البابا تواضروس خلال محاضرة بالقصر الرئاسي بصربيا: «دعونا نبني جسورًا لا أسوارًا»    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن 70 وظيفة شاغرة    صيدلة بني سويف الأهلية تنظم يومًا علميًا يجسد مهارات التواصل وتكامل التخصصات    رابط الاستعلام عن موعد امتحان المتقدمين لوظيفة حرفي رصف وسائق بالهيئة العامة للطرق والكباري    رئيس جامعة القاهرة يفتتح المؤتمر الدولي لكلية الصيدلة    وزير قطاع الأعمال: انفتاح تام على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات    7 مايو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    العمل: بدء التقديم في منح مجانية للتدريب على 28 مهنة بشهادات دولية في معهد الساليزيان الإيطالي    7 مايو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    خلال أيام.. صرف مرتبات شهر مايو 2025 للموظفين وفقًا لبيان وزارة المالية    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    قبل رحلته للشرق الأوسط.. ترامب يستعد لإعلان خبر مذهل يخص دولة وشعبها (تفاصيل)    استشهاد 22 فلسطينيا فى قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وآرسنال بدوري أبطال أوروبا    «ليه نستنى نتائج الأهلي؟».. طارق يحيى ينتقد تأخر صدور قرارات لجنة التظلمات حول أزمة القمة    دي يونج: وداع دوري الأبطال محبط وعلينا التركيز على لقب الدوري    «طلعوا الصيفي».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: موجة حارة تضرب البلاد (تعرف على موعدها)    «الداخلية» تضبط شخصًا فرض إتاوات على السائقين بأحد مواقف القاهرة    السجن المؤبد لعاطل يتاجر في الهيروين بالإسكندرية    تحرير 507 مخالفات لعدم ارتداء خوذة وسحب 934 رخصة قيادة خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط: ضبط مشروبات غازية غير صالحة وتحرير 382 محضر خلال حملات تموينية    تعرف على مدة الدراسة فى الترم الأول بالعام الدراسى الجديد 2026    ما هي الإيرادات التي حققها فيلم الصفا ثانوية بنات في 5 أسابيع عرض؟    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    فتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي".. تعرف على قائمة الشروط    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    امتنعت عن المخدرات وتوبت توبة نصوحة.. وائل غنيم: أعتذر لكل من أخطأت في حقهم    رئيس هيئة قناة السويس: «ندعم التعاون مع الرعاية الصحية لإنشاء مقرات في مواقع العمل»    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    سفير مصر ووزيرة الثقافة الفرنسية يشاركان باحتفالية إصدار كتاب حول مسلة الأقصر    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    بيان مشترك لمصر وقطر حول جهود إنهاء حرب غزة: «محاولات بث الفرقة بين الأشقاء لن تنجح»    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    استشهاد عدنان حرب قائد الدعم اللوجستي في وحدة بدر بحزب الله    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء المصرى.. ماذا يحمل للصراع السياسى فى عهد ما بعد مبارك
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 06 - 2012

القضاء وبالذات المحكمة الدستورية العليا كان البطل الأساسى فى المشهد السياسى المصرى خلال الأسابيع الماضية. فقد أسقطت المحكمة البرلمان أو كادت، وأبقت على الفريق أحمد شفيق فى السباق الرئاسى. ومن هنا فالأمر يقتضى طرح موضوع علاقة القضاء بالسياسة على مائدة النقاش العام من أجل ترشيد العلاقة بينهما فى المستقبل ومن أجل ألا ينحاز القضاة بالكامل إلى قوة سياسية بعينها. فمثلما تحتاج البلاد إلى ترشيد علاقة رجال الدين بالسياسة، فهى تحتاج أيضا إلى توافق بين القوى السياسية المختلفة على دور القضاء فى المنظومة السياسية الجديدة («السيستم») التى تتشكل الآن.

