ترجع جذور أزمة الائتمان العقاري العالمية الي الانغماس الشديد لجميع فئات المجتمعات الغربية من مستهلكين ومستثمرين في استخدام القروض البنكية التجارية بجميع أنواعها وأغراضها, فالمستهلكون يشترون منازلهم وسياراتهم وأثاثهم بالقروض البنكية والمستثمرون يمولون مشاريعهم بالقروض البنكية, الأمر الذي وضع مصير المجتمعات بين فكي البنوك التجارية التي تحدد قيمة وميعاد سداد اقساط القروض وأسعار الفائدة عليها. يري الدكتور محمد محمود شمس رئيس مركز استشارات الجدوي الاقتصادية بالمملكة العربية السعودية, أن مشكلة الرهن العقاري التي تؤرق مضاجع الاقتصاديات الغربية حاليا هي وليدة سياسة نقدية محكمة تعاونت فيها البنوك المركزية مع المؤسسات المالية العالمية الضخمة لفرض هيمنة مالية كاملة علي اتجاهات وحركة وحجم السيولة النقدية العالمية, وقد أدار هذه السياسة لحد كبير محافظ البنك المركزي الأمريكي ألن جرينسبان عندما رفع سعر الفائدة تدريجيا حتي قفز الي6% في ابريل2000 بحجة السيطرة علي معدل التضخم بالاقتصاد الأمريكي لكن الهدف كان هو استقطاب المدخرات الأجنبية للاستثمار في السندات الأمريكية وقد تحقق له ذلك بتراكم ضخم من هذه المدخرات بلغ نحو4000 مليار دولار وكانت حصة الصين بمفردها2000 مليار دولار, وللاحتفاظ بهذه المدخرات لكي تستثمر بالقطاعات الاقتصادية الأمريكية المختلفة بدأ هذا الرجل في خفض مستمر لسعر الفائدة حتي بلغ1% في يونيو2003 واستمر علي ذلك سنة كاملة حتي يونيو2004 مما أدي الي انخفاض مستمر لقيمة الدولار الأمريكي وأصبح سحب هذه المدخرات الأجنبية من الاقتصاد الأمريكي مستحيلا مما ضاعف الاستفادة منها. أما البنك المركزي الأوروبي فقد خفض سعر الفائدة في بداية2001 من4.5 بالمائة تدريجيا الي ان وصل3 بالمائة في يونيو2003 واستمر علي ذلك المعدل24 شهرا, أما بنك انجلترا فبدأ خفض سعر الفائدة من6 بالمائة في عام2000 الي3.5 بالمائة في ديسمبر2003, هذا مما يفيد بوجود تنسيق متكامل هادف وموحد بين الأجهزة المالية العالمية. مشكلة الرهن العقاري ويوضح الدكتور شمس أنه من خلال انخفاض أسعار الفائدة العالمية بدأت مشكلة الرهن العقاري العالمية تطفو علي الساحة العالمية حيث اندفعت المؤسسات المالية العالمية بشراسة بوضع تسهيلات ائتمانية ميسرة للغاية لجميع فئات المجتمع الأمريكي لشراء عقارات بالتقسيط المريح بأسعار فائدة تتغير بتغير الوضع الاقتصادي وبدون ضمانات مالية سوي ملكية العقار ولأفراد لديهم تاريخ ائتماني ضعيف والبعض منهم ليس لديه دخول مالية أو حتي وظائف معروفة وأطلق علي ذلك المصطلح التاريخيNinja أو(Noincome,Nojob,Noassets) اضافة الي اندفاع صناديق الأسهم العقارية العالمية في تداول مكثف للأسهم العقارية ليس فقط في أمريكا بل في معظم الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية مما جعل نيران الاستثمارات العقارية تتأجج بشدة في غالبية المؤسسات المالية المحلية شهوة للربح السريع الأمر الذي ضاعف بشدة نمو القروض العقارية ليس فقط للمستثمرين العقاريين والمشترين للعقار ولكن بين المؤسسات المالية الأمر الذي أدي الي استنزاف خطير للسيولة النقدية وحصرها في آلاف الأصول العقارية ضعيفة السيولة بسبب التمويل العقاري المفرط فانهارت أسعارها بشدة. نظرية المؤسسات المالية لقد كانت نظرية المؤسسات المالية من الانحراف نحو التمويل العقاري المفرط لأشخاص ليس لديهم تاريخ ائتماني مضمون مبنية علي افتراضهم بأنهم سيستعيدون ملكية هذه العقارات بأسعار منخفضة لعدم مقدرة الملاك الفقراء علي دفع أقساطها ومن ثم تقوم هذه المؤسسات بعرضها للبيع بأسعار مرتفعة ليربحوا من فرق الأسعار, هذا وقد دعم هذه النظرية الارتفاع اللاحق لأسعار الفائدة العالمية الذي قفز من1% الي5.25% بأمريكا والي4% بالبنك المركزي الأوروبي والي5.75% ببنك انجلترا. لكن نظرية المؤسسات المالية لم تحقق أهدافها حيث أدي ارتفاع اسعار الفائدة الي تفاقم ارتفاع قيمة الاقساط العقارية علي المستثمرين وملاك العقار ورفع من حدة استرداد العقار للمؤسسات العقارية لعدم مقدرة ملاكها علي سداد أقساطها, الأمر الذي أغرق الاقتصاد الأمريكي بعقار منخفض