كتب ويليام فاف (كاتب ومحلل سياسي أميركي) في جريدة الأيام الفلسطينية :بدت المواجهة بين إدارة الرئيس أوباما وإسرائيل حول مستعمراتها داخل الأراضي الفلسطينية، للعديد من المراقبين، كاختبار حقيقي لمدى استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، للدخول في مفاوضات حقيقية حول تسوية تنهي الصراع في الشرق الأوسط. بيد أن هذا الهدف دونه العديد من العقبات والجوانب الغامضة التي تستدعي مزيداً من التوضيح والتدقيق. فقد راهن نتنياهو في البداية على حزب "الليكود" وجماعات الضغط المساندة للمستوطنات في واشنطن لصياغة خطة مخادعة تسمح للمستوطنات بالاستمرار في مصادرة الأراضي الفلسطينية، أو ما تبقى منها وتوسيع المستوطنات، فيما تواصل الولاياتالمتحدة الإشراف على مفاوضات عقيمة ودون معنى مع الفلسطينيين، كما جرت العادة في السابق. ن قبل الفلسطينيين لتلقى الكرة، بشكل كيدي، في ملعبهم، أمام الحكومات والرأي العام. ويري الكاتب ان مفهوم الدولة الفلسطينية الذي طرحه نتنياهو قد شكل رسالة واضحة موجهة إلى الفلسطينيين أنفسهم مفادها ألا يتوقعوا شيئاً من الحكومة الإسرائيلية، وهي أيضاً رسالة موجهة إلى أوباما بأن إسرائيل تنتظر وقف الولاياتالمتحدة لأي مطالب مستقبلية بشأن المستوطنات واستئناف المفاوضات اللانهائية التي انطلقت منذ عهد الرئيس بوش الأب الذي حاول، دون جدوى، تجميد بناء المستوطنات وتمددها فوق الأراضي الفلسطينية. بل إن نتنياهو واصل كلامه قائلا: "أعتقد أنه كلما تحدثنا عن المستوطنات أضعنا المزيد من الوقت بدل التركيز على السلام". وبعد زيارته لإيطاليا انتقل نتنياهو، الأربعاء الماضي، إلى فرنسا متوقعاً استقبالا حاراً من الرئيس ساركوزي لموافقته على حل الدولتين بعد تردد طويل، لكن بدلا من ذلك كان ساركوزي واضحاً عندما قاله له: إن فرنسا "لن تقبل مجدداً الألاعيب الإسرائيلية التي تهدف إلى تغطية بناء المستوطنات بذريعة الحفاظ على النمو الطبيعي للمستوطنات"، وهو موقف انتقده من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أن وقف بناء المستوطنات "يجعل من المستحيل على الإسرائيليين بناء دور العبادة ورياض الأطفال، أو إضافة غرف عندما تتوسع العائلة". والمفارقة أن ليبرمان، المستوطن الذي هاجر هو نفسه من مولدوفا، يريد للمواطنين العرب الذين ظلوا داخل إسرائيل بعد قيام الدولة أن تُصدر لهم السلطات وثائق هوية خاصة بهم وتشجعهم على مغادرة إسرائيل لعل ذلك يفسح المجال أمام العائلات اليهودية لتتوسع دون أن يزعجها أحد في المكان. وإذا كان هذا التحول في الموقف الأميركي إزاء الصراع في الشرق الأوسط هو محاولة متأخرة لاستعادة بعض التوازن والعدل في سياسة واشنطن الخارجية فإن السؤال الحقيقي يبقى عن الخطوات التي ستتبع هذا الموقف وتعززه على أرض الواقع، فهل ستعمل أميركا على دفع موقفها حول المستوطنات بفرض عقوبات مالية وسياسية إذا واصل نتنياهو تعنته؟ فعلى رغم انتخاب نتنياهو ومعارضته لأميركا بعرقلته قيام دولة فلسطينية يعرف الجميع أنه بإمكان واشنطن الإيعاز لقوى سياسة إسرائيلية بإسقاط الحكومة في حال الإصرار على المواقف الرافضة لوقف الاستيطان. لكن ماذا بعد ذلك؟ لقد تحولت حركة الاستيطان المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود إلى مكون أساسي لرؤية إسرائيل حول مصيرها الوطني وأمنها القومي، لاسيما بعدما قارب عدد المستوطنين في الضفة الغربية نصف مليون، ناهيك عن البنية التحتية الهائلة التي تدعمها من طرق متشابكة ومنشآت مختلفة تقضم 40 في المئة من الضفة الغربية. لعبة التجميد وحول نفس القضية كتبت جريدة الخليج الإماراتية في افتتاحيتها :المخرج “الإسرائيلي” من الضغط الدولي لوقف أعمال الاستيطان هو استمرار الاستيطان من خلال لعبة الكراسي الموسيقية. فقد ذكرت إذاعة الجيش اليهودي أن ايهود باراك سيقترح تجميداً للاستيطان لمدة ثلاثة شهور، بينما نتنياهو يرفض وقف ما يسميه النمو الطبيعي للاستيطان، وفي الوقت نفسه ترى الإذاعة “الإسرائيلية” أن مقترح تجميد الاستيطان لن يشمل المستوطنات في منطقة القدسالشرقية التي يفترض أنها ستكون في أي اتفاق عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة. وقالت جريدة الخليج ان ما يجري هو نوع من المسرح العبثي لتحقيق أهداف عدة في آن. ففي غمرة هذه التصريحات سيكون على الآخرين أن يمحصوا التصريحات من أجل الوصول إلى دلالاتها النهائية ليكتشفوا في نهاية المطاف أن الاستيطان لم يتوقف لا عملياً ولا حتى لفظياً. فإذا نجحت اللعبة من حيث إنها ستؤدي إلى ضغط على الجانب الفلسطيني بحجة اختبار نوايا “إسرائيل” فسيكون ذلك نجاحاً ل “إسرائيل” لأنها ستدخل لعبة المفاوضات وهي تضرب بمعاول الاستيطان. وهي ستمضي بذلك حتى يأتي الحين الذي لا يبقى فيه وقت للإدارة الأمريكية لكي تخوض معركة مع الحكومة “الإسرائيلية” لأنها تتحضر لانتخابات الدورة الثانية للرئاسة. وحتى إذا لم تنجح اللعبة واضطر الكيان الصهيوني للتجميد الكلي للاستيطان لفترة الثلاثة شهور فهو لديه حجة سريعة للتراجع عنها بحجة أن الفلسطينيين يرفضون المعروض عليهم من أجل التسوية، أي أنهم لا يقبلون التنازل عن حق العودة، أو بقاء القدس موحدة تحت السيطرة “الإسرائيلية” أو بقاء “الباتستونات” الفلسطينية على ما هي عليه، أو التنازل عن السيادة على الحدود والموارد الطبيعية. فالتجميد المؤقت للاستيطان هو إعلان نوايا من حيث إن الكيان الصهيوني يعتبر أن الأرض المحتلة جزء منه، وبالتالي كيف يمكن لأية مفاوضات أن تنطلق من هذا المفهوم؟ المفاوضات لدى قادة الكيان الصهيوني مناورات لكف الضغط الدولي عنهم، ولخلق وقائع على الأرض، أما الاستيطان فهو عمل استراتيجي ينبثق من جوهر الرؤية الصهيونية. وبالتالي لا يمكن لهم مقايضة المناورة بالاستراتيجية. فالمفاوضات ليست مناورة لديهم، كما هي لدى “إسرائيل”، ولا هي غاية حتى يبقى الإصرار عليها. وإنما هي نهج للوصول إلى حقوقهم، ينبغي عليهم التأكد من أنه سيؤدي إليها حقاً.