بين «سندان» أزمة الوقود، و«مطرقة» عجز الموازنة، يترقب المواطن المصرى الأيام المقبلة بكثير من الشك والقلق، فالحكومة الأولى فى زمن الإخوان المسلمين، وعدت هذا المواطن «الشقيان» ب«المن والسلوى»، لأنها جاءت لتنفذ وعود أول رئيس منتخب بعد ثورة 25 يناير، بحل مشكلة الوقود، فى 100 يوم، لكن مرت فترة الوعد، وجاء وقت الحساب. لم يكن أمام حكومة هشام قنديل الكثير من الخيارات، ف«الروشتة» التى تحمّلتها كل الحكومات المصرية منذ سنوات طويلة، وتعجز عن التداوى بها، تحمل نفس الوصفة الطبية، وهى إلغاء الدعم، وتحديدا المخصص للوقود، لكن الآن أصبح الخيار الوحيد أمام قنديل وحكومته، هو التضحية بالدعم، على أمل القضاء على أزمة «العجز».
وعلى طريقة «البيضة والفرخة»، تؤكد الحكومة أن أزمة الوقود التى عانت منها البلاد على مدار الأشهر الماضية، ناتجة عن العجز عن تمويل استيراد المواد البترولية «المدعمة»، نتيجة عجز الموازنة العامة للدولة، الناتج أصلا عن استمرار الدعم، وهو ما يتطلب إلغاءه، لكن إلغاءه فى حد ذاته، يمثل معضلة كبيرة، فشلت حكومات أكثر حظا وأفضل حالا من حكومة قنديل فى تنفيذه.
حالة من التخبط وقعت فيها حكومة هشام قنديل، فى معالجة أزمات الوقود، خاصة مع ربطها بأزمة عجز الموازنة، ففى كلمته خلال الاحتفالات بانتصارات أكتوبر، قال الرئيس محمد مرسى، إن دعم الوقود يصل لنحو 100 مليار جنيه، بالتزامن مع تأكيدات حكومية عن وضع خطط وبرامج محددة لإعادة هيكلة وتنظيم وترشيد دعم الوقود، ليصل إلى مستحقيه، وهى التأكيدات التى أعلنت معها عن فتح حوار مجتمعى حول كيفية التطبيق، التى عانت الحكومة من تخبط بشأنها، ما بين نظامى «الكوبونات»، الذى اعتمده فى وزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالى، وبين نظام «الكروت الذكية»، الذى يميل إليه قنديل.
وأكدت مصادر تأجيل خفض الدعم على الوقود، إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، مضيفة أن الحكومة تتجه لاستخدام الكروت الذكية، فى حالة تطبيق خطة خفض الدعم، رغم طباعة 45 مليون كوبون للبوتاجاز بالفعل منذ عام 2010، فى عملية أسندها غالى لشركة «ثرى أم»، التى حصلت «الشروق» على معلومات تؤكد امتلاك أحد أقاربه لها.
ومن جهة اخرى، قال خبير البترول، الدكتور رمضان أبوالعلا، «ما يحدث الآن فى ملف الوقود، يتشابه مع طريقة النظام القديم، رغم ظهور سلبيات لم تكن موجودة من قبل، مثل الزيادة غير المبررة أو المسبوقة فى الاستهلاك».
وأكد أبوالعلا أن «مصر استوردت 5.3 مليون طن بنزين، بقيمة 6 مليارات دولار فى العام الجارى، بينما كانت تستورد فى السابق 2.2 مليون طن، بفارق يقدر ب4 مليارات دولار، وبنفس المعدل تقريبا، حدثت زيادة فى استهلاك مصر من السولار، ليصل الفارق الإجمالى فى الكميات المستوردة من السولار والبنزين، ل12 مليار دولار، وهى الزيادة التى يبدو أنها تسربت خارج الحدود، خلال الثلاثة أشهر الأخيرة».
وأشار أبوالعلا إلى أن «مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم، التى يزيد فيها معدل استهلاك الطاقة، بينما يتراجع معدل النمو الاقتصادى، رغم أن الطبيعى هو أن يكون معدل استهلاك الوقود والطاقة متوافقا مع معدلات النمو الاقتصادى».
ووفقا لخبير البترول، فإن «الحلول الحالية لا تزيد على كونها مسكنات للترضية المحلية، مثل الظروف الانتخابية لمصلحة حزب وجماعة بعينها، أو الترضية الإقليمية»، كما قدر استهلاك مصر من الوقود فى الفترة الأخيرة، باستهلاك دولتين، فى إشارة إلى تهريب الوقود «المدعم» لقطاع غزة، مضيفا أن برنامج ال100 يوم الأولى للرئيس، بدأت بانقطاع الكهرباء والمياه، فيما تظل أصعب المشكلات التى تواجه حكومته هى مشكلة نقص الطاقة.
وقال عضو الشعبة العامة للمواد البترولية، رضوان عبدالفتاح، إن «المواد البترولية تشهد عجزا كبيرا فى جميع المنتجات، سواء البنزين أو السولار أو البوتاجاز، موضحا أن نسبة عجز البوتاجاز وصلت إلى 30% فى القاهرة، و50% بمحافظات الوجه القبلى والبحرى، فيما تعدت نسبة العجز فى السولار ال40% على مستوى الجمهورية، والنسبة نفسها للبنزين».
فيما يؤكد خبير البترول، إبراهيم زهران، أن «المواطنين لم يشعروا بأى تغير منذ تولى مرسى للرئاسة»، موضحا أن «السوق السوداء للوقود ما زالت موجودة كما هى، أما الأرقام التى أعلن عنها الرئيس، فهى لخدعة البسطاء».
وأوضح زهران أن حل أزمة الوقود هو إعادة هيكلة وزارة البترول، والتحويل للدعم النقدى، للقضاء على السوق السوداء، مضيفا أن 40% من منتجات الوقود، يتم تخصيصها للقاهرة وحدها، فيما يحصل الوجه البحرى على 25%، والقبلى على 35%، وهو ما تجاهله خطاب مرسى، كما توقع زهران أن «يؤدى نظام كوبونات البوتاجاز، الذى تنوى الحكومة تطبيقه، مافيا جديدة، لن تنجح فى القضاء عليها».
ومن جهة أخرى، قالت مصادر حكومية إن إسناد مسئولية توزيع اسطوانات البوتاجاز إلى حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» فى محافظات الصعيد، خلق حلقات جديدة فى السوق السوداء، مؤكدة أن «سيطرة أعضاء الحزبين على توزيع تلك السلعة الاستراتيجية، منحهم فرصة لبيعها كما يشاءون ولمن يشاءون، فيما عجزت الجهات الرقابية عن متابعتهم، وضبط عملية التوزيع، بعد حصول أعضاء فى الحزبين على تفويض من المحافظات، بتولى عملية التوزيع». وأشارت المصادر إلى أن العاملين بشركة «بوتاجاسكو»، يقومون ببيع أسطوانات البوتاجاز فى مستودعات الشركة أو الشوارع، محملة برسوم توصيل إلى المنازل، زيادة عن سعرها المدعم، حيث يتم بيعها ب9 جنيهات، وفى حالة اعتراض المواطنين، يتم منحهم إيصال بالمبلغ، منه 4 جنيهات ثمن الأسطوانة المدعمة، و5 جنيهات لخدمة التوصيل.