«إعلام القاهرة» يناقش مستقبل الصحافة في العصر الرقمي وتحديات الذكاء الاصطناعي    وزارة الأوقاف تفتتح مركز الثقافة الإسلامية بالمنوفية بحضور المحافظ وقيادات الدعوة    رئيس «القومي للمرأة» تشارك في المنتدى العربي من أجل المساواة بالجزائر    «بعد تصريحات ترامب».. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 24-6-2025 يهبط لأدنى مستوياته عالميًا الآن    أقل من الأسواق ب20%.. إطلاق منافذ متنقلة لطرح البيض البلدي والأسماك للمواطنين بأسعار مخفضة    بروتوكول تعاون بين الجامعة البريطانية في مصر و«إندكس الإماراتية» لتنظيم المؤتمرات والمعارض    نائب وزير السياحة تشارك في اجتماعات تغيّر المناخ بمدينة بون الألمانية    وسائل إعلام إسرائيلية: حدث أمني «صعب» في قطاع غزة    الهروب إلى النوافير.. درجات الحرارة تقارب ال 100 درجة بواشنطن الأمريكية    شركة طيران العال الإسرائيلية تنظم جسرا جويا لإعادة آلاف الإسرائيليين بعد وقف إطلاق النار مع إيران    وزير الداخلية يبحث مع نظيره الصربي التعاون في مجال مكافحة الجريمة (تفاصيل)    ميرتس مطالبا بتشديد العقوبات على روسيا: بوتين لا يفهم سوى لغة القوة    جدول ترتيب هدافي كأس العالم للأندية 2025.. مركز وسام أبوعلي    رسميًا.. أحمد سامي مديرًا فنيًا لنادي الاتحاد السكندري    هيمنة بلا فاعلية.. الأهلي يدفع ثمن إهدار الفرص أمام بورتو (فيديو وصور)    ضعف لياقة مبابي يؤخر عودته لتشكيلة ريال مدريد    حقيقة اقتراب الزمالك من حسم صفقة الكونغولي جوليس أهواكا (خاص)    تغيير موعد المؤتمر الصحفي للإعلان عن مدرب منتخب اليد الإسباني باسكوال    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص ونقل على الطريق الصحراوي بالإسكندرية    برقم الجلوس.. موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسميًا    تأجيل جلسة محاكمة «توربيني كفر الدوار» لجلسة الغد    سقوط "مستريحة القروض" بالمحلة بعد استيلائها على أكثر من 3 ملايين جنيه    تشييع جثمان الكاتب الصحفي محمد عبد المنعم بحضور نجوم الفن والصحافة (فيديو)    «مطلعينه أراجوز».. أسرة العندليب تهاجم مهرجان موازين بعد حفل الهولوجرام    فيلم شبابي يشاهده 1.4 مليون شخص في السينمات المصرية.. من أبطاله؟    مطالبا بضرورة احترام استقلال الدول وسيادتها على كامل أراضيها.. الأزهر يعرب عن تضامنه مع قطر    الحكومة تعقد أول اجتماعاتها بمقر «العلمين الجديدة» غدا    أمير الكويت يترأس اجتماعا لمجلس الدفاع الأعلى    محافظ بني سويف يستقبل وفدًا يمنيًا ومصريًا للاطلاع على تجربة الإدارة المحلية الاستراتيجية    "مصر.. متحف مفتوح".. فعالية جديدة لصالون نفرتيتي الثقافي في قصر الأمير طاز    دمشق تودّع شهداء كنيسة مار إلياس.. صلاة رحيلهم وزيارات للمصابين    جامعة القاهرة تطلق خريطة أنشطتها الصيفية لدعم إبداعات الطلاب واكتشاف مواهبهم    طب قصر العيني تستقبل وفد سفارة غينيا في إطار دعم برنامج "Kasr Al Ainy French – KAF"    الأمن الاقتصادي: ضبط 1257 قضية ظواهر سلبية.. و1474 سرقة تيار كهربائي    "وحشتينا".. إلهام شاهين أنيقة في أحدث ظهور لها    المفوضية الأوروبية ترحب بالإعلان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل    هل القرض حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    الأهلي يقترب من إعلان صفقة جديدة.. الغندور يكشف التفاصيل    حريق هائل في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 153 مخالفة عدم التزام بقرار الغلق للمحلات    انتهاء اختبار مادة اللغة الأجنبية الثانية لطلاب الثانوية العامة النظام القديم    فرقة بورسعيد تعرض «اليد