باتت الاصول الغربية فرص مغرية للإستثمارات العربية وبخاصة الخليجية وذلك لعدة عوامل منها تراجع قيمة تلك الاصول مع تداعيات أزمة الرهن العقاري العالمية، وتحقيق الدول النفطية لعائدات ضخمة نتيجة لارتفاع اسعار الخام نحو مستويات قياسية، وعزز من موقف الاقتصاديات العربية انتشار المعاملات الاسلامية بالبنوك وهو ما قلص من تأثرها بالازمة العالمية التي عصفت بأكبر المؤسسات المالية الغربية. قدر معهد التمويل الدولي ومقره واشنطن الاصول الاجنبية المملوكة لدول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من ألفي مليار دولار بنهاية 2007، وتوقع مع وصول الناتج المحلي الاجمالي لدول المجلس الست الى 900 مليار دولار أن تنمو ممتلكاته في الغرب بنحو الضعف. وتعود التدفقات الاستثمارية الخليجية الكبيرة الى زيادة الفوائض النقدية نتيجة ارتفاع اسعار النفط وتغير الاستراتيجية الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث إتجهت عائدات النفط بعد سد عجز الميزانيات الخليجية وتسديد الديون، نحو بناء احتياطيات قوية لتلك الدول وتدعيم الصناديق السيادية التي تدير استثمارات كبيرة لدول المجلس. واستوعب الاقتصاد الامريكي اكثر من نصف تلك الاستثمارات عبر عمليات استحواذ واستثمار في الولاياتالمتحدةالامريكية والاصول المقومة بالدولار، بينما ذهب نحو خمس تلك التدفقات الى الاقتصادات الاوروبية او الاصول المقومة باليورو، وذهبت نحو 20% منها الي اسيا. التنافس لجلب الخبرات الاجنبية ميريل لينش تعاني تحت ضغط ازمة الائتمان وتتصدر قطر والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قائمة الدول الخليجية الساعية لإمتلاك أصول في الغرب. ويري الخبراء أن دبي تهدف الى توسيع دورها الخدمي في المنطقة بان تكون جسرا للخدمات المالية بين اوروبا وامريكا الشمالية من ناحية والشرق الاوسط واسيا من ناحية، أما قطر فتتنافس مع دبي على جلب الخبرات الاجنبية الى اسواقهما المالية الصاعدة، وخاصة التجارب التكنولوجية. فبالنسبة لدولة قطر ، اشترت 20% من أسهم بورصة لندن، و10 % من اسهم بورصة او ام اكس، كما شرع جهاز قطر للاستثمار في تنفيذ صفقات لشراء مؤسسات مثل ميريل لينش، سيتي جروب، ومورجان آند ستاني في اطار التنافس بين الصناديق الاستثمارية الحكومية للاستحواذ على شركات عالمية، ويخطط الجهاز لاستثمار أكثر من 15 مليار دولار لشراء أو حيازة مؤسسات وشركات في أوروبا وأمريكا وبهذا يكون الجهاز أحدث صندوق للثروة السيادية في الخليج يستثمر في المؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية، كما تستثمر هيئة الاستثمار الكويتية صندوق لاستثمار الثروة السيادية لا تقل اصوله عن 225 مليار دولار. وتقول بورصة لندن، أكبر أسواق الأسهم في أوروبا، إن ثمة علاقة طويلة تربطها بجهاز قطر للاستثمار مؤكدة انه مع قوة الاقتصاد القطري وتحول الدوحة إلى مركز مالي مهم فهناك فرص كبيرة لتعزيز العلاقة بما فيه مصلحة الطرفين. يتزامن ذلك مع تفاوض صناديق مدعومة من الحكومة القطرية لشراء حصة تبلغ 5% من اسهم بنك كريدي سويس بقيمة مالية تصل إلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي. يعد بنك كريدي سويس أحد أهم مؤسسات الخدمات المالية عالمية وتقوم بتزويد كبار العملاء والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بخدمات مالية واستشارات مالية، كما تقوم المجموعة بصفتها وسيطا ماليا بتقديم خدمات تتعلق بالاستثمارات البنكية إلى مؤسسات مالية عالمية وشركات وهيئات حكومية وأفراد من العملاء، وتوظف المجموعة 62 ألف شخص حول العالم، وتقدر الأصول التي تديرها ب 1404.6 مليار فرنك سويسري.(الدولار يساوي 1.28 فرنك سويسري) وتشتري الدول النفطية الاصول عبر تجميع فوائضها النقدية في صناديق سيادية فتشترك قطر ودبي في صندوق استثماري قوامه مليار دولار، بينما تمتلك الصناديق السعودية ما بين 300 - 400 مليون دولار. قلق متبادل اللون الاحمر يغزو البوصات العالمية دلالة علي التراجع ومع تنامي الزحف الخليجي نحو الاصول الغربية يحذر الساسة الغربيون من مغبة ذلك علي اقتصادياتهم الوطنية ، ولعل أبرز هذه المخاوف جاءت علي لسان نائب وزير الخزانة الأمريكي روبرت كيمت، في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس في نهاية يناير/ كانون الثاني 2008 عندما قال إن الولاياتالمتحدة ترحب بالاستثمارات الخليجية في أراضيها، ولا تقلق من نشاطها الاقتصادي، إلا أن نموها المتزايد في عددها وحجمها يتطلب حذرا من الولاياتالمتحدة. وأضاف كيمت أنه بدلا من فرض المطالب على المستثمرين الجدد فإن من الأفضل أن يعزز مبدأ الشراكة بين صناديق الثروة السيادية القادمة من الخارج والحكومة الأميركية من أجل الاستقرار المالي في البلاد، وأشار إلى العلاقة التبادلية بين الخليج والولاياتالمتحدة، حيث إن دوله لم تمنع الاستثمارات الأميركية أو الغربية من الدخول إلى أراضيها. وعلي الجانب الآخر، تطالب الدول الخليجية الغرب بالإلتزام بالوضوح والشفاية في التعامل مع صناديق الاستثمار المملوكة لحكومات أجنبية تستثمر علي اراضيها، وهو ما جاء علي لسان الشيخة لبنى القاسمي وزير الاقتصاد والتجارة عندما قالت إن الدول الغنية التي تطالب بمزيد من الشفافية من جانب صناديق الاستثمار المملوكة لحكومات أجنبية بحاجة هي نفسها لمزيد من الوضوح والشفافية. وأوضحت - أمام منتدى بروكسل للعلاقات عبر الاطلسي- ان المطالب التي تفرض على الصناديق تتغير باستمرار ويخيم الغموض علي ما الذي تدرجه الدول المتلقية تحت بند قطاعاتها الاستراتيجية أو مصالحها الوطنية أو اهتماماتها الامنية وكلها بنود يمكن استخدامها لتبرير منع الاستثمار.