●●●

الدور السياسى الذى يلعبه القضاء الآن لا يمكن فهمه إلا بالعودة للوراء بضع سنوات، لأن المنظومة السياسية فى عهد ما بعد مبارك سوف تحمل بعض خصائص المنظومة التى سادت فى العقود الماضية. فى كل المجتمعات حتى التى قامت فيها ثورات يظل الماضى ملقيا بظلاله على الحاضر والمستقبل، لأن التقاليد والمؤسسات والثقافات التى تتغير بعد الثورات تتغير من نقطة انطلاق معينة لم تخترها تلك الثورات. بعبارة أخرى، نحن نريد التغيير فى مصر، والشعب التونسى الشقيق يريد هو أيضا التغيير، لكن نتيجة التغيير فى مصر ستكون مختلفة عن نتيجتها فى تونس لأن ما يهم المصريون بتغييره يختلف عما يشرع التوانسة فى تغييره. لذلك فعلى الحالمين بالقطيعة الكاملة مع الماضى من خلال الطريق الثورى، أن يقرأوا تاريخ الثورات لكى يكتشفوا بأنفسهم على سبيل المثال أن ليون تروتسكى الذى تولى مهمة بناء القوات المسلحة للدولة السوفييتية الوليدة (الجيش الأحمر) اضطر للاستعانة بجنرالات الجيش القيصرى القديم لأن العسكرية علم وفن لابد من طلبه من أهل الخبرة وهذا ما جعل الجيش السوفييتى يحمل فى أحشائه بعض جينات الجيش القيصرى القديم.

ماذا يقول لنا خبراء السياسة والقانون عن دور القضاء فى السياسة المصرية خلال عهد مبارك؟ السؤال الأساسى الذى حير الباحثين هو الآتى: فى النظم الديمقراطية يفصل القضاء فى الكثير من النزاعات السياسية، مثلما فصل فى النزاع على الرئاسة بين آل جور وجورج بوش سنة 2000. فكيف لنظام ديكتاتورى بوليسى مثل نظام مبارك أن يعطى للقضاء استقلالية ما؟ أسمع صيحات الاستنكار من بعض القراء الكرام. هل تقول أن القضاء فى عهد مبارك كان يحظى ببعض الاستقلالية؟ نعم والدليل على ذلك هو الكثير من الأحكام القضائية التى أبطلت قوانين وقرارات أصدرتها السلطتان التشريعية والتنفيذية. لقد حلت المحكمة الدستورية فى عهد مبارك مجلس الشعب مرتين فى الثمانينيات لنفس السبب الذى ساقته المحكمة الدستورية لحل مجلس الشعب فى عهد المجلس العسكرى وهو أنه لا يحترم مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين الحزبيين والمستقلين. وقد أبطلت المحكمة الدستورية العليا قانونا بفرض ضريبة على المصريين فى الخارج فى بداية التسيعينيات. وعندما عدلت الحكومة القانون لتلافى عواره وأخرجته من البرلمان مرة أخرى عادت المحكمة الدستورية لتُبطل القانون الجديد. هذه مجرد أمثلة لآلاف من الأحكام التى أصدرها القضاء ضد حكومات وبرلمانات مبارك. بالطبع كان تعامل مبارك وحكوماته مع هذه الأحكام انتقائيا. فقد احترم بعضها وداس بالأقدام على معظمها. لكن يظل أنه تحلى بقدر ما من احترام أحكام القضاء بما لا يتفق مع ما نعرفه عن النظام الديكتاتورية التى تتصف بالعصف الكامل باستقلالية القضاء. وبالتأكيد كانت استقلالية القضاء فى عهد مبارك أكبر من استقلاليته فى عهد عبد الناصر صاحب مذبحة القضاء الشهيرة.

إحدى الإجابات على هذه المفارقة جاءت من باحث متميز فى القضاء المصرى هو الدكتور تامر مصطفى أستاذ القانون بالولايات المتحدة وهو صاحب مقولة «قضينة السياسة المصرية». يقول مصطفى إن الدور الهام الذى لعبته المحكمة الدستورية العليا منذ تأسيسها عام 1979 يعود إلى احتياج نظامى السادات ومبارك إلى الاستثمارات الأجنبية. كيف؟ يرد الباحث بأن التحول الذى أجراه السادات ومن بعده مبارك فى السياسات العامة من «الاشتراكية» إلى «الرأسمالية» كانت تقتضى إعطاء ضمانات للمستثمرين الأجانب للحفاظ على حقوقهم فى الملكية من خلال المحكمة الدستورية العليا. ويسوق الباحث للدلالة على ذلك تصريحات شخصيات محورية فى نظام السادات عاصرت إنشاء المحكمة الدستورية (مثل مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق) والذين أكدوا الدوافع الاقتصادية لنظام السادات فى إنشاء تلك المحكمة. والحقيقة أن وجهة النظر تلك تدعمها دلالات أخرى عن أهمية المحكمة الدستورية فى حماية التحولات الرأسمالية مثل الحكم بدستورية سياسات الخصخصة. فقد رفضت المحكمة الدستورية دعوى عدم دستورية الخصخصة بناء على أن المادة الأولى من دستور 1971 السارى فى عصر مبارك تقول فى أن مصر دولة اشتراكية ديمقراطية. وقد فسرت المحكمة حكمها بأن تطبيق الاشتراكية يتغير فى الزمان والمكان!

