«نعتقد أنه حان الوقت للتحول إلى الرؤية الإيجابية عن مصر وأن نترك الرؤية السلبية التى تبنيناها منذ نوفمبر 2010»، هكذا افتتحت مؤسسة «ميريل لينش بنك أوف أمريكا» أحدث تقاريرها عن الاقتصاد المصرى، والذى بنت فيه رؤيتها الاقتصادية المتفائلة لمصر على أساس انخفاض المخاطر السياسية فى البلاد. كانت المخاوف من تمرير سيناريو التوريث تعطل تحسين موقف التصنيف الائتمانى المصرى قبل الثورة، بحسب تصريحات سابقة لخبراء دوليين، وهى المخاوف التى تصاعدت فى نهاية عام 2010 مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فيما تعرض التصنيف المصرى، بعد الثورة، لعدة تخفيضات من المؤسسات الدولية خلال عام 2011 بسبب ممارسات العنف ضد المتظاهرين المطالبين بإتمام عملية التحول الديمقراطى.
وقد اعتبر تقرير ميريل لينش أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة كشفت عن زوال العديد من المخاوف السياسية، فبينما فاز تيار الإسلام السياسى بنسبة 70% من مقاعد البرلمان، كان هناك احترام لتلك النتائج على نطاق واسع. كما خلى المشهد السياسى من ذيول نظام مبارك، علاوة على أن البرلمانيين الجدد أكدوا رغبتهم فى العمل السياسى فى إطار التوافق المجتمعى العام، وحظى النواب الجدد بدعم من المجتمع الدولى، وهى العوامل التى طمأنت محللى ميريل لينش تجاه الوضع فى مصر.
وتحت عنوان: «أعطوا الإسلاميين فرصة»، أشارت المؤسسة الأمريكية إلى السياسات التى كانت الدول الغربية تتبعها سابقا تجاه تيارات الاسلام السياسى فى الدول العربية، فهى كانت إما أن تدعهم يفوزون بالثورات أو الانتخابات ثم تعمل على عزلهم عن العالم أو أن تقبل بقيام النظم الديكتاتورية فى بلدانهم بقمعهم مضحية بالديمقراطية فى سبيل الاستقرار، «وهما الطريقتان اللتان أثبتتا فشلهما»، بحسب تعبير ميريل لينش.
وتوقعت المؤسسة أيضا ألا تخرج الانتخابات الرئاسية فى مصر ب«مفاجآت سلبية» فى ظل طرح أسماء مثل عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح اللذين اعتبرهما التقرير «مرشحين معتدلين».
إلا أن ثمة مخاطر سياسية لا تزال تلوح فى الأفق المصرى، فى ظل هشاشة الوضع الاقتصادى التى أكدها التقرير أكثر من مرة، وتتركز تلك المخاطر برأى المؤسسة الأمريكية فى إمكانية أن تساهم المناقشات حول الدستور المصرى فى زعزعة الاستقرار، وأن يستمر خروج القطاع الخاص من السوق المصرية، وتدهور الوضع المالى فى أوروبا والذى ينعكس على الاقتصاد المحلى.
وقالت ميريل لينش إن مصر تشهد صراعا متعدد الأطراف بين المجلس العسكرى وتيار الإسلام السياسى والأحزاب الليبرالية خاصة فى مجال إعداد الدستور، مشيرا إلى الجدل الذى دار حول المادتين التاسعة والعاشرة من وثيقة التعديلات الدستورية التى طرحتها حكومة عصام شرف حول امتيازات الجيش فى الدستور الجديد. واعتبرت أن الفجوة بين المؤسسة العسكرية والبرلمان قد يتم حلها من خلال حل توافقى بتأسيس نظام شبه رئاسى، يراقب ميزانية الجيش من خلال لجنة برلمانية محدودة مثل لجنة الكونجرس فى الولاياتالمتحدة، وتأسيس مجلس أمن قومى يقوده رئيس البلاد، مع الحفاظ على امتيازات الجيش خاصة فى المجال الاقتصادى.
وحتى تتم عملية التحول إلى الحكم المدنى، يظل الاقتصاد المصرى يواجه تحديات تغطية الفجوة التمويلية التى نشأت بعد الثورة بسبب تدهور احتياطات النقد الأجنبى فى ظل أحداث العنف التى تخللت عملية الانتقال الديمقراطى، خاصة أن المؤسسة ترجح تأخر قيام الدول العربية بتنفيذ تعهداتها بمساندة الاقتصاد المصرى بما يتراوح ما بين 15 و20 مليار دولار، بسبب انتظارها لتولى المدنيين زمام الأمور فى البلاد بشكل تام.
لذا ترى ميريل لينش أن قرض صندوق النقد الدولى، الذى يتم التفاوض عليه حاليا بقيمة 3.2 مليار دولار، قد يلعب دور جسر العبور بالاقتصاد خلال المرحلة الانتقالية لما سيسهم به من استعادة الثقة فى الوضع المالى المصرى مما يسهل على الحكومة توفير التمويل خلال تلك الفترة الحرجة.
ووفقا لحسابات ميريل لينش، فقد خرج من سوق الأوراق المالية المصرى 6 مليارات دولار منذ اندلاع الثورة، و10 مليارات دولار من سوق أذون الخزانة، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة ب6 مليارات دولار.
وترى المؤسسة الأمريكية أن حكومة كمال الجنزورى لم توفر البيانات الكافية التى تشرح من خلالها كيفية تحقيقها للهدف المعلن بتخفيض عجز الموازنة ب20 مليار جنيه.
وبالرغم من أن ميريل لينش كانت تدافع عن فكرة تخفيض الجنيه المصرى سابقا، فإنها عدلت عن تلك الفكرة، بحسب ما جاء فى التقرير، معتبرة أن مصر تحتاج قرض الصندوق أكثر مما تحتاج لتخفيض الجنيه والذى سيؤدى إلى سلبيات كرفع معدلات التضخم وزيادة تكاليف الدعم. «الآن أصبحت إعادة الثقة إلى الاقتصاد المصرى لها الأولوية»، كما ترى المؤسسة، متوقعة ألا يقوم البنك المركزى بخفض حاد فى الجنيه إلا إذا أجبر على ذلك مع حدوث انخفاضات أكبر فى الاحتياطى الأجنبى كنتيجة لفشل محتمل فى عملية التحول الديمقراطى يترتب عليه فشل اتفاق الصندوق.
فيما ترى ميريل لينش أن الاقتصاد المصرى أمامه فرص كبيرة للنمو فى حال نجاح عملية التحول الديمقراطى «نعتقد أن تحقيق انطلاق فى النمو الاقتصادى سيكون أولوية سياسية بمجرد اتمام عملية التحول الديمقراطى»، متوقعة أن يبلغ معدل النمو فى العام المالى 2012/2013 نحو 1.5% وأن يرتفع إلى 4% فى العام المالى التالى، وأن تتجه احتياطات النقد الأجنبى إلى الاستقرار من شهر فبراير.
وأكد التقرير أن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى أن يلاحق الآمال المتعلقة بالثورة، مشيرا إلى أن مصر تحتاج إلى إيجاد 750 ألف وظيفة سنويا، بينما ارتفعت معدلات البطالة خلال الفترة الماضية إلى 12%.