لخص مشوار الفضائيات وتحديدا برامج التوك شو خلال العام الماضى، رصد ما بها من رسائل، وقرأ ما بين سطورها، ولم يخل الأمر من تناول مواقف كوميدية، كشفت فى معظم الأحيان عن حقيقة أبطالها. كان ببرنامجه، الذى اقتحم عالم السياسة الساخرة، خير وسيلة نتابع بها الإعلام قبل الثورة، والتغيرات التى طرأت عليه بعدها، حيث انتقل بمشرط جراح القلب والصدر، إلى ما يشاهده ويقرؤه المصريون كل يوم، فصنع مادة وثائقية ضمت الثائرين، والمتحولين، ورفعت الأقنعة من على الوجوه.
رافعا حاجبا عن الآخر، وبحدة تحمل من الجد قدرا مساويا للسخرية، وبنظرة لها معنى، قال: «مفيش حاجة اسمها إعلام محايد»، نبرته كانت واضحة ومحددة، أكد من خلالها ان المصريين على مدى 60 سنة تعودوا على طريقة الاعلام الذى يقدم المعلومة «يا ابيض يا اسود».
رؤية باسم يوسف الذى يحب أن يصف نفسه بأنه مراقب للإعلام، مختلفة، بناها على أساس يطيح بالمصطلحات التى تأسست عليها أغلب المؤسسات الاعلامية، «لا يعيب اى اعلام انه مايبقاش حيادى، المشكلة فينا اننا اتعودنا ان الاعلام بيدينا حاجة تريحنا، واللى مايدينيش ده مايبقاش حيادى».
برنامج باسم يوسف الذى يقوم على متابعة ومراقبة ما تقدمه البرامج المختلفة فى الاعلام الحكومى أو الخاص، جعله أول مشاهد يقول: «المفروض ان نسمع كل حاجة لكل الناس فى كل القنوات، وبعدين اشكل رأيى»، هذه هى الوصفة التى انتهى إليها عقب حلقاته الأولى.
«لازم المشاهد يتقبل إن دى هى آراؤهم وليست الحياة»، هكذا يعتقد فى المعنى الصحيح لبرامج التوك شو، ويوجه رسالة للمذيعين، مفادها «قول رأيك فى حدث معين، ولا تحاول ان تتظاهر بالحيادية وتجيب ناس تقول نفس الرأى، قول إن ده رأيك».
ضغطة على زر التليفزيون فى الساعة الثامنة مساء، تظهر معها ما يقرب من 10 برامج توك شو، «المشكلة أن كل برنامج بيحاول يخلى الناس كلها تحبه، وده مش هيحصل، بالعكس الناس هتكره المذيع لما تكتشف انه مش حيادى، ما تحاولش ترضى جميع الأطراف».
باسم الذى ظهر للجمهور للمرة الأولى فى مارس 2011، على شبكة العالم الافتراضى، وبدأ ينتقد التغطيات الاعلامية المختلفة لأحداث الثورة، قال «الاعلام حاول أو تعمد انه مايصدمش المشاهد، مع إن الاساس فى الاعلام هى الصدمة، يعنى مثلا إحنا النهاردة طابخين بامية عاجبك البامية، لأ، فى حد تانى جنبنا طابخ ملوخية».
لا يرى أن شيئا تغير خلال هذا العام سوى أن تعبير هامش الحرية تطور ليصبح سقف الحرية، «السقف الإعلامى كان موجودا قبل الثورة ومازال موجودا بعد الثورة، بس الحمدلله فى تطور قبل الثورة كان اسمه هامش حرية دلوقتى بقى اسمه سقف».
جمهور تلك البرامج كما يصفه باسم هو المنتظر دائما، «المصريين بيستنوا حد يطلع يقولهم ايه الصح وايه الغلط، نتفرج على برنامج توك شو بالليل عشان تقول لنا ايه اللى حصل ونفكر فيه ازاى ورأينا المفروض يبقى ايه»، يرى أن هذا النمط يعبر عن «سلبية الإعلام الديكتاتورى»، التى تربى عليها المصريون طوال العهود السابقة، و«لم تتغير».
ورغم ذلك يجد صاحب البرنامج الساخر، أنه من الظلم وضع الإعلام كله فى سلة واحدة، «التليفزيون الحكومى رغم انى انتقده طول الوقت لكنه احيانا يأتى بناس تقول الرأى الآخر، بس نفس الاوامر موجودة ولا علاقة لها بالوزير، فى سياسة للتليفزيون المصرى لا يحيد عنها»، أما الاعلام الخاص فله توجهاته الخاصة ايضا.
يتحكم فى تلك السياسة الجو العام، او الصبغة العامة التى تجعل العاملين بتلك المؤسسات غير قابلين للتغيير، على حد تعبير باسم.
