مثل كرة الثلج التي تكبر شيئا فشيئا، وسرعان ما تتدحرج فتطيح في طريقها ما يقابلها، فإن نار أزمة الائتمان العالمية الناجمة عن أزمة القروض العقارية عالية المخاطر في الولاياتالمتحدة لم تخمد بل إن ألسنتها مستمرة في التصاعد، ولم يقف أحد أمامها وتعددت ضحاياها وسقط في فخها بنوك أمريكية كبري علي رأسها "سيتي بنك" و"ميريل لينش" و"مورجان ستانلي"، كما لم تنج من تداعياتها البنوك الأوروبية الكبري مثل "نورثرن روك" البريطاني و"دويتشه بنك" الألماني و"يو بي اس" السويسري. وتعود أزمة القروض العالمية المسماة "ساب برايم" أي دون الممتازة، التي منحت لأسر لا تتمتع بأوضاع مالية متينة، وطالت منذ شهر أغسطس الماضي الأسواق المالية الغربية إلي الانحرافات المالية الناجمة عن الفورة العقارية في الولاياتالمتحدة مع مطلع القرن الحادي والعشرين.. فقد تهافتت صناديق الاستثمار علي هذه السوق تجذبها إليها إمكانية تحقيق أرباح عبر شراء سندات تستند إلي قروض عقارية منحت إلي أسر تعاني في الأساس من وضع مالي هش. لكن انخفاض أسعار العقارات في الولاياتالمتحدة بدءا من منتصف عام 2006 الذي ترافق مع زيادة في معدلات الفائدة قضي علي إمكانية أن تقوم هذه الأسر بالاستدانة وعقد قروض إضافية لتسديد قروضها الأساسية من خلال رهن قيمة العقار في السوق.. وهو ما عرض للخطر مؤسسات الإقراض ذاتها.. ولكون هذه المؤسسات المقرضة هي صناديق استثمار متخصصة أساسا بالاستثمارات الخطرة ومنها الاستثمار في العقار عالي المخاطر، فإنها حولت القروض عالية المخاطر التي تلقتها إلي سندات مالية يمكن بيعها في الأسواق، لكن تقهقر سوق العقارات أبعد المستثمرين عن شرائها فدفعت الصناديق المقرضة وتلك التي اشترت السندات ثمنا كبيرا إما إفلاسا أو تجميد عدد منها. ويتناول هذا الملف تأثيرات أزمة الرهون العقارية العالمية علي البنوك العملاقة في العالم سواء في أمريكا أو أوروبا، وأبرز ضحايا هذه الأزمة من البنوك أو رؤساء البنوك كما يتناول أبرز الرابحين منها: الولاياتالمتحدة قدر بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" خسائر سوق الرهن العقاري الأمريكية ب 100 مليار دولار حتي الاَن. وأبلغ برنانكي لجنة الميزانية بمجلس النواب الأمريكي في 17 يناير، في سوق الرهن العقاري مرتفع المخاطر، هناك حوالي 5 ملايين رهن عقاري قيمتها الإجمالية تريليون دولار، حاليا 20% من هذه الرهون العقارية متأخرة السداد، إذا افترضنا أن كل هذه الرهون العقارية تنتهي إلي نزع الملكية وهذه مبالغة.. فإن هذا يعطينا حتي الاَن 100 مليار دولار. ودفعت الأزمة البنوك الأمريكية التي تضررت من ديون معدومة بمليارات الدولارات إلي تشديد معايير الإقراض مما يزيد من كلفة الاقتراض علي الشركات والمستهلكين الذين يمثلون الأمل في حماية الاقتصاد الأمريكي من الانزلاق إلي حالة من الكساد بالنظر إلي أن حجم إنفاقهم يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولاياتالمتحدة. وتتزايد مخاوف الاقتصاديين من أن يؤدي تخاذل البنوك عن الإقراض وقلق المستهلكين إلي كارثة اقتصادية وحتي الخفض الحاد في أسعار الفائدة قد لا يكون كافيا لمنع الكساد.. وقال راي سويفر رئيس شركة سويفر للاستشارات المصرفية: إنها حلقة مفرغة، فمع تشديد البنوك لمعايير الإقراض يصعب الحصول علي ائتمان وهو أمر سييء للاقتصاد ويدفع البنوك لتشديد المعايير بدرجة أكبر. وأظهر تقرير مجلس الاحتياطي الاتحادي الدوري عن الأوضاع الاقتصادية الصادر في يناير أن أنشطة الإقراض لكل من الشركات والمستهلكين تباطأت من منتصف نوفمبر وفي ديسمبر الماضيين وأعلنت أغلب فروع المجلس الاقليمية عن زيادة شروط الائتمان صعوبة. بالإضافة إلي ما سبق أثرت أزمة الرهن العقاري علي أرباح عدد من المؤسسات المالية الأمريكية، كما أجبرت البنوك العاملة في وول ستريت إلي اقتراض نحو 59 مليار دولار حتي الاَن، معظمها من مستثمرين في الشرق الأوسط واَسيا، بعد أن تعرضت لخسائر من الرهون العقارية عالية المخاطر تصل إلي نحو 100 مليار دولار.. ومن أبرز هذه البنوك: