عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    انتخابات النواب 2025 | 352 لجنة تستقبل مليوني و215 ألف و411 ناخبًا بقنا    سعر الدولار اليوم السبت 27 ديسمبر 2025.. اعرف بكام؟    أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم.. الطماطم ب8 جنيهات    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 27 ديسمبر 2025    بالأرقام| «الزراعة» تكشف حصاد إنجازات 2025.. فتح 25 سوقًا جديدًا للصادرات    اسعار الخضروات اليوم السبت 27ديسمبر 2025 فى المنيا    بعد اعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال"| الحكومة: نحن دولة واحدة والاعتراف باطل ولاغ    مستشار ترامب: نتطلع إلى وصول المساعدات بانتظام إلى الفاشر السودانية    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    النصر يستضيف الأخدود للابتعاد بصدارة الدوري السعودي    اليوم.. نظر محاكمة 3 متهمين بقضية "خلية داعش عين شمس"    145 مستشفى جامعيا تقدم خدماتها الطبية لحوالى 32 مليون مواطن خلال عام 2025    سعر الليرة أمام الدولار في مصرف سوريا المركزي    أبرزها مواجهة نيجيريا وتونس، مواعيد مباريات اليوم بكأس الأمم الأفريقية والقنوات الناقلة    نجم الزمالك السابق: محمد صلاح دوره مع منتخب مصر مؤثر    روسيا تعلن إسقاط 7 مسيّرات أوكرانية وكييف تتعرض لهجوم صاروخي    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وأمطار على عدة مناطق ونشاط رياح    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب تروسيكل بالبحيرة    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء العودة للخلف بالعياط    اليوم.. محاكمة زوجة بهاء سلطان فى واقعة سب وقذف خالتها    الإعلان التشويقي لفيلم الإثارة Apex وهذا موعد عرضه رسميا (فيديو)    انتخابات النواب، انطلاق جولة الإعادة في 139 لجنة بدائرة شرق أسيوط    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 27 ديسمبر 2025    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    افتتاح مسجد «عبد الله بن عباس» بمدينة القصير بتكلفة 7.5 مليون جنيه| صور    جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    بورسعيد تهدي الوطن أكبر قلاعها الطبية.. افتتاح المستشفى الجامعي| صور    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    إقبال كبير من أعضاء الجمعية العمومية لانتخابات الاتحاد السكندري    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والخنجر القانونى
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 06 - 2012

يكاد القانون يقتل الثورة المصرية. فهناك منطق مقلوب فى محاسبة النظام السابق من خلال نفس قنواته وآلياته التى صنعها هو بنفسه بل عن طريق نخبه القديمة. وهو الأمر الذى يعنى ارتداد الثورة من الخطوط الثورية فى هدم ودك حصون وبنى النظام القديم إلى خطوط التدرج وتحسين الأوضاع نسبيا، وبالتالى الإيمان بإمكانية التغيير من داخل مؤسسات النظام والدولة، أى الإصلاح. ومن هنا فبدلا من العمل الثورى فوق الدستورى والمتجاوز للبنى والقواعد القانونية يتم التراجع للعمل المشرعن من قبل النظام العام والعمل تحت مظلة الدولة وداخلها. فالإصلاح يندلع بكثافة حين يتم مخالفة القانون، ثم يشتد أكثر حين يبدأ القانون فى مخالفة الدستور، ثم تنتهى حدوده حين تبدأ قطاعات واسعة إدراك أن القانون والدستور يشرعون الفساد وتوحش النظام الحاكم وأتباعه، وأن الدستور والقانون ليسا أشياء مجردة وحقائق كلية فى الخارج ولكنهما انعكاس للفئة الحاكمة ورغباتها. وحينها يتم الخروج على كل من القانون والدستور؛ أى الثورة.

والحقيقة أن الثورة بعد نجاحها الأولى فى قطع رأس الملك أو على الأقل إزاحته جانبا قد وقعت فى الفخ الذى حاول سدنة النظام نصبه فى أثناء الحدث الثورى ذاته وهو: محاصرة الثورة بالأغلال القانونية والدستورية. وبدأوا فى توجيه طاقة أكاديمية وعلمية تسائل الحدث الثورى عن مدى قانونيته ومشروعيته. وبالطبع كان أول الأسهم التى تم إطلاقها هو الخروج على الدولة؛ وهو أمر صحيح بالكلية. فالفعل الثورى هو تجاوز تلك الأطر التى تتحول لقيود مكبلة للأمة ثم بعد نجاح الثورة يتم تفكيك تلك البنى القديمة وتركيبها بشكل جديد قادر على إحداث قطيعة كلية مع النظام السابق بشكل عام وليس النظام السياسى فقط. وهو ما يعنى تفكيك كل التشريعات والدستور الذى يصيغ البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإعادة صياغة العلاقة بينهم. ولأن هؤلاء السدنة يعبدون الإله الجديد (الدولة ونظمها) كان أحد أطرف الانتقادات للثورة هو أن الثوار لم يحتلوا جهاز الدولة. وهنا هم يتحدثون عن شرعية الانقلاب لا شرعية الثورة. فهم على أتم استعداد لقبول نخبة جديدة إذا استطاعت الاستيلاء على هذا الإله وإدارة المعبد القديم. ولكن لا يستطيع خيالهم السياسى والفكرى تقبل ثورة تتجاوز الإله.

●●●

المشكلة الحقيقية ليس فى هذا الفريق من العبيد ولكن فيما يمكن تسميتهم بمفكرى الدولة. ومفكرو الدولة غالبا لا يخرج خيالهم السياسى والفكرى عن حدود الاصلاح وتقديس الدولة والنظام (ليس بمعنى النظام السياسى ومن الممكن أن يكون أغلب هذه النوعية من المفكرين من المعارضين). وهنا حدث إرتباك شديد فى التعاطى مع الثورة. وتم اختزال الثورة فى وجهها السياسى وتم اختزال هذا الوجه السياسى فى جسد الرئيس. وقاد هذا إلى التراجع الفورى لبنية النظام القديم ودولته، وبدأ الحديث عن الفراغ الدستورى الذى يجب أن يملأ، ومن ثم ترشيد العمل الثورى وإدخاله فى رحم الدولة. وهكذا حدث تحول كبير فى مسار الثورة. وبدا أن علينا استكمال المشروع الثورى من خلال آليات اصلاحية مثل محاسبة النظام السياسى السابق من خلال مؤسسة القضاء. وتم إغفال أهمية التغير الجذرى والفورى للبينة الاجتماعية والاقتصادية ونمط ممارسة السلطة وأشكال البنية السياسية الجديدة.

والحديث عن استقلال القضاء يعد وهما كبيرا من منظور تفكيكى. وعدم استقلال القضاء كمنظومة لا يعنى عدم استقلالية القضا. فمن الوارد جدا أن يكون القضاة شرفاء ومستقلين. إلا أن قرارات هذه المنظومة منغمسة فى شبكة كبيرة من علاقات القوة والسلطة مما يفقدها استقلالية حقيقية. فمثلا، القضاء يعتمد على أجهزة الداخلية المختلفة فى جمع الأدلة والتحريات والبيانات عن قضية ما، بالإضافة إلى اعتمادها الرئيسى على جهاز مثل الطب الشرعى. أى بشكل عام هى معتمدة بشدة على تعاون ونزاهة الأجهزة التنفيذية المختلفة معها وعلى ما يمكن تسميته بمنظومة الخبراء. ولهذا لم يكن غريبا أن نشهد هذا الكم من البراءات فى قضايا قتل المتظاهرين. فليس من المتوقع فى حالة عدم حدوث أى تغير جذرى فى المؤسسات التنفيذية المختلفة أن تقوم بتقديم أدلة بنفسها لتدين نفسها. فالمؤسسات لا تقوم بتفكيك نفسها ذاتيا عن وعى على أى حال. فمثلا يمكن للشرطة أن تثبت أن أحد أفرادها المتهمين بقتل الثوار لم يكن أصلا بالخدمة من خلال كشوف الحضور والانصراف التى تحت أيديها، وهو ما حدث بالفعل فى أكثر من واقعة.

