رحل ثروت عكاشة أب الثقافة المصرية وحارسها الأمين على مدى العقود الماضية، رحيل يشعر معه المثقفون باليتم الأدبى، رحل عكاشة عن واحد وتسعين عاما أمضى معظمها في المعترك الوطني والثقافي، وهو الذي شارك في صنع ثورة 1952 وكان قائدا لسلاح الفرسان ، ها هو يرحل فى هدوء الأبطال عقب عام واحد من ثورة يناير البيضاء التى صنعها أحفاده . انطلق عكاشة المولود عام 1921 مع زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة في هدف تخليص الوطن من قيود الاستعمار والاستغلال ورد الاعتبار إلى الشخصية المصرية، وتسلم بعد تولي الضباط الاحرار الحكم رئاسة تحرير مجلة "التحرير" وتولى بعدها العديد من المناصب في الدولة المصرية بين سفير ووزير ونائب لرئيس مجلس الوزراء .
كما تولى وزارة الثقافة ورئاسة المجلس الأعلى للفنون والآداب ورئاسة مجلس ادارة البنك الأهلي . وفي فترة توليه وزارة الثقافة تم إنقاذ معبدي ابو سمبل من الغرق تحت مياه بحيرة ناصر التي تكونت خلف السد العالي.
وتولى عكاشة أيضا منصب نائب اللجنة الدولية لانقاذ مدينة البندقية وعمل أستاذا زائرا في كوليج دي فرانس بباريس متخصصا في تاريخ الفن، كما تولى رئاسة اللجنة الثقافية الاستشارية بمعهد العالم العربي في باريس وكان عضو المجلس التنفيذى لمنظمة اليونيسكو وعضوا عاملا في المجمع الملكي البريطاني لبحوث الحضارة الإسلامية .
وحصل عكاشة على جوائز عديدة بينها وسام الفنون والآداب الفرنسي ووسام جوقة الشرف الفرنسي بدرجة كوماندور والميدالية الفضية لليونيسكو لانقاذ معبدي ابو سمبل والميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده من أجل انقاذ معبد فيلة .
وكذلك حصل في مصر على جائزة الدولة التقديرية في الفنون وجائزة حسني مبارك في الفنون أيضا وحاز الدكتوراة الفخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة .
وقام عكاشة بتأليف أكبر موسوعة عربية عن الفنون الأوروبية صدرت ضمن مجلدين، وله كتاب "مذكراتي في السياسة والثقافة" الذي صدر في ثلاثة مجلدات هي "الفن والحياة" ، و "إعصار من الشرق" ، و "القيم الجمالية في العمارة الاسلامية".
ويقول الكاتب الفلسطيتى محمود يوسف خضر، إن ما يميز عكاشة عن الضباط الأحرار رأيه المستقل، وأنه كان على رأس الفريق الذي استعان به جمال عبدالناصر ليبني مصر الجديدة ، وهو الفريق الذي على أيدي أعضائه تحقق الكثير من الإنجازات المهمة التي لا سبيل إلى إنكارها أو التشكيك فيها .
وبينما كان ثروت عكاشة في روما يحضر أوبرا "بوريس جود ونوف" في الثامن أكتوبر عام 1958، صدر قرار التشكيل الوزاري في القاهرة وحل فيه ثروت عكاشه وزيرا للثقافة والإرشاد القومي ، فعاد إلى القاهرة في اليوم التالي ، وبعد اعتكاف في منزله في المعادي يومين للتفكير في أمر الوزارة، قبلها على مضض بعدما طمأنه عبدالناصر إلى أن مركزه في ذلك الحين كوزير سيجعله في وضع يعلو وضع بعض من لا تطمئن نفسه إليهم . واصطحبه يوسف السباعي بسيارته إلى مقر الوزارة في قصر عابدين .
ومازج عكاشة بين الأصالة والمعاصرة فكان له الفضل في إنشاء مبنى دار الكتب الجديدة والمعهد العالي للسينما، والمؤسسة العامة لفنون المسرح والموسيقى ، ومشروع الصوت والضوء ، وقاد الحملة الدولية مع منظمة اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة ومعبدي "أبو سنبل" وفيليه ، وأنشأ أكاديمية الفنون الجميلة وما تفرع عنها من المعاهد الفنية .كما أسس المعهد القومي العالي للموسيقى " الكونسرفتوار" ومعهد البالية ، والمعهد العالي للفنون المسرحية .
و يعد عكاشة بحق المؤسس الأول للبنية التحتية للثقافة المصرية في العصر الحديث، ومحرابه عبارة عن غرفة في بيته في المعادي تحيط بجدرانها مكتبة تعانق السقف وتتناثر حولها صور تجمعه مع أندريه مالرو وعبدالناصر وعبدالحكيم عامر وكارل أورف وأبرز مدريري اليونسكو، وخلف مكتبه على الحائط صور من بعض مقامات الحريري في إطار ذهبي، وظل لفترة متقدمة من حياته يحاول إتقان عزف الموسيقى .
وانهمك طوال حياته في كتابة موسوعته الخالدة "العين تسمع والأذن ترى" فغطى غالبية فنون العالم القديم والمعاصر واسترجع بقلمه التراث العربي والعالمي وترجم عشرات الكتب ومن أهمها "مسخ الكائنات" و "فن الهوى" لأوفيد .