ولأنه خرج من رحم الانترنت، يؤمن دائما بأن «اليوتيوب دلوقتى هو المصدر الاساسى للناس عشان تعرف ايه اللى بيحصل فى الشارع، ده قناة خاصة لكل مواطن، الناس اللى بتصور بكاميراتها، وموبايلاتها، وتتعقب الحدث أفضل من كل حاجة»، ويؤكد ان الشارع هو القناة الفضائية الوحيدة ذات المصداقية.
رصد برنامجه لا يتوقف على ما تقدمه الشاشة الصغيرة، لكنه تعرض أيضا للصحافة المكتوبة، لذلك يؤكد أن مشاكل مؤسسة قومية مثل الاهرام هى نفسها مشاكل ماسبيرو، «ديناصور كبير جدا فيه مشاكل كثيرة وتعقيدات وعشان تفك شفرة الديناصور لازم تدخل جواه وتقتله الأول».
وبالمعنى نفسه يشير من خلال متابعته أن المؤسسات القومية الحكومية وما يحدث فيها يعبر عن كل مساوئ الحكومة، «هى الوجه الاعلامى للحكومة، وما يجرى عليها من انتقادات يجرى على تلك المؤسسات».
حصاد عام 2011 بالنسبة له يتلخص فى انه «ليس صحيحا أن الاعلام سبب مشكلات الشارع، الاعلام بيهيج الناس على الموجودين فى التحرير، مش بيدفع الناس تنزل الشارع، ومشهد البنت اللى بتتسحل فى احداث مجلس الوزراء، حصل على 170 ألف مشاهدة فى 24 ساعة على اليوتيوب، فى الوقت اللى فضلت البرامج تتجاهله مدة طويلة».
يؤكد أن هناك خطة ممنهجة من جانب الإعلام، لكى يكره الناس الثورة ومن فى التحرير، «بعض المؤسسات الاعلامية وليس كلها».
«ميدان العباسية مين ده»، هكذا يقول رأيه فى الدعوات الاعلامية التى دفعت الناس للنزول للميدان، «العباسية ده إهانة، لأنه ماييجيش قد الجنينة اللى فى ميدان التحرير، وكلنا عارفين مين اللى دعا ليه».
على أرض الواقع يعترف باسم يوسف أن برنامجه لم يصنع حتى الآن تأثيرا يذكر، ولم تتغير السلبيات التى يعرضها هو عن برامج التوك شو، ويرجع السبب إلى أن «الناس فاكرة ان ده برنامج كوميدى، لكن البرنامج أرقى من كده، ده سخرية سياسية».
ولأنه لا توجد فى مصر مؤسسات عملية حقيقية تقيس نسبة المشاهدة فإنه «ماعرفش إذا كان برنامجى بيأثر ولا لأ، وبعدين أنا مين عشان أغير فى البرامج، ده هييرجعنى تانى للكلام عن مبدأ الأبيض والأسود».
يستشهد ببرنامج جون ستيوارت «ديلى شو»، مؤكدا أن ذلك البرنامج الذى بدأ قبل أكثر من 10 سنوات لم ينجح فى تغيير البرامج التى ينتقدها، «أنا اقدم السياسة بطريقة مختلفة، استطيع ان أقول فى فقرة مدتها 7 دقائق ما يقال فى ساعات طويلة.
يطرح تصورا مختلفا «ليه أحاول اغير البرامج والمذيعين أنا باحاول اغير رأى الناس، أعرفها إزاى تستقبل وتسمع ما بين السطور، وماتاخدش كل حاجة كأنها مسلم بيها».
الاهداف العامة لبرنامجه ان «الناس تفلتر ما يقال لها فى الاعلام، وتعرف ان احيانا يكون هناك امور مدسوسة».
لا يتوقع أن يتغير شىء فى العام الجديد على مستوى الاعلام، «مش هيتغير، لكنى اتمنى ان الناس تغير فكرها وانها تبص بنفسها وما تسمعش، وألا تنتظر من يخرج عليهم فى الليل ليملى عليهم كيف يفكرون، «لو الناس بحثت بنفسها شوية هتغير كل شىء».
يعتبر ان الشخص الوحيد الذى يمكن أن ينقل لنا الحقيقة هو أنفسنا، «لا تثق فى اى حد، ابحث بنفسك وانزل الشارع وشوف اللى بيحصل ايه، اللى بيقول فى بلطجية ينزل التحرير ويشوفهم بعينه، وما تستناش تتفرج عليه فى التليفزيون».
يغلق شاشة التليفزيون، ويدخل الاستديو الصغير، داخل مصنع حلقاته بميدان مصطفى محمود، يبدأ الحلقة الجديدة، برفعة حاجب ونبرة واثقة تقول «كل سنة وأنتم طيبين».