أتعرف ما معنى الكلمة، مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، والكلمة فرقان بين نبي وبغي، هذه بعض من كلمات الكاتب الراحل عبد الرحمن الشرقاوى المولود فى العاشر من نوفمبر عام 1920 بقرية الدلاتون بمحافظة المنوفية. بدأ الشرقاوى تعليمه في كتاب القرية ثم انتقل إلى المدارس الحكومية حتى تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1943، وعمل بالمحاماه ولكنه هجرها لأنه أراد أن يصبح كاتبا فعمل في الصحافة في مجلة الطليعة في البداية، ثم مجلة الفجر، وعمل بعد ثورة 23 يوليو في صحيفة الشعب ثم صحيفة الجمهورية، وشغل منصب رئيس تحرير مجلة روزاليوسف، ثم عمل بعدها في جريدة الأهرام، وتولي عدد من المناصب الأخرى منها سكرتير منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي وأمانة المجلس الأعلى للفنون والآداب.
وتنوعت أعماله الأدبية بين الرواية والشعر، حيث قدم روايته " الأرض" عام 1954، و"قلوب خالية" عام 1956، ثم "الشوارع الخلفية" عام 1958، وأخيرا روابة " الفلاح" عام 1967، وتأثر عبد الرحمن الشرقاوي بالحياة الريفية وكانت القرية المصرية هي مصدر إلهامه، وإنعكس ذلك على أول رواياته الأرض التي تعد أول تجسيد واقعي في الإبداع الأدبي العربي الحديث، وتحولت إلى فيلم سينمائي شهير بنفس الاسم للمخرج يوسف شاهين عام 1970.
ومن أشهر أعماله مسرحية "الحسين ثائرا"، ومسرحية "الحسين شهيدا" و"مأساة جميلة" عن الجزائرية جميلة بوحيرد، ومسرحية "الفتى مهران"، و"النسر الأحمر"، و"أحمد عرابي"، أما في مجال التراجم الإسلامية فقد كتب محمد رسول الحرية، وعلى إمام المتقين، والفاروق عمر. كما شارك في سيناريو فيلم الرسالة بالاشتراك مع توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار. وحصل عبد الرحمن الشرقاوي على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1974 والتي منحها له الرئيس السادات، كما منحه معها وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولي.
وتوفي الشاعر والأديب والصحفي عبد الرحمن الشرقاوي في 10 نوفمبر عام 1987 عن عمر ناهز 67 عاما، ويمتاز أدب الشرقاوي رغم تنوعه بالإخلاص والإصالة والجدة في تعبير عن العواطف والحقائق. وقدم الشرقاوى العديد من الأشكال الأدبية فى مجال القصة والرواية والمسرح والمسرحية الشعرية والكتابات الدينية والمقالات الأدبية والنقدية، وكان همه الأول هو الدفاع عن الحق والحقيقة وعن الإنسان وعن الشخصية المصرية .
وكتب عبد الرحمن الشرقاوي واحدة من أبدع و أكبر الأعمال الدرامية الروائية "الأرض" من حيث الأحداث والإسقاطات و المشاهد الملحمية، ثم قام المخرج المبدع الراحل " يوسف شاهين " بتحويلها لعمل فني سينمائي، ويحكي الفيلم عن معاناة أهل إحدى القرى من القهر والفقر في ظل نظام الإقطاع، والجشع الموحش لأطماع بعض ملاك الأراضي الزراعية في عهد الملكية. وعن مأساة "محمد أبو سويلم " الفلاح البسيط الذي سيقطتع الطريق الجديد جزء كبير من أرضه، ويجعلها غير صالحة للزراعة مما سيدمر حياته وحياة أسرته، و سجل عبد الرحمن الشرقاوي قطعا حوارية صارت تدرس في معاهد السينما العربية.
كما شارك عبد الرحمن الشرقاوي في كتابة سيناريو و حوار الفيلم التاريخي العظيم "الرسالة" الذي أخرجه المخرج المبدع الراحل " مصطفى العقاد "، والذي يحكي عن الدعوة الإسلامية و تبليغ الرسالة في مرحلة " صدر الإسلام "، و انتشار الرسالة بعد وفاة الرسول الكريم.
وشارك الشرقاوى كبار الكتاب في كتابة هذا الفيلم ومنهم توفيق الحكيم، وعبد الحميد جودة السحار، ومصطفى العقاد، وهاري كريج، ومحمد على ماهر، ومحمد ناصر السنعوسي، وهذا العمل قدم في نسختين، إحداهما عربية بطولة الفنان الراحل "عبد الله غيث"، وأخرى بالإنجليزية للمبدع الراحل "أنتوني كوين".
وارتبط اسم الشاعر المسرحي الكبير عبد الرحمن الشرقاوي بالكتابة الدينية وذاع صيت مسرحيتيه الحسين ثائرا، والحسين شهيدا ليطغي علي شهرة باقي مؤلفاته الأخري، وفي ذلك قدر كبير من عدم الإنصاف لكاتب تنوع إنتاجه وتميزت أعماله بعمق التحليل وقوة الأسلوب، بالإضافة لاهتمامه بعنصر الحركة علي خشبة المسرح..
فلم يكن كأغلب سابقيه من كتاب المسرح الشعري يهتمون بالحوار فقط .. وليس يعنيهم كثيرا كيف تتحرك الشخوص علي خشبة المسرح وتكون جذابة بصريا بقدر جاذبيتها علي الورق، واهتم برسم الحركة على المسرح من خلال الحوار المسرحى .
وعلي الرغم من أن وطني عكا تعرض أصلا فكر المقاومة إلا أنها تقدم هذا الفكر من خلال فرجة مسرحية وإيقاع سريع مميز.. وترك عبد الشرقاوي كنزا للأجيال المتعاقبة والمهتمة بشان المسرح، ومن ضمن تلك الكنوز مسرحية "الأسير" عن المقاومة الشعبية لحملة لويس التاسع و"مأساة جميلة" والتي أخرجها الفنان حمدي غيث علي المسرح القومي في عام 1962 ولعب بطولتها مع شفيق نور الدين ومحمد السبع ومحسنة توفيق وعايدة عبدالجواد وعبد الله غيث وصلاح سرحان.
كذلك قدم الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوى مسرحية الفتي مهران التي عرضها المسرح القومي أيضا في عام 1966 وأخرجها الفنان كرم مطاوع وتقاسم بطولتها سميحة أيوب وعبد الله غيث وشفيق نور الدين وعبد الرحمن أبو زهرة وعبدالسلام محمد وأحمد الجزيري. كما قدم مسرحية شعرية عن القديسة كاترين بعنوان "سانت كاترين" وتحكي عن المقاومة المسيحية أثناء الاحتلال الروماني لمصر. فضلا عن رائعتيه الحسين ثائرا والحسين شهيدا.
وأطلقوا عليه في فرنسا "فيكتور هوجو.. العربي" لعطائه الرائد والمتميز في كل مجالات الثقافة والفنون.