«شلنا الراس ولسه الديل، قومى يا بلدى وشدى الحيل»، على إيقاعات سمسمية فريق الطنبورة، تعالى صوت الريس زكريا مؤديا إحدى أغانى الثورة، هناك فى أعلى جبل المقطم فى افتتاح المركز الثقافى الوليد «شبابيك» أمس الأول. «عدًى الضلمة وحد الليل قومى يامّه طريقنا طويل. قالوا شبابك فى يناير/حطوا حياتهم فى كفوفهم» كان يكفى أن يبدأ حفل الافتتاح بفريق الطنبورة البورسعيدى ليبتعد بالحضور عن الرسميات والافتتاح التقليدى وينقلنا إلى عمق الثقافة الشعبية، من أغانى الثورة، إلى أجواء ما قبل التنحى حينما كان أعضاء الفريق يرابطون فى ميادين مصر يشحذون الهمم ويستعيدون روح المقاومة الشعبية التى طالما تغنت بها مدن القنال. وفى كل مرة يتقدم أحد أفراد الفريق أو «الصحبجية» خشبة المسرح ليقدم أغنية فى قاعة تتسع لمائة وخمسين مشاهدا ويتراقص كالبمبوطية بإيقاع مميز، فيتخفف الحضور من رابطات العنق ومن صورتهم الرسمية، ويشارك الجمهور فى تصفيق إيقاعى يتماشى مع النغمات، ويعلو صوت وزير الثقافة طالبا أغنية «كنا تلاتة أربعة»، ويذوب ضيوف الصف الأول مع باقى الجمهور سواء كان السيد عمرو موسى مرشح الرئاسة أو الكاتب علاء الأسوانى الذى استقبله وزير الثقافة شاكر عبد الحميد بالعناق، وهو ترحاب لا يخلو من دلالة عن قرب الوزير من المثقفين قبل توليه منصبه من ناحية، وعن كون الأسوانى اليوم أحد وجوه الثورة المصرية الفاعلة إلى درجة اعتباره مقياسا ومؤشرا لثورية الشخصيات المحيطة به، خاصة بعدما أشيع عن تسببه عبر أحد البرامج التليفزيونية مع الفريق أحمد شفيق إلى إبعاده من منصبه كرئيس للوزراء بعد تنحى مبارك.
أما عن الصحبجية، مؤسسى مركز الإشعاع الثقافى المنتظر، الذين اختاروا شعارا له «شبابيك.. للحرية والحياة» فهم المخرج مجدى أحمد على والكاتبة ضحى عاصى، مع الدكتور محمد رفعت. حلموا بفضاء ثقافى فنى يلتحم فيه الحوار والدردشة من خلال مقهى ثقافى، والكتاب من خلال مكتبة فى الدور الأرضى، وساحة للفن التشكيلى، فى الدور الثانى، ومسرح وسينما فى الدور الثالث. مكان للثقافة المستقلة فى منطقة المقطم التى تفتقر حتى لوجود مكتبات، يتخذ مكانته وسط التجارب السابقة التى أنشأها مثقفون متميزون، لكنه لا يشبه أحدهم. حيث تعتمد شبابيك بشكل أساسى على الدورات التدريبية فى الفنون المختلفة مثل ورشة سيناريو مع عاطف بشاى، وورشة أغنية مع وأمسيات بيت الحواديت مع المخرج المسرحى محمد عبد الفتاح، وورشة إخراج مع الفنان هانى لاشين، بالإضافة إلى ورشة حلى، ودروس فى رقص الصلصا وفى شعر العامية. كما تقدم مؤسسة شبابيك صالونا ثقافيا شهريا مع الكاتب بلال فضل وصالونا ثقافيا نصف شهرى مع الكاتب علاء الأسوانى.
كانت كل فقرات الحفل تدل على الذوق الرفيع والاختيار المتميز، ففضلا عن الطنبورة، كان هناك فريق حالة الشبابى المتميز الذى قدم حكايات ضاحكة، والغناء الصوفى للشيخ أحمد التونى، والطرب الاصيل للشاب وليد عبد الحليم الذى بدأ مشواره منذ عمر ست سنوات مع الفنان سليم سحاب. وكان معرض الفنان الكبير محمد حجى، الذى احتل مساحة العرض فى الطابق الثانى، هو إحد جواهر مركز شبابيك الثمينة. حيث قدم مجموعة من اللوحات بالألوان الزيتية تعكس تأثره بالثورة المصرية، رسم فيها العديد من اللوحات لثوار فقدوا عيونهم «استفزنى كثيرا ضرب الناس فى عيونهم، وحتى الشهداء كان منهم من أصيب فى عينه» كما يصرح الفنان حجى للشروق. كما تناول بالخط العربى العديد من شعارات الثورة مثل شعاره الأثير «مافيش رجوع» وشعار عرف فى سوريا «الموت لا المذلة». وكان محمد حجى قد أصدر كتابا فى 1984 بعنوان «شمال يمين» يتناول فيه بالنقد من خلال الرسوم الحكم العسكرى حين يستأثر بالحكم فى البلدان العربية.
كان الحاضر الغائب فى الحفل الواعد هو الكاتب إبراهيم أصلان، صديق مجدى أحمد على والذى كان وجوده فى حى المقطم مصدرا لإلهام المخرج مع الكاتبة ضحى عاصى لتأسيس شبابيك، وستكون أول أنشطة المركز حفل تابين لأصلان مساء الاثنين مع مجدى أحمد على وداوود عبد السيد وشريف البندارى.