السوداء» على مسرح السامر بالعجوزة    ضبط 10 آلاف قطعة لوليتا فاسدة ومخازن مخالفة في حملة رقابية ببني سويف    إزالة 10 تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة ضمن الموجة 26 بالشرقية    قبل الإعلان الرسمي.. كيركيز يجتاز الكشف الطبي في ليفربول    وزير الإسكان يتابع موقف منظومة الصرف الصحي بمدن شرق القاهرة    مركز البحوث الطبية والطب التجديدي يوقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنصورة الأهلية    رئيس "المستشفيات التعليمية" يقود حملة تفتيش ب"أحمد ماهر" و"الجمهورية" لرفع كفاءة الخدمة    قافلة طبية للكشف على نزلاء مستشفى الصحة النفسية في الخانكة    افتتاح الملتقى الأول للتوظيف والإبداع ب«فنون جميلة المنصورة»    بدأت ب«فولو» على إنستجرام.. سلمى أبو ضيف تكشف طريقة تعرفها على زوجها    وزير النقل يشهد توقيع عقد بناء سفينتين جديدتين من السفن العملاقة    جامعة أسيوط تطلق بودكاست "أخبار جامعة أسيوط" باللغة الإنجليزية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في محافظة قنا    تكرّيم 231 حافظًا لكتاب الله في احتفالية كبرى بالمراشدة بقنا    فانس: قضينا على البرنامج النووي الإيراني ونأمل ألا تعيد طهران تطويره    ثقف نفسك | هل تعرف هذه الأسرار العشر عن إيران؟.. حقائق ستفاجئك    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الدستورية العليا: تاريخ من القضاء والسياسة

عادت «المحكمة الدستورية العليا» إلى بؤرة الضوء مؤخرًا بعدما قضت بحل مجلس الشعب قبل أيام من أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر بعد ثورة25 يناير. إذ جاء قرار الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، ثم حكم «الدستورية» بعدم تنفيذ قرار مرسي ليكشفا مدى انغماس قضاء مصر الدستوري في الصراع السياسي في البلاد، وهو الأمر الذي أثار كثير من التساؤلات حول العلاقة بين القضاء والسياسة وحدود الصلة بين سلطات الدولة المختلفة.
البداية
في 7 مارس 2009 أحتفلت «المحكمة الدستورية العليا» بمرور أربعين عامًا علي إنشاء القضاء الدستوري المصري. حيث يؤرخ رسميًا لبدء الرقابة الدستورية على القوانين بإصدار الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر القرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء «المحكمة العليا» التي تأسست فعليًا في عام 1970.
إلا أن البداية الحقيقية للقضاء الدستوري المصري كانت أبعد من ذلك. ففي سنة 1924، ظهرت على سطح الحياة القضائية لأول مرة مسألة دستورية القوانين أمام محكمة جنايات الإسكندرية، وذلك أثناء نظرها الطعن المقدّم من هيئة الدفاع عن مجموعة من المواطنين وجّهت إليهم النيابة العامة تهمًا بنشر أفكار ثوريّة، فحكمت المحكمة حضوريًا على المتهمين بالسجن ثلاث سنوات استنادًا إلى المادة 151 من قانون العقوبات، فطعن دفاع المتهمين على الحكم على أساس أنّ المادة المذكورة تخالف المادة 14 من الدستور.
وفي 1925 حدثت قصة شبيهة، حين رفض بعض العمد والمشايخ استلام دفاتر الانتخاب وأضربوا عن العمل، فأمرت النيابة العامة بتقديمهم للمحاكمة بتهمة عدم تنفيذ الأوامر الحكومية، فأوردت هيئة الدفاع في دفاعها أنّ قانون الانتخابات المعدّل غير دستوري لصدوره أثناء غيبة البرلمان.
وفي 1941 حدثت نقلة في تاريخ القضاء الدستوري، حين أصدرت «محكمة مصر الأهلية» حكمًا تاريخيًا يقضي بحق المحاكم في الرقابة على دستورية القوانين انطلاقًا من وجود قانونين يجري العمل بهما في البلاد، وهما القانون العادي والدستور. حيث يتوجب على القاضي إعمال القانونين في أحكامه، وإن حدث تعارض يتوجب عليه الركون إلى القانون الأعلى وهو الدستور.
وتلا ذلك إصدار محكمة القضاء الإداري في 1948 حكمًا اعتبره الكثيرون علامة من علامات القضاء المصري، حين أقرت بحق القضاء في التصدي للقوانين غير الدستورية، وذلك بإهمال تطبيق أي قانون يراه القاضي، وفقًا لسلطته التقديرية، متعارضًا مع الدستور.
هذا وقد طفت فكرة إنشاء محكمة دستورية متخصصة إلى السطح لأول مرة عام 1953، حين قامت ثورة يوليو بتكليف لجنة اُسميت «لجنة الخمسين» بوضع مشروع دستور جديد للبلاد نص في أحد مواده على إنشاء محكمة عليا تكون لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين. وقد حدد مشروع الدستور عدد قضاة المحكمة العليا بحيث لا يتجاوز تسعة قضاة بأي حال من الأحوال، يختار ثلثهم رئيس الجمهورية، والثلث الثاني يختاره البرلمان، والثالث تختاره السلطة القضائية.إلا أن دستور 1953 انتهى «في صندوق القمامة» بحسب تعبير الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى. وهكذا، لم يكتب للمحكمة الدستورية أن ترى النور آنذاك.
الدستورية والقضاء
في1969 قرر رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر إصدار قانون «المحكمة العليا». كانت تلك أول تجربة لإنشاء محكمة دستورية متخصصة يناط بها دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين. وقد باشرت المحكمة مهمتها مدة تقترب من العشر سنوات حتى أنشأ السادات «المحكمة الدستورية العليا» في 1979.
ولا يمكن فهم قرار عبد الناصر هذا دون ربطه بسياقه السياسي الأوسع. حيث تزامن اعتزام «الرئيس» إنشاء محكمة دستورية مع أكبر صدام شهدته مصر في تاريخها بين السلطتين القضائية والتنفيذية فيما عرف ب«مذبحة القضاة» (1969) التي انتهت وقائعها إلى عزل أكثر من مائتي قاض من بينهم رئيس محكمة النقض.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن ناثان براون في كتاب له عن القضاء المصري أن جذور الصراع بين ناصر والقضاة تعود إلى منتصف ستينيات القرن العشرين، حين بدأت جماعة من الشخصيات القانونية والسياسية المحسوبة على النظام تدعو إلى إجراء تغييرات في الثقافة القانونية لمواكبة التحول ناحية بناء المجتمع الاشتراكي.
وبحسب براون، فإن معظم هذه الدعوات طالبت بتغيير على مستويين. المستوى الأول هو إعادة النظر في التشريعات السابقة على 1952 التي طالب أشخاص مثل القانوني البارز «جمال العطيفي» بمراجعتها من حيث أنها كانت «نتاجًا لعصر رأسمالي ومن شأنها أن تقوض فرص التحول الاشتراكي».
أما المستوى الثاني، فقد تركز على المطالبة بتغيير «النظام القضائي»، وهو ما تبدى في الدعوة التي صاغها أمين عام الاتحاد الاشتراكي «علي صبري» في سلسلة من المقالات عن «كيفية إدارة هذا التحول في النظام القضائي نحو نظام أكثر اتساقًا، وانطلاقًا من الأيديولوجية الاشتراكية».
وقد تسارعت الأحداث في هذا الاتجاه بعد هزيمة 1967 التي أضعفت النظام وخصمت كثيرًا من شرعيته. إذ بدأ عبد الناصر يشعر بالحاجة إلى بسط سيطرته على السلطة القضائية، خاصة مع رفض أغلبية القضاة لمقترحات تغيير النظام القضائي التي طرحها عدد من رموز الفكر الناصري.
وهكذا جاء إنشاء «المحكمة العليا» في سياق إعادة هيكلة شاملة للنظام القضائي تهدف إلى بسط النظام لسيطرته على القضاة. فمن ناحية أولى كان مطلوبًا من «المحكمة» إعادة تفسير القوانين القديمة بحيث تساير متطلبات المجتمع الجديد، وهو بالضبط ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية لإنشائها، حيث قالت: «أصبح واضحًا في كثير من الحالات أن أحكام القضاء ليست قادرة على أن تساير مسيرة التطور التي حدثت في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.وهذا نتيجة لقصور في التشريعات أو نتيجة لأن التفسيرات غير مناسبة للعلاقات الجديدة. ومن واجب القضاة أن يقوموا بالتفسير والتطبيق بما يضفي الفاعلية على النصوص الهامدة... وهكذا فإن مهمة المحكمة الجديدة هي تطوير فقه اشتراكي جديد وضمان التفسير الملزم للنصوص القانونية.»
ومن ناحية ثانية، فإن إنشاء محكمة دستورية كان منتظرًا منه أن يضفي جانبًا دستوريًا «يساعد السلطة القائمة في أخذ قراراتها دون الحديث عن عدم شرعية قانونية»، وذلك بعد أن ألقت «مذبحة القضاة» ظلالا كثيفة من الشك على استقلال القضاء ونزاهته وبعده عن تأثيرات السلطة التنفيذية.
السادات
تراجع نظام السادات بداية من 1971 عن الكثير من قرارات «مذبحة القضاة» واتخذ عددًا من التدابير لإلغاء آثارها. ثم تم إقرار دستور 1971 الذي جاء فيه فصل كامل عن «المحكمة الدستورية العليا». ورغم ذلك تأخر إنشاء المحكمة 8 سنوات كاملة.فلماذا؟
يعود التأخر في صدور التشريع الخاص بإنشاء «الدستورية العليا» إلي توجس المجتمع القضائي تجاه المحكمة. يقول براون: «توجس القضاة من أن النص الدستوري الذي يتطلب أن تكون المحكمة جهازًا قضائيًا مستقلا قد لا يحظى إلا باحترام جزئي، فتكون المحكمة مستقلة عن غيرها من أجهزة القضاء، ولكن أبعد ما تكون عن الاستقلال عن السلطة التنفيذية.هذه الشكوك كانت لها أساسها القوي بسبب دور مؤسسة الرئاسة القوي في تعيينات المحكمة العليا والمدة القصيرة لشغل مناصب القضاة في هذه المحكمة (ثلاث سنوات).»
لكن الحقيقة أن التشريع الخاص بالمحكمة جاء خالقًا درجة من التوازن في علاقة تلك الأخير بالسلطة التنفيذية. فرغم أن قرارات تعيين رئيس المحكمة وعضويتها تصدر بشكل رئاسي، إلا أن الجمعية العمومية للمحكمة هي التي تقدم الترشيحات لرئيس الجمهورية عبر مجلس القضاء الأعلى، مع الاتفاق عرفيًا أن يكون اختيار رئيس المحكمة بالأقدمية. ورغم أن الأمور لم تخرج عن هذا الاتفاق سوى مرتين فقط – في حالتي المستشارين فتحي نجيب وممدوح مرعي – إلا أنه يظل مجرد اتفاق عرفي غير مكتوب، وتبقي سلطة رئيس الجمهورية في تعيين أفراد المحكمة مطلقة.
وعلى الجانب الآخر، خسر المجتمع القضائي كثيرًا بانفصال المحكمة التام عن باقي الجسد القضائي. فميزانية المحكمة والسند التشريعي والدعم الإداري لها أمور منفصلة تمامًا عن القضاء العادي، مما يثير القلق تجاه مدى ارتباطها بالدولة وبباقي مؤسسات السلطة القضائية.ولهذه الأسباب، وأسباب أخرى، جاءت توصيات «مؤتمر العدالة الأول» بإلغاء المحكمة.
الدستورية وتحولات المجتمع
لعبت المحكمة الدستورية منذ إنشائها في أواخر سبعينيات القرن العشرين وحتى اليوم أدوارًا مهمة في تثبيت شرعية التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر في ذلك الحين.
ورغم أن إنشاء المحكمة تأخر عن قرارات السادات الاستراتيجية الأكثر أهمية – الانفتاح والتوجه ناحية الغرب والسلام مع إسرائيل – إلا أنها لعبت في السنوات التي تلت إنشائها دورًا ملحوظًا في تقنين آثار تلك التغيرات بتفسير الدستور تفسيرًا مرنًا ليتوافق مع نظام سياسي واقتصادي واجتماعي غير ذلك الذي كتب الدستور في ظله.
فعلى المستوى السياسي، كان الدستور قد أُقر في ظل نظام الحزب الواحد، ليأتي السادات فيعلن المنابر ثم الأحزاب في 1975-1976. ولذا، ففي سنوات الثمانينيات والتسعينيات لعبت الدستورية دورًا في تحديد نظام الانتخابات الذي يتوافق مع روح الدستور، وذلك حين قضت بعدم دستورية قانون الانتخابات بالقائمة وقررت أن النظام الفردي هو الذي يحقق مبدأ المساواة بين المواطنين الذي يعد ركنًا ركينًا في الدستور.
أما فيما يتعلق بالتحولات الاقتصادية، فإن الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية سامر سليمان يؤكد إن الدوافع الاقتصادية لعبت دورًا كبيرًا في إنشاء المحكمة الدستورية. ويستخدم سليمان في حديث له إلى «بوابة المصري اليوم» مصطلح «قضينة السياسة المصرية» الذي صكه أستاذ القانون بالولايات المتحدة الدكتور تامر مصطفى لشرح المسألة، رابطًا إنشاء المحكمة جزئيًا باحتياجات نظامي السادات ومبارك إلى الاستثمارات الأجنبية.
إذ يرى الباحث أن التحول الذى أجراه السادات ومن بعده مبارك فى السياسات العامة من الاشتراكية إلى الرأسمالية كان يقتضي إعطاء ضمانات للمستثمرين الأجانب للحفاظ على حقوقهم فى الملكية من خلال المحكمة الدستورية العليا، مضيفًا أن «وجهة النظر تلك تدعمها دلالات مثل الحكم بدستورية سياسات الخصخصة الذي فسرته المحكمة بقولها إن الدستور – الذي كان ينص آنذاك على الاشتراكية وصيانة القطاع العام – وثيقة تقدمية يتغير تفسيرها بحسب الزمان والمكان.»
ومن ناحية أخرى يلفت سليمان أنظارنا إلى أن «المحكمة الدستورية العليا كانت في نظام مبارك بمثابة صمام أمان يدفع القوى السياسية المعارضة إلى ساحات القضاء بدلا من الشارع». فالواقع أن جزءًا كبيرًا من الصراعات السياسية في الثمانينيات والتسعينيات قد حُسم في ساحات المحاكم بدلا من حسمه بطرق أخرى قد تكون أكثر تكلفة على نظام الحكم. فقوانين الإيجارات والانتخابات والضرائب وغيرها كانت مجالًا للطعن في ساحات المحاكم خلال تلك السنوات. وفي المقابل، كان نظام مبارك يحترم أحكام الدستورية أكثر من احترامه لأحكام المحاكم الأخرى كالنقض والإدارية العليا.
جدل لا ينتهي
وهكذا كان ل«الدستورية» القول الفصل في بعض من أهم المسائل السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. فهي قد حكمت بحل مجلس الشعب مرتين قبل المرة الأخيرة، وقضت ببطلان القانون الذي يحظر إنشاء أحزاب سياسية معارضة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وألغت القرار بعزل قيادات نقابات المحامين الذين اختلفوا مع السادات باعتباره انتهاكًا للحريات، وقضت ببطلان قوانين إيجارات المساكن، وببطلان عدد من قرارات تأميمات الأراضي في الستينيات، وغيرها من الأمور.
وبينما يرى البعض أن أداء المحكمة قد تذبذب بين مرحلة وأخرى، بحسب شخصية رئيسها وبحسب ضغوط أخرى متنوعة، إلا أنها ظلت في كل الأزمنة سلطة حاسمة لعبت دورًا أصيلا في تحديد الاختيارات الاقتصادية والسياسية لمصر.
والأكيد أن «المحكمة الدستورية» بوضعيتها الخاصة في النظام القضائي ، وبجدلية علاقتها بالسلطة التنفيذية، ستظل أكثر أركان النظام القضائي المصري إثارة للجدل. والمتوقع أن يزداد هذا الجدل في الأيام القادمة، خاصة مع دخول الدستورية كطرف رئيسي في صراع سياسي ضار تخوضه سلطة وصلت حديثًا للحكم وأخرى قائمة ولا تريد مغادرته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.