شوارع مترقبة، منازل محترقة، محال تجارية مدمرة، بقايا زجاجات وأحجار وسيراميك متناثرة هنا وهناك، حالة غضب مسيطرة على الأهالى، بعد مقتل ثلاثة أشخاص، تلك كانت مخلفات حرب الشوارع التى وقعت بين قريتى «غمازة الكبرى» و«الاخصاص» التابعتين لمركز الصف بالجيزة، فى صراع للاستيلاء على أرض مملوكة فى الأساس للدولة. «الشروق» ذهبت إلى القريتين اللتين تبعدان عن القاهرة نحو 60 كيلو مترا والتقت عددا من الأهالى الذين أكدوا انه تم توقيع هدنة بين عدد من كبار رجال القريتين، بحضور مدير أمن الجيزة وعدد من قيادات المديرية، واتفق فيها على وقف الاشتباكات والتزام الهدوء لحين عقد جلسة صلح عرفية، ومن يخرق الهدنة يتم تغريمه بمبلغ مليون جنيه. وعبر الشيخ رضا الصعيدى، من قرية غمازة الكبرى، عن أسفة وحزنه لما وصلت إليه الأمور من حرق للمنازل والمحال التجارية ووقوع قتلى من القريتين، محملا الشرطة مسئولية ما وقع بقريته من أضرار.
واتهم الصعيدى الشرطة بالتواطؤ مع أهالى قرية الاخصاص فى بداية الاحداث، لوقوع قتيل منهم ومن ثم تركوهم يهاجمون المنازل والمحال فى قرية غمازة ليشعلوا النيران بها.
وأضاف الصعيدى أن الشرطة وقفت حائلا أمام أهالى قرية غمازة ومنعتهم من الوصول إلى المحال والفيلا المحترقة لإطفائها، كما منعت سيارات الاطفاء من الوصول إليها، بينما تركت أهالى قرية الاخصاص يحرقون ويخربون فى المحال الواقعة على الطريق، ما أدى إلى تفحمها واكتشافهم أمر وفاة ضحية قرية غمازة، الذى لقى مصرعه متفحما داخل فيلته، بعد يوم كامل من الاحداث.
التقط طرف الحديث أحمد محمود نجا، ابن عم المتوفى، الذى أكد أن الضحية لم تكن له علاقة بالمشاجرة التى وقعت فى البداية والتى كانت بين شخص من الاخصاص وآخر من غمازة، اختلفا على قطعة أرض مملوكة إلى الدولة، ثم تحولت بعد ذلك إلى مشاجرة بين العائلتين ثم إلى معركة بين البلدين. وأضاف نجا: أن ما ساعد على اشتعال الأحداث وجود المقابر الخاصة بقرية الاخصاص داخل قرية غمازة، وبعد أن دفن أهالى الاخصاص الضحية الأولى الذى لقى مصرعه صعقا بالكهرباء خلال اليوم الأول من الاحداث، تعدوا بالألفاظ على أهالى غمازة، مشيرا إلى أن أهالى الاخصاص كانوا مستعدين للاشتباكات التى وقعت فى اليوم الثانى من بدء الأحداث، فقد أعدوا من 250 سيارة إحداها كانت محملة بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وعندما اشتدت الاحتكاكات واشتبك الطرفان توجه عدد من أهالى الاخصاص إلى المنازل والمحال الواقعة على تخوم غمازة وأشعلوا النيران بها، ولم تتمكن الشرطة من منعهم أو السيطرة عليهم واكتفت بمنع أهالى غمازة من إطفاء الحريق بأن اطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاههم.
وتابع نجا: «احتجزنا 8 اشخاص من أهالى القرية الأخرى، ولم يصابوا بأى سوء أو أذى ومن سلمهم إلى أهاليهم هو الضحية الذى كان يهدف إلى عدم تأزم الموقف لكن أهالى الاخصاص قتلوه غدرا اثناء محاولته ابعادهم عن فيلته قبل أن يشعلوا النيران فيها».
وشدد نجا على أن أهالى قريته تعهدوا بالتزام الهدنة إلى أن يتخذ كبار رجال القرية قرارا بشأن الاحداث.
وفى قرية الاخصاص، التى لا يفصل بينها وبين القرية الأولى سوى كوبرى صغير، التقت «الشروق» أسرة أحد ضحايا الأحداث، هو الطفل محمود يوسف صديق 14 عاما، طالب بالصف الاول الاعدادى، وقال والده إنهم ليس لهم علاقة بالأحداث منذ بدايتها، مشيرا إلى أن نجله كان فى طريقه إلى المنزل عائدا من المدرسة التى صرفتهم سريعا بسبب الأحداث وبعد أن أشيع أن أهالى قرية غمازة فى طريقهم لإشعال النار بها.
وأضاف والد الطفل القتيل أنه أثناء هجوم أهالى قرية غمازة على الاخصاص بالأسلحة النارية أصيب نجله بطلقة فى الظهر خرجت من بطنه، مؤكدا أنه تلقى خبر وفاته أثناء عمله وانهم لم يتمكنوا من نقله إلى المستشفى إلا بعد ساعات من إصابته نظرا لاحتدام المعارك.
وقال أحد أبناء الاخصاص هو جمال عابد، إن شباب القريتين هم من ساعدوا على اشتعال الفتنة وانساق وراءهم الكبار، مشيرا إلى أن البلدتين تربطهما علاقات نسب ومصالح كثيرة وأن الامور فى طريقها إلى أن تهدأ وتعود إلى ما كانت عليه.
وأضاف عابد انه كان من بين من احتجزهم شباب قرية غمازة داخل منازلهم اثناء الاشتباكات داخل القرية، وأن كبار غمازة أغلقوا عليهم أبواب منازلهم وحموهم من غضب الأهالى، مؤكدا «هذا يدل على أن الخير لايزال موجودا بين أهالى القريتين».
من جانبه، قال مصدر أمنى إن قوات الأمن واجهت صعوبات شديدة فى فض الاشتباكات بين أهالى القريتين مما دعاهم إلى مطالبة اللواء أحمد سالم الناغى، مدير أمن الجيزة، بتكثيف الوجود الامنى بين القريتين ومضاعفة عدد القوة المشاركة، واستجاب إلى ذلك وزاد عدد القوة إلى 35 تشكيلا من قوات الأمن المركزى.
وعن واقعة اقتحام قرية غمازة واشعال النيران فى الفيلا والمحال الواقعة على تخومها، نفى المصدر ما جاء على لسان أهالى القرية من تواطؤ الشرطة مع أهالى الاخصاص، مشيرا إلى أن الشرطة، وقتها، كانت تنفذ الأمر الصادر من نيابة الصف بإلقاء القبض على المتهمين الرئيسيين فى الأحداث، وتزامن ذلك مع عودة أهالى الاخصاص بعد دفن الضحية الأولى، وأثناء ذلك اندلعت الاشتباكات بين أهالى القريتين وحاولت الشرطة إخراج أهالى قرية الاخصاص بالقوة من قرية غمازة، كما حاولت منع أهالى غمازة من الاشتباك معهم.
ترجع تفاصيل الواقعة إلى نشوب معركة بالأسلحة النارية بين «عز. ش» 42 عاما، وشقيقه هانى من عائلة شندى بقرية غمازة، وبين فردين من عائلة الفاضى بقرية الاخصاص، وبحسب التحريات الأمنية فإن سبب المشاجرة يرجع إلى رغبة كلا الطرفين فى الاستيلاء على قطعة أرض مملوكة للدولة تقع على الطريق السريع، ونشبت بينهم مشادة كلامية، تطورت إلى معركة واستعان كل طرف فيها بأقاربه وأهالى قريته وتبادلوا إطلاق النيران.