لكنى اعتقد أن الدور المحورى الذى لعبه القضاء وبالذات المحكمة الدستورية فى عصر مبارك يعود إلى أكثر من مقتضيات طمأنة المستثمرين. وهذه كانت أحد الأفكار التى حاولت أن أثبتها فى كتابى «النظام القوى والدولة الضعيفة». أظن أن الدور المهم الذى أعطاه مبارك للقضاء يرتبط باستراتيجياته فى خنق السياسة المصرية عن طريق الدفع بها إلى ساحات القضاء بدلا من الشارع ومقرات الأحزاب كما يرتبط بحاجة نظام مبارك إلى صمام أمن يسمح له بالتخفيف من التوتر السياسى من خلال إعطاء المعارضة أدوات لمقاومة السلطة فى ساحات المحاكم. هنا استقلال القضاء كان يلعب دورا مشابها لدور دعم رغيف العيش اللازم للاستقرار السياسى. وقد نجح مبارك إلى حد كبير فى توجيه السياسة إلى ساحات المحاكم إلى الدرجة التى بات فيها القضاء مطالب بالفصل فى معظم الخلافات الفكرية والسياسية مثل الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين. بل ووصل العبث إلى درجة أن أصبح القضاء المصرى مطالبا بمعاقبة شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى وذلك حين رفع أحد المحامين دعوة ضد هذا المسئول الإسرائيلى لمعاقبته على جرائمه ضد الشعب الفلسطينى!

●●●

البروز الكبير للدور السياسى للقضاء فى الأسابيع الأخيرة يعيد طرح نفس السؤال: ما حاجة المنظومة السياسية فى عهد المجلس العسكرى لهذا الدور المحورى للقضاء. أظن أن حكم بطلان مجلس الشعب يشير إلى أن المحكمة الدستورية هنا قد تكون آلية من خلالها يصحح المجلس العسكرى أخطاءه أو يطور من استراتيجياته تجاه القوى السياسية المختلفة. لقد حدث التلاقى بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين بعد قيام الثورة على ضرورة الخلاص من عائلة مبارك. وقام بين الطرفين تفاهم حول تصميم المرحلة الانتقالية، ذلك التفاهم الذى تجلى فى التعديلات الدستورية التى أشرف عليها المستشار طارق البشرى. لكن يبدو أن المجلس العسكرى لم يتوقع أن يفوز الإخوان بهذه الأغلبية الكاسحة، ولم يتوقع أن صفوف الفلول كانت مفككة ومنهارة إلى هذه الدرجة. ومن هنا فإن عدم دستورية مجلس الشعب تأتى الآن لكى تصحح تغول الإخوان المسلمين الذى أزعج المجلس العسكرى وباقى القوى السياسية. الوقت مبكر والمعلومات ليست كافية للجزم فى مثل هذه الأمور. لكن من المحتمل أن يكون المجلس العسكرى قد أصدر قانون انتخاب مجلس الشعب وهو يعلم عواره الدستورى من وجهة نظر المحكمة الدستورية العليا التى سبق وأن حلت مجلس الشعب مرتين بناء على نفس السبب وهو التمييز بين مرشحى الأحزاب والمرشحين المستقلين. هل من المعقول أن يكون مستشارو المجلس العسكرى من القانونيين قد أخفوا عنه حقيقة أن هذا القانون لن يصمد أبدا أمام المحكمة الدستورية المصرية والتى لها رأى قاطع فى هذا الشأن؟ لا أظن.

التضخم الحادث اليوم فى مصر لدور القضاء فى السياسة ليس آية من آيات دولة القانون وإنما هو أحد أعراض ضعف المجال السياسى الذى لا يزال غير قادر على إدارة الصراع السياسى وحسمه أو تخفيفه من خلال حلول وسط. وعلى هذا فمن المتوقع أن يستمر تسييس القضاء واستفحال دوره السياسى حتى نهاية المرحلة الانتقالية واستقرار ملامح نظام سياسى جديد. من المؤكد أن قضاءنا فى محنة أتمنى أن يخرج منها بأقل الخسائر الممكنة. فالأطراف السياسية الأساسية تشده ناحيتها. ومما يزيد الطين بلة أن القضاة هم جماعة اجتماعية لها مصالح مادية ومعنوية ستتجه كل القوى المنظمة فى البلاد إلى مغازلتها لضمان انحيازها لها. هناك حاجة ملحة لميلاد تيار استقلال جديد من داخل القضاة. فبدون قضاء يحظى بحد أدنى من المصداقية والاستقلال لن تقوم قائمة لنظام ديمقراطى فى مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.