خيبة أمله. فقد قال لى: «كان بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة أفدح خطأ ويعد خطيئة فى تاريخ الصهيونية الحديثة، لأنها كانت قائمة على القبول بحقيقة بسيطة هى أننا لسنا وحدنا فى هذه البلاد. كما أن الفلسطينيين ما زالوا على رفضهم منذ عقود لحقيقة أنهم ليسوا وحدهم فى هذا البلد. والآن، يقر الجانبان، وهما يجزان على أسنانهما، بهذا الواقع وهى بداية جيدة».
لقد كانت إسرائيل حلما. والطريقة الوحيدة، عند عوز، للاحتفاظ بالحلم ورديا، وبكرا، لا تشوبه شائبة، هى أن نبقيه حيا. وينطبق هذا على كل شيء، من السفر، إلى كتابة الرواية، الفانتازيا الجنسية.
•••
وإليكم عقيدته السياسية. لا يمكن أن تكون هناك دولة واحدة لأن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يصبحوا أسرة واحدة سعيدة («فهم ليسوا أسرة وليسوا سعداء»). لذلك، فإن الحل الوحيد هو تقسيم المنزل إلى شقتين صغيرتين». الدولتان هما الحل الأكيد. كان الفلسطينيون وغيرهم من العرب يعاملون إسرائيل كعدوى عابرة: إذا هرشوها بقوة، ستذهب. وقد ولت هذه الأوهام.
وماذا عن حماس؟ «أقل ما يمكن أن نفعله هو حل الصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية وتقليص الصراع الإسرائيلى الفلسطينى إلى صراع إسرائيلى غزاوى. وسيمثل هذا خطوة كبيرة إلى الأمام. وعندها سنرى. وستتغير حماس مثلما تغيرت منظمة التحرير. والسلطة الفلسطينية على استعداد لتكوين دولة فى الضفة الغربية، وهذا لا يسعدها، لكن من المؤكد أنها على استعداد للقيام بذلك.
وماذا عن حق العودة للفلسطينيين؟ «حق العودة هو تعبير ملطف عن تصفية إسرائيل. وهى مسألة غير قابلة للنقاش، حتى بالنسبة لأحد الحمائم مثلى. ويجب إعادة توطين اللاجئين فى دولة فلسطين القادمة، وليس فى إسرائيل».
•••
عليكم بالجلوس مع عوز. هذه نصيحتى للحكومة الإسرائيلية القادمة ولكل أصحاب الأحكام المطلقة، من العرب والإسرائيليين، من أطراف هذا الصراع غير الضرورى، الذين لا تتجاوز غايتهم النهائية، التعيسة والسلمية معا، نطاق الخيال الإنسانى اللا متناهى.