مع استمرار تدهور الوضع المالى فى مصر، تتزايد مطالبات بعض الخبراء، فضلا عن مسئولين بالحكومة، بالاقتراض من مؤسسات دولية، حتى إن تحليلا اقتصاديا لوكالة رويترز الإخبارية اعتبر أن «مصر لا تملك خيارا غير العودة لصندوق النقد الدولى»، بينما يحذر البعض من إسهام تلك القروض فى تأجيج الغضب الشعبى، ويشككون فى مدى إسهامها فى تحقيق تنمية فعلية. بعد أن رفضت الحكومة المصرية قرضا من صندوق النقد الدولى بنحو ثلاثة مليارات دولار لتغطية العجز الذى توقعت الحكومة أن يتراجع إلى 8.6% من الناتج الاجمالى فى العام المالى الجارى، يقدر تقرير وكالة رويترز أن مصر ستحتاج عند العودة للتفاوض على القرض فى الوقت الحالى لرفع قيمته إلى 15 مليار دولار، وذلك مع ارتفاع توقعات الخبراء للعجز المصرى فى العام الجارى إلى أكثر من 10%، وبلوغ معدل البطالة إلى أعلى مستوى فى عشر سنوات عند نسبة 11.9%.
ويرى بعض الخبراء أن هناك حاجة فعلية لتطبيق بعض السياسات التقشفية التى تقترحها المؤسسات الدولية الدائنة، كتخفيض الإنفاق العام والخصخصة، وأن الاحتجاجات الشعبية فى مصر بعد الثورة هى التى تحول دون ذلك، حيث نقل تقرير لصحيفة الواشنطن بوست عن كارين مارى، المحللة الاقتصادية المتخصصة فى الشرق الاوسط، قولها إن السياسات الاقتصادية فى الأحد عشر شهرا الماضية كانت «عديمة النفع»، حيث لم تتح الاحتجاجات الشعبية أمام السلطة الحاكمة خيارا للفكاك من زيادة الحد الأدنى للأجور والإبقاء على دعم الطاقة، رغم ما تتسبب فيه تلك السياسات من ضغوط مالية، بحسب الخبيرة، والتى توقعت أيضا ألا تقدر أية حكومة على تقديم إصلاحات جادة فى الأجل القريب «لأن المصريين سيحدثون ضجة فى مواجهة تلك الإجراءات».
وربما يزداد الموقف السياسى للسلطة الحاكمة حرجا فى الفترة القادمة مع استمرار ارتفاع الدولار فى مواجهة العملة المحلية، وفقا لرويترز، حيث اعتبر تقرير الوكالة الاخبارية أنه مع استمرار انخفاض احتياطى النقد الاجنبى إلى نحو 20 مليار دولار حاليا، ستصبح سياسة البنك المركزى فى مساندة العملة المحلية من رصيد الاحتياطى «غير قابلة للاستمرار»، وهو امر «خطير» بحسب قول مسئول غربى لرويترز لأن هذا الوضع الحرج من المتوقع حدوثه قبل تسلم البرلمان لصلاحياته وقبل الانتخابات الرئاسية.
إلا أن مدرسة اقتصادية أخرى ترى أن فلسفة البنك وصندوق النقد الدوليين والعديد من المؤسسات المالية الدولية المشابهة، الداعية للتقشف كأداة للخروج من المأزق الاقتصادى، أثبتت فشلها فى تحقيق التنمية خلال السنوات الماضية، حيث نقل مقالا لمبادرة «بريتون وودز» الحقوقية الاوروبية، عن نهى الشوكى، أكاديمية مصرية، قولها إن قروض المؤسستين ساهمت فى دعم سياسات نيوليبرالية سمحت بتركيز النفوذ السياسى والاقتصادى فى يد نخبة صغيرة، والتى استمرت فى تهميش القاعدة العريضة من المصريين حتى قيام الثورة. واعتبرت الشوكى أن سياسات البنك الدولى ساهمت فى فتح السوق المصرية بشكل عنيف أمام السوق الدولية مما كان له أثر سلبى على الشركات الصغيرة فى مصر.
واعتبر جون وييكس، الاستاذ بأحد مراكز الدراسات الافريقية، أن الدول النامية التى طبقت سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين حرفيا عاشت أسوأ ما فى الأزمة المالية العالمية الحالية، بحسب ما ذكره فى مقال بسوشيال يوروب جورنال.
ويرى بعض الخبراء أن صندوق النقد الدولى بدأ فى تغيير رؤيته الاقتصادية التى تركز على الحفاظ على مؤشرات الاقتصاد الكلى، كالنمو الاقتصادى وعجز الموازنة، بعد الأزمة المالية العالمية، وهو ما يظهر جليا فى الحالة المصرية، حيث أبدى الصندوق خلال المفاوضات الأولى بينه وبين الحكومة حول القرض ترحيبه بتطبيق الضرائب التصاعدية على سبيل المثال، رغم مخالفتها لسياسات الصندوق التى تركز دائما على تحرير الاسواق وتقديم الحوافز للقطاع الخاص. وترى مدرسة اقتصادية مخالفة للمدرسة التقشفية ضرورة توسع الدولة فى الانفاق لتوفير الوظائف ورفع الاجور حتى وأن تزايد مستوى عجز الموازنة طالما أن هذا العجز يستهدف تنشيط النمو الاقتصادى، خاصة فى حالة السوق المصرية الذى يعتمد فى نموه على الاستهلاك المحلى بنحو 80%.
وعلى المستوى الدولى رصد الاقتصادى الامريكى الشهير بول كروجمان، تغير الرؤية الاقتصادية لصندوق النقد، معلق على تقرير الصندوق حول رؤية الاقتصاد الدولى فى اكتوبر الماضى، بأنه تضمن اعترافا بأن «التركيز على سياسات التقشف كان خطأ».