عقد معرض الشارقة الدولى للكتاب ندوة "الإمام محمد عبده وتجديد الفكر الإسلامي" التي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام ضمن فعاليات الدورة 31 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في قاعة الثقافة بمركز اكسبو الشارقة وشارك فيها كل من وزير الثقافة المصري الدكتور صابر عرب والمفكر المصري الدكتور أحمد زكريا الشلق وأدارها الباحث الاماراتي الدكتور حمد بن صراي. وشهدها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. كما حضرها كل من الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام رئيس مركز الشارقة الإعلامي والشيخ محمد بن عبد الله آل ثاني مدير عام مركز الشارقة للإحصاء ومعالي جمعة الماجد وسعادة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة والسيد أحمد بن ركاض العامري مدير معرض الشارقة الدولي للكتاب والدكتور خالد عمر المدفع مدير إذاعة وتلفزيون الشارقة اسامة سمرة مدير مركز الشارقة الاعلامي. وقال الدكتور صابر عرب خلال الندوة إن الإمام محمد عبده كان فيلسوفاً بالمعنى الحقيقي فقد كان صاحب مشروع إصلاحي كبير شمل كل الجوانب الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية، وفي كل ما طرحه أو ناقشه أو كتبه قد تميز بعمق الفكرة وإعمال مقاصد الشريعة التي تستهدف المجتمع تحضرًا وإعمارًا. وأضاف لعل بداية التكوين الحقيقي للإمام حينما التقى بالسيد جمال الدين الأفغاني, الذي يُعد بحق بمثابة أحد الرواد الكبار الذين أثَّروا في الحياة المصرية أكثر من تأثيرهم على أي بلد آخر, فهو من أوائل المحفزين لبعث الروح الوطنية المصرية فقد استطاع أن يُشيع بين المصريين نزوعاً إلى الحرية والعدالة. وأشار إلى الثورة العرابية التي اعتبرها نتاج هذا المناخ الهادر, وقال" إن الإمام المفكر محمد عبده استطاع أن يُعنى بقضايا الحياة بمعناها الكبير سياسة وفكرًا واجتهادًا لفهم الشريعة بمعنى مقاصدها التي تستهدف الناس, لذا عني بدراسة مختلف العلوم الفلسفية وعلم الكلام والأخلاق والسياسة والوطنية, وراح يكتب في الصحف في شتى الموضوعات الثقافية والسياسية ويقرأ في كتب التراث والكتب الأوروبية في شتى مناحي المعارف المختلفة". وأضاف "على الرغم من هزيمة العرابيين وما أعقبها من حكم على الشيخ بالنفي ثلاث سنوات خارج البلاد, وقد اختار سوريا وطناً بديلاً عام 1882, لكن إقامته لم تطل بها فقد لحق بأستاذه في باريس 1884 وهناك أسسا معًا جمعية وصحيفة أسبوعية "العروة الوثقى" اقتصرت رسالتها على الدعوة إلى الجامعة الإسلامية والدفاع عن الشرق ومكافحة التسلط الأجنبي والاستبداد الداخلي وتخليص مصر من الاحتلال البريطاني, وكانت "العروة الوثقى" أول صحيفة عربية ظهرت في أوروبا تقول بكل هذه الآراء الجريئة". وقال عرب خلال حديثه عن فكر الشيخ محمد عبده انه كان مؤمناً بأهمية التقريب بين الأديان معتقداً بأن الجهل والتخلف هما سبب الصراع بين أصحاب الديانات السماوية الكبرى, لذا أسس في الشام جمعية سرية لهذا الغرض, لكن السلطات العثمانية حالت دون نجاح مهمته, وطلبت من السلطات البريطانية إصدار العفو عنه لكي يعود إلى مصر. وأضاف إن الشيخ محمد عبده من المؤسسين لعدد عظيم من مشروعات الإصلاح من بينها تأسيسه للجمعية الخيرية الإسلامية, التي عملت على نشر الثقافة بين الطبقات الفقيرة ومساعدة الفقراء والدعوة إلى شيوع الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي وقد استطاع التوفيق بين التقاليد الإسلامية وروح الحضارة الغربية وكان من أوائل الداعين إلى تحقيق العدالة بمعناها الاجتماعي, كما أسس جمعية إحياء الكتب العربية القديمة, التي عنيت بنشر روائع التراث العربي, كما يرجع إليه الفضل في إعداد برنامج لإصلاح المحاكم الشرعية, وكان صاحب فكرة إنشاء مدرسة القضاء الشرعي. ولفت عرب إلى أن المتابع لتاريخ إنشاء الجامعة المصرية يلحظ كم كان حرص الإمام في هذا السبيل سواء بالكتابة أو الخطابة, وقد راح يدعو الناس في كل أنحاء مصر إلى دعم مشروع الجامعة باعتباره مشروعاً قومياً. وقال "لقد واصل الإمام رسالته من عدة جوانب متسلحاً بثقافة معرفية واسعة, بادئاً بنقد المشتغلين بالعلم في مصر, سواء بوسائلهم التقليدية أو بأفكارهم الضيقة التي توقفت عند مجرد شرح النصوص والحواشي, وقد نَعَى على الفقهاء إيمانُهم بحرفية النص وإغفالُهم لمقاصد الشريعة وافتقادهم لروح النقد وتمكن الخرافات والأوهام من أكثرهم, لذا راح يستنكر طرق الدراسة في الأزهر ووسائلها, مؤكداً أنها لا تنمي الذهن ولا تثير العقل وإنما هي مجرد شروح لمتون لا تصلح لتكوين الطالب تكويناً علمياً". وعن الإمام محمد عبده كمفتياً بين عرب إن ما كتبه الإمام وقال به في دروسه أو فتواه يفيض بالمعاني الأخلاقية التي كان يود أن ترقى إليها نفوس الناس, كتحرير الفكر وتقدير المرأة والتسامح والاستقلال في الرأي, كل ذلك قد شاع بين المصريين وغالبية المجتمعات الإسلامية مما كان سبباً لتحفيذ الناس على الوعي والفهم, بل كان مشجعاً لغيره من الفقهاء والمفسرين لكي يعيدوا النظر في كثير من القضايا التي اكتسبت قدسيتها بحكم ظروف الزمن فقط. وتحدث عن بعض الفتاوى التي أفاض في شرحها الإمام محمد عبده ومنها قضية تعدد الزوجات التي كانت قد استشرت في المجتمعات العربية والإسلامية وفتاوى الإمام في الكثير من القضايا التي ترفع من شأن المرأة ...واكد لقد تجاوزت فتاوى الإمام القضايا الاجتماعية والميراث والتعليم وصولاً إلى رأيه في الصور والتماثيل. وبين عرب أن الإمام سبق غيره في آرائه واجتهاداته التي ما تزال موضع جدل واستنكار من البعض، بينما يراها المصلحون والمجتهدون بمثابة قراءة عالم مجتهد يعرف دينه، ملتزم بعقيدته مجتهد في فهم القرآن نصًّا وروحًا، وفق قاعدة إسلامية شهيرة تقول بأن الإسلام يكمن حيث تكمن مصلحة المسلمين. أما الدكتور أحمد زكريا الشلق أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس فقال في ورقته التي حملت عنوان "الإمام محمد عبده رائدا للتنوير" أن محمد عبده الذي يعد كأحد أبرز رواد التحديث والتنوير في الفكر المصري الحديث والمعاصر ولد في عام 1849 بإحدى قرى الدلتا لأبوين من متوسطي الحال، وأنه تعلم القراءة والكتابة في منزل والديه، حيث أتم حفظ القرآن وهو في نحو العاشرة، ثم حاول أن يتعلم تجويد القرآن وقواعد اللغة العربية بالمسجد الأحمدي بطنطا، لكنه لم يستجب لطريقة التدريس به، وكاد أن ينصرف عن العلم تماما، لولا أن شيخا متصوفا من أخوال أبيه، يدعى درويش، استطاع اقناعه بالاستمرار في طلب العلم، وتوجيهه للالتحاق بالأزهر عام 1866.
واضاف الدكتور الشلق ان الإمام محمد عبده مكث به نحو سنوات ثلاث، ظل خلالها متصوفا " حتى لقد انطبع خياله بنوع الخيال الصوفي الذاهب في الروحانيات الى ما يجاوز مدى الفهم أحياناً " والمعروف أنه ضاق أيضا بأسلوب التدريس في الأزهر آنذاك أيضا. وقال إنه في تلك الظروف التقى بالسيد جمال الدين الأفغاني الذي حضر إلى مصر عام 1871، فحضر محمد عبده دروسه ولازمه في مجالسه، وكان الأفغاني وحده، قادرا على تخليص الشيخ الشاب من خموله الصوفي، وتخليصه من الحيرة في التماس الكمال العلمي، فتأثر بفكره وأسلوبه وجعل يقبل على دراسة العلوم المختلفة، كالفلسفة والرياضيات وعلم الكلام والأخلاق والسياسة وغيرها، مما لم يكن له مكان في الأزهر. وأخذ الشيخ محمد عبده ينشئ المقالات في الصحف في موضوعات ثقافية، متحررا من العرف الديني الذي كانت له الغلبة. لقد بدا متأثرا بما كان الأفغاني يقرأه لتلاميذه من كتب عربية قديمة، وكتب أوروبية معربة، في التاريخ والسياسة والاجتماع، مما فتح أمامه آفاقا جديدة في التعليم والثقافة. وبعد عامين من صحبة الأفغاني، ظهر لنا من الشيخ جانبا جديدا عندما ألف " رسالة الواردات" عام 1873، التي كتب فيها بجرأة عن المذاهب الفلسفية والصوفية، مما لم تكن الأوساط العلمية قد استعدت بعد لسماعه.. كانت رسالة صغيرة في العقائد " تتسم بحسن النظام وسوق البراهين المعقولة" وبعد عامين آخرين ألف حاشية على "شرح الجلال الرواني للعقائد العضدية" كشفت عن أن إبن السادسة والعشرين قد أحاط بمذاهب المتكلمين والفلاسفة والمتصوفة " إحاطة فهم ونقد". هكذا كان الشيخ صوفيا متفلسفا بين عامي 1873 – 1875. أما ما كتبه في الصحف من مقالات فقد نشره في صحيفة الأهرام أول ما نشأت عام 1876، حيث عبر عما يجيش في نفسه من أمال كبيرة، انبعثت عن في الاصلاح، وتطلع إلى النهوض . وأضاف الشلق لقد توجهت نفسه إلى الإصلاح بعد أن كانت منصرفة إلى تلمس الحقائق، وكان ذلك بتأثير الأفغاني، وقد وصلت أصداء تلك المقالات إلى أسماع الشيوخ الجامدين، ووصلهم خبر ملازمته للأفغاني واشتغاله بالفلسفة، وترجيحه بعض مذاهب المعتزلة، ونهيه عن التقليد، ودعوته إلى الاشتغال بالعلوم الحديثة، وتحبيذه لعلوم الفرنجة، وإطالة شعره أيضا !!. لقد كان مختلفا عن الشيوخ المنعزلين والتقليديين، الذين ظلوا يعترضون عليه قائلين: ما هذا الشيخ الذي يتكلم الفرنساوية ويسبح في بلاد الإفرنج، ويترجم مؤلفاتهم، وينقل عن فلاسفتهم ويباحث علماءهم، ويفتى بما لم يقل به أحد من المتقدمين، ويشترك في الجمعيات الخيرية ويجمع المال للفقراء. وتحدث الدكتور الشلق عن المقصود بالنهضة والتنوير والحداثة في هذا الشأن مشيرا إلى أن مصطلح النهضة لم يظهر في بلادنا قبل النصف الثاني من القرن العشرين وقد ظهر نتيجة المثاقفة مع اوروبا التي هدت مراحل تاريخية متميزة حضاريا أولها عصر النهضة الذي نترجمه بالنهضة بينما هو يعني الانبعاث أو الاحياء والذي استغرق الفترة من القرن الخامس عشر حتى السابع عشر. وثانيها عصر التنوير الذي تميز بالاهتمام بالعقل والايمان بالتقدم الانساني والربط بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين التقدم الاخلاقي والثقافي فضلا عن بروز النزعة الفردية وقد لعب الفرنسيون وأبرزهم فولتير دورا كبيرا في صياغة هذه الأفكار التي انتقلت إلى أنحاء اوروبا وبقية أصقاع العالم وقد استغرق هذا العصر معظم القرن الثامن عشر واستمر حتى قيام الثورة الصناعية فالثورة الفرنسية التي اختبرت فيها أفكار التنوير لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة وهي الحداثة التي عبر عنها هيجل بالوعي الذاتي بوضع الانسان في التاريخ... وانتقلت من الفلسفة إلى علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد، لتصبح حاة حضارية تاريخية لها ظرفوها الخاصة وامتداداتها في الزمان والمكان الغربيين. واشار الى ان التحديث يعني كسر القوالب الجامدة والتقاليد التي تعوق حركة المجتمع إلى الأمام، ومايقتضيه ذلك من نبذ الفكر الخرافي والاعتماد على العقل وتبني مناهج البحث العلمي والاستفادة الكاملة من المنجزات العلمية في مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية لمزيد من التحضر والازدهار. وأضاف لا نرى بأسا في أن نعتمد المعايير العامة التي استخلصها العلماء والمفكرون ورأوها ضرورية لوصف مجتمع ما بأنه في حالة تحديث حتى وان استندت إلى تجربة الغرب. وقد صيغت أهم هذه المعايير في التصنيع والتمدين والتعليم العلماني، المنهج العلمي، تقسيم العمل وإعلاء قيمته وحده، التخصص، انتشار النزعة الفردية، بروز اقتصاد المشروعات الخاصة، المشاركة السياسية، نشوء الدول القومية وأجهزتها البيوقراطية المتخصصة، التجنيد العام والتعليم العام، المساواة أمام القانون، انقسام المجتمع إلى طبقات.. مع اعتبار المعايير السابقة مؤقتة ومن صنع البشر وأنها قابلة للتغيير والتحسين المستمر.