●●●

وعلينا أن نتساءل أين كانت استقلالية المنظومة القضائية حينما كان يتم تأليف البنية القضائية للدولة لصالح النظام السابق وأفراده؟ هذا لا يعنى أن قضاة كثيرين لم يقاوموا مثل هذه الأمور، ولكن فى الأخير كانت السلطة تحقق رغباتها. وأحيانا لا يشكل القضاة والمثقفين جزءا مستقلا عن تركيبة ونظام السلطة. بل هم أحد أعمدة تلك التركيبة وهم من يسبغون عليها الشريعة. وهنا يجب أن نتساءل لماذا فشل القضاء من أخذ موقف مع المستشار عبدالمعز فى قضية التمويل الأجنبى؟ وكيف تم ذلك من خلال منظومة تفترض الاستقلالية والتفرد؟ ولماذا تسيطر على تلك المنظومة حتى الآن النخب التابعة لنظام مبارك؟ فى الأخير ينبغى علينا أن نأخذ فى تحليلنا الأبعاد الطبقية وشبكة المصالح العضوية الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية أحيانا التى تربط تلك المنظومة و تغزل خيوطها مع النظام العام ككل. إننا أمام مواجهة حقيقية بين الثورة التى تحاول إعادة صياغة الترتيب الاجتماعى وعلاقة الدولة بالمجتمع وبين المؤسسات المختلفة التى تحاول إنتاج الدولة والنظام على نفس التصور والانماط القديمة فى ممارسة السلطة ولكن مع اتاحة فرص للاصلاح.

وقاد هذا النمط من النضال القانونى إلى تحويل مسار ورؤية الثورة. فبدلا من اتخاذ مواقف جذرية تجاه قضيا جوهرية كان من شأنها أن تؤدى إلى سحق بينة السلطة القديمة مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء ثم مجزرة بورسعيد، تم مد عمر النظام بل إعطاؤه الفرصة لإعادة إنتاج نفسه من خلال انتظار تقصى الحقائق ومن ثم الانتقال إلى المحاكمات ومن ثم محاسبة بعض الأفراد بدلا من إحداث تحول ضخم فى جهاز الدولة ومؤسساتها وتغير تركيبة السلطة والقائمين عليها وخلق مؤسسات جديدة تكون بمقدرتها تحقيق الطموح الثورى.

النضال القانونى قادر على اختزال تركيبات الثورة ومحاصرة ديناميكيات التفاعل بها وتحويلها لمجموعة من المرافعات الحقوقية وإخراجها من المسارات الكلية وفرص التحول والتغير الجذرى إلى عالم الجزئيات والتفاصيل القانونية، ومن ثم وضع الأيدى على نقاط اصلاحية ضيقة. فبدلا من أن تكون أزمة حادث ثورى مثل محمد محمود هى فرصة لإحداث تحول ثورى فى مؤسسة الشرطة وطبيعة علاقتها بالجمهور ونمط ممارستها للقوة وهيكلتها الداخلية والقائمين عليها، تتحول الفرصة إلى لجنة توجه اللوم باستخدام عنف مفرط ضد المتظاهرين وتقوم النيابة بالتحقيق مع بعض الضباط ثم لا تستطيع إثبات أى شىء، أو تتمكن من عقاب أحدهم ويتم التضحية به وإعفاؤه أو حتى سجنه. وهنا تختزل القضية الثورية إلى مخالفة جنائية لشخص ما تجاوز حدود القانون فى عمله. وبدلا من أن نتناول قضية مثل ثورة مكتبة الإسكندرية بشكل يسمح لنا ببناء تصور جديد لعمل مؤسسات الدولة الثقافية واستقلال مثل تلك المؤسسة عن رغبات النخبة الحاكمة وتغير دور النخب فى المجتمع والقضاء على النخب التى ساعدت فى استفحال وتوحش النظام السابق وفساده وخلق نخب جديدة، تختزل القضية فى توجيه بعض الاتهامات القانونية لفرد أو مجموعة من الأفراد يمكنهم الخروج منها عن طريق بعض المحامين المهرة.

●●●

عفوا القضاء ليس مستقلا لا من الناحية النظرية والعلمية ولا من الناحية العملية والواقعية فى مصر. والقانون قادر على أن يتحول لخنجر يطعن الثورة فى القلب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.