بعد الثامنة مساء يندر أن تجد محلا مفتوحا فى الجزائر وربما قبل هذا الموعد. مساء الاثنين كنت ومجموعة من الزملاء الإعلاميين نركب «تاكسى» بحثا عن أى مقهى أو مركز تجارى لنعرف الجزائر عن قرب.
وبعد لف ودوران اكتشفنا أن معظم المحال يغلق أحيانا قبل الثامنة وفى كل الأحوال لا يمكن لأكبر مركز تجارى أن يستمر مفتوحا بعد منتصف الليل.
سألت كثيرين من الجزائريين عن موعد الإغلاق فكانت المفاجأة أنها لا يوجد قانون يجبر أى محل على الإغلاق فى وقت محدد.
سألت عن السبب فاكتشفت أن سنوات الألم والشقاء التى مر بها الجزائريون فى التسعينيات بفعل الإرهاب المجنون جعلتهم يمكثون فى بيوتهم كثيرا، أو يعودون بسرعة فى الرابعة عصرا بعد انتهاء أعمالهم، أما الطريف فهو أن الجزائرى يقول لرفيقه أو صديقه عندما يغادر العمل فى الرابعة «تصبح على خير»!. ونتيجة لذلك تعود الجزائريون على العودة مبكرا لبيوتهم.
فى السابعة والنصف من صباح اليوم التالى التقيت د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء فى جناحه بالفندق حيث كنا نرافقه فى زيارته للجزائر، وحكيت له القصة، وسألته: متى نصل إلى «الحالة الجزائرية» فيما يتعلق بمواعيد الإغلاق؟!.
قنديل قال إن الحكومة ستطبق قرار إغلاق المحال فى العاشرة ليلا ولن تتراجع عنه فى إطار ضبط الشارع وتوفير الطاقة وفوائد أخرى كثيرة.
سألت د. قنديل عن تخوف البعض من أن القرار سيؤدى لإضافة المزيد من العاطلين لأنهم يعملون فقط فى «ورديات ليلية» وبالتالى فمصر لا تتحمل هذا الأمر فى ظروفها الراهنة.
رد قنديل بقوله سنتشاور باستمرار مع اتحاد الغرف التجارية لكن لن نجلس مع كل صاحب قهوة على حدة لنقنعه ومن يريد الاستمرار فعليه بتغيير طبيعة العمل لتصبح سياحية.
التجربة الجزائرية تغرى بالسؤال: هل يمكن أن نصل ذات يوم لمثل هذه الحالة الموجودة فى معظم البلدان المتقدمة وتتيح لمواطنيها الحصول على قسط وافر من الراحة لمزيد من العمل والإبداع؟!.
طبعا لا نتمنى حدوث حرب أهلية كما حدث فى الجزائر لنصل إلى هذا الحل، والأمر يتعلق بمنظومة قيم متكاملة.
السؤال الأهم هو: هل فعلا إغلاق المحال سيفيد البلد أم أنها مجرد «فكرة طقت فى دماغ واحد» ويريد تطبيقها بغض النظر عن الأعراض الجانبية التى قد تكون مدمرة.
والسؤال الثانى ما هو حجم ما سيتم توفيره من كهرباء ووقود وما هو حجم الضرر الذى سيلحق بأصحاب المحال، وما هو عدد الذين سيفقدون وظائفهم؟ وهل هم فعلا يعملون ورديات ليلية فقط أم يعملون «فى ميت حتة» كما هو حال بعض المصريين؟!.
لابد أن نصل فى وقت ما إلى موعد محدد يرتاح فيه الناس وترتاح البلد بكل بنيتها التحتية من الناس، إذا ارتاح الناس ذهبوا لأعمالهم نشطين وإذا ارتاحت البنية التحتية وفرنا كهرباء ووقودا وطال عمر المنشآت، وقبل ذلك وبعده نتخلص من حالة الفوضى التى يندر أن تجدها فى أى مجتمع غيرنا.
والسؤال الأهم: هل حسبنا جيدا آثار توقيت هذا القرار؟!.
البعض يخشى إذا كان عدد المتضررين من القرار كبيرا فقد يتحولون لقنبلة موقوتة ستنفجر فى وجه كل المجتمع.
البعض يسأل إذا كانت الحكومة غير قادرة حتى الآن عن السيطرة على الباعة الجائلين فهل ستكون قادرة على السيطرة على مئات الآلاف الذين سيتأثرون من القرار الجديد ؟.
أتمنى أن تطبق الحكومة قرار الإغلاق الشجاع اليوم قبل الغد، لكن من المهم أن تكون حسبت الأمر من كل جوانبه، حتى لا تتفاجأ بعد تطبيقه ليس فقط بحالة تمرد جماعى، بل بزيادات غير مسبوقة فى عدد المواليد!.