اللغة هى الوسيلة الأهم لنقل الأفكار من مكان إلى مكان، ومن جيل إلى جيل، وهى الرابط بين الناس، وبين الماضى والحاضر والمستقبل، تنتقل عبرها أحداث التاريخ، وعندما تفسد، تفسد أشياء عديدة. وهناك فئات من الناس مسئولة بشكل كبير عن الحفاظ عليها، خاصة من يعملون فى مجالات تؤثر فى المجتمع، مثل الإعلام سواء المرئى أو المسموع أو المقروء، والإدراك لقوة الإعلام وتأثيره فى تقدم الدول أو تأخرها أمر مهم، فمن المعروف أن الدول الواعية إعلاميا نجحت فى تصدير الأفكار التى أسهمت فى نجاح سياستها الخارجية، وحتى المؤسسات أو الأشخاص الذين يمتلكون عقولا إعلامية ذكية يختلف تأثيرهم فى الغير. الدكتور يوسف القرضاوى انتبه لمدى تأثير هذه الفئة، فجاء كتابه «أخطاء لغوية شائعة بين الإعلاميين والمثقفين» الذى سيصدر قريبا عن دار الشروق متناولا لهذه المسألة، وبغض النظر عن كون الكتاب مرجعية أم لا، لكنه يثير نقطة غاية فى الأهمية وهى أن من يعمل بالإعلام بوسائله المختلفة عليه مراعاة بعض الأمور المهمة وإلا فإنه سيتحول إلى أداة من أدوات الإيذاء. وفى ظل التوجه الحداثى الذى بدأ فى مرحلة الستينيات، والذى دعا إلى تخفيف اللغة من أعبائها، وشروطها، مرورا بالأجيال اللاحقة التى كرس بعضها للتعامل مع العامية بشكل أوسع، يرى القرضاوى أن الحفاظ على اللغة العربية الفصحى من الأمور المهمة، ويرى أن الإعلام المكتوب يقوم بهذه المسألة بشكل معقول، حيث إن المجلات العلمية والأدبية والثقافية والصحف لا تستخدم إلا الفصحى سواء فى الأخبار أو الآراء والتعليقات من أصحاب الأعمدة اليومية، والمقالات الأسبوعية، وغيرهم، ولكن هذا النوع من الإعلام هو الأقل انتشار، ولذلك يطالب القرضاوى القائمين على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بتبنى فكرة الحفاظ على الفصحى، وبذلك «فإنه يخدمها خدمة لا يستطيع جهاز آخر أو مؤسسة أخرى أن تنافسه فيها، لقوة تأثير الإعلام فى الجمهور، وسعة دائرته، فإذا كانت المدرسة لها تأثيرها الكبير على التلاميذ، فإن الإعلام هو مدرسة الجماهير، ومعلِّم الكبار». يعتبر الكاتب أن المفردات التى يشيعها الإعلام والتى سرعان ما تنتشر بين الناس، ويرددونها هى رمز الصواب والخطأ فإذا كانت صحيحة شاع الصواب، وإن كانت خاطئة شاع الخطأ، كما إنه يثير نقطة شديدة الحساسية، لدرجة قد تجعل البعض يصفها بالمبالغة، فيقول على سبيل المثال: «إن الإسلام لعب دورا فى إقرار عقيدة التوحيد، أو إن محمدا رسول الله (ص) قد لعب دورا فى إخراج العرب من الجاهلية، فإننا نسىء إلى الإسلام ورسوله الكريم؛ لأننا نشبههم بممثلى المسرح، أو لاعبى السيرك»، ومن الأمثلة أيضا التى يتطرق إليها الشيخ القرضاوى عندما نقول لا تخلط الأوراق، أو هذه الورقة الأخيرة، أو انكشفت أوراقه، أو هى ورقة محترقة، ففى هذه الحالة نكون قد تكلمنا مثلما يتكلم لاعبو القمار. الأمر الثانى الذى يرى الكاتب أنه يعيب الإعلام فى مسألة اللغة هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية، التى يرى أنها تنتشر بين كثير من رجال الإعلام، ويقدم فى بحثه مجموعة كبيرة من الأخطاء الشائعة فى وسائل الإعلام المختلفة، مثل الخطأ فى اسم (كان) أو (إن)، واستعمال اسم المفعول فى مكان الفاعل مثل قول « شىء مَهُول، وصوابها هائل» لأن المهول هو الشخص الذى يهوله الأمر، وبناء الفاعل للمجهول وهو مبنى للمعلوم وعكسه، وخطأ نطق بعض المفردات مثل كلمة الثغرة بفتح الغين وصوابها الثغرة بضم الغين، وحول هذه النقطة تحديدا يقول: «من حق لغتنا علينا أن ننطقها صحيحة، ونقرأها صحيحة، ويتوارثها الأبناء عن الآباء، والخلف عن السلف صحيحة .. فهذا التصويب فرض كفاية على الأمة أن تقوم به، ويتعين على من يدركه ويحسنه ألا يتأخر عنه، قياما بالواجب، وأداء للأمانة، وهذا ما اجتهدتُ أن أقوم به، خدمة لأمتى، وخدمة للغتى التى أعتزّ بها وأُزهَى، لأنها لغة أعظم كتب الله ..القرآن الكريم».