الأسعار أي بأصول عينية ضعيفة القدرة علي السيولة مما نتج عنه امتصاص للسيولة النقدية بالمؤسسات المالية العالمية مما أفقد ثقة البنوك ببعضها لدرجة امتناعهم عن اقراضه بعضها البعض إلا بشروط جائرة وبأسعار فائدة تعجيزية. القشة التي قسمت ظهر البعير بالرغم من تدخل الحكومات الغربية للتقليل من حدة الأزمة من خلال ما ضخته البنوك المركزية من أموال لمساعدة المؤسسات المالية لتغطية خسائرها وبالرغم من تحفظ هذه المؤسسات علي أوضاعهم المالية إلا أن أحد البنوك الفرنسيةBNPParibas كان أول من أعلن بشفافية في9 أغسطس2007 عن وجود عجز لديه في السيولة النقدية نتيجة الانجراف في عمليات الرهن العقاري, وقد كان لهذا الاعلان الأثر الكبير في كشف المستور من الأزمات المالية العميقة التي كانت تمر بها كبار المؤسسات المالية العالمية فإنهارت بعض هذه المؤسسات, وافلست الأخري واستقال كبار التنفيذيين بها وقامت الحكومة الأمريكية بتأميم أضخم مؤسستين للائتمان العقاري في العالم واللتين تسيطران علي نحو4000 مليار دولار في سوق الرهن العقاري, وقامت انجلترا بتأميم أحد أكبر مؤسسات الرهن العقاري, وفي ألمانيا انهارت مؤسسةDexia وغيرها من المؤسسات المالية والعقارية العالمية الضخمة وباتت عملاقة المالية العالمية جرذانا تبحث عن طعام. الكفالة الأمريكية الأخيرة بعد مداولات وحوارات مكثفة بين مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين انتهي الأمر بتقديم كفالة مالية تبلغ700 مليار دولار من الحكومة الأمريكية وذلك بشراء أصول عينية من هذه العقارات اطلقوا عليها أصول مسمومة من المؤسسات المالية التي تعاني من أزمة الرهن العقاري ثم بيعها بالمزاد العلني بواسطة مؤسسات معينة بأمل ارتفاع أسعارها واسترداد هذا المبلغ في المستقبل, وتأمل الحكومة الأمريكية من ضخ هذه السيولة النقدية استئناف تداول القروض بين البنوك والمستثمرين والمستهلكين لتحريك العجلة الاقتصادية التي شارفت علي التوقف والركود الذي يمكن ان يكون له تأثير سلبي علي الاقتصاد العالمي, فضعف نمو الاستهلاك والاستثمار المدعمين بالقروض البنكية يؤدي الي انخفاض الناتج الوطني ونمو البطالة وكذلك انخفاض ايرادات الضرائب مما يعوق الإنفاق الحكومي علي التعليم والصحة والخدمات الهامة الاخري ويقود الاقتصاد الأمريكي الي الركود, وهذا بطبيعة الحال يسبب انكماشا كبيرا في حجم الطلب علي الواردات من دول العالم مما يقلل من الأنشطة الاقتصادية بها ويقود الي ركود اقتصادي عالمي, هذا ويشكك عدد كبير من المحللين الاقتصاديين من فاعلية الكفالة النقدية الأمريكية وآثارها علي الاقتصاد. التأثير علي دول الخليج يتوقف التأثير علي دول الخليج علي حجم مدخراتهم وودائعهم بالبنوك الغربية خاصة المنهارة منها والتي تدهورت أسعار اسهمها وتكبلت بالديون, فكلما زاد حجم هذه الودائع والمدخرات زاد التأثير السلبي علي هذه الدول خاصة تلك الصناديق الاستثمارية الضخمة لبعض دول الخليج التي ستعاني نقصا حادا في السيولة النقدية, هذا وقد أشار السيد عدنان يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية إلي ان الميزانيات الختامية للبنوك الخليجية والعربية تمت بنسبة20% في نهاية السنة المالية الحالية لتبلغ2000 مليار دولار أمريكي مما يفيد توفر السيولة النقدية بها وعزلها من المؤثرات السلبية لأزمة الرهن العقاري العالمية, من ناحية اخري يؤدي الركود الاقتصادي العالمي الي خفض حجم الطلب علي البترول مما يخفض من أسعاره ومن ثم يقلل من ايرادات هذه الدول بميزانية2009 وبالتالي من نموها الاقتصادي من خلال انكماش الانفاق الحكومي, أما اسواق الأسهم الخليجية فستتأثر بحجم انخفاض قيمة ودائع المضاربين الخليجيين في المؤسسات المالية العالمية المنهارة فزيادة الخسائر ستؤثر علي حركة التداول سلبيا بالأسواق الخليجية, إلا انه يمكن الافتراض بأن الأسواق الخليجية قد تكون مأوي آمنا في المستقبل للسيولة النقدية الخليجية مقارنة بأسواق الأسهم العالمية التي انهارت حيث انخفض مؤشر دواجونز بنسبة7% محققا خسارة بلغت ألف مليار دولار وانخفض مؤشر نازداك بنسبة9% خلال ساعات نتيجة أزمة انحسار السيولة النقدية.