بعد صراع طويل مع المرض وبعد حياة حافلة بالعطاء رحل وزير الثقافة الأسبق الدكتور ثروت عكاشة عن عمر يناهز 91 عاماً ، وهو صاحب سيرة ليست تقليدية، فإذا كان من الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو المصرية والانقلاب الذي أدى إلى إنهاء الملكية وخلع الملك وإقامة الجمهورية ورفع جمال عبد الناصر إلى الرئاسة وتدشين حكم عسكري دام حتى الثورة الأخيرة. نال دبلوم الصحافة من كلية الآداب في القاهرة والتحق بالسوربون التي منحته الدكتوراه في الآداب عام 1960. وقد أهّل هذا ثروت عكاشة للعب أدوار بارزة في الثقافة، فقد عيّن وزيراً للثقافة في مصر عام 1960 ، وقد عمل أستاذاً زائراً في الكوليج دو فرانس كما تولى رئاسة اللجنة الثقافية في معهد العالم العربي بباريس. وشغل عضوية المجلس التنفيذي في اليونسكو وعضوية المجمع الملكي البريطاني لبحوث الحضارة الإسلامية، كما حصل على وسام الفنون والآداب الفرنسي والميدالية الذهبية لليونسكو على جهوده لإنقاذ معبد أبو سمبل. ترجم ثروت عكاشة «النبي» لجبران خليل جبران و«مسخ الكائنات» و«فن الهوى» لأوفيد، لكن أهم أعماله هي مجلداته في تاريخ الفنون التي غطت الفنون المصرية القديمة والعراقية والإغريقية والفارسية والتركية والرومانية والبيزنطية والإسلامية... كما غطت عصر النهضة والعصور الوسطى. عرف بترفعه وثقافته، وتُذكر له إنجازات كبرى في هذا المجال بينها تأسيس القطاع العام للسينما المصرية، وانقاذ آثار النوبة ومعبد ابو سمبل وانشاء قصور الثقافة ومتحف محمود مختار ومتحف مراكب الشمس وتأسيس فرقة الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية والفرقة القومية للفنون الشعبية والسيرك القومي. كما أسس الراحل جهاز الثقافة الجماهيرية مستعينا بخبرة الكاتب الصحفي سعد كامل ومن خلال هذه التجربة نجح في المساهمة في توصيل الثقافة الي مختلف مناطق مصر كما أفرزت التجربة العديد من الكوادر الثقافية التي تواصل عطاؤها الي الان. لكن العمل الأعظم في مسيرة عكاشة علي الصعيد الثقافي يرتبط بالدور الذي لعبه لاقناع المؤسسات الدولية بأنقاذ آثار النوبة خلال سنوات بناء السد العالي وهي التجربة التي تمت بنجاح خارق. وخلال حياته نال الراحل أوسمة وجوائز عديدة, ابرزها جائزة النيل للفنون (2002) ( مبارك سابقا) وباجماع اعضاء المجلس الاعلي للثقافة كما نال أيضا جوائز عربية ودولية أبرزها جائزة سلطان العويس, كما كان عضوا بالمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو بباريس وأستاذا بكوليج دي فرانس ونال دكتوراه فخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة, عام 1995 . عاش سنواته الأخيرة في عزلة مختارة لم يسمح خلالها بأن تتعرض حياته للاختراق الإعلامى لكنه واصل اعادة نشر مؤلفاته الموسوعية التي زادت علي 70 كتابا في مختلف مجالات الفكر وتاريخ الفن, اضافة الي ترجماته المتعددة وأبرزها ترجمة أعمال الروماني أوفيد، ومؤلفات الشاعر جبران خليل جبران التي لا تزال ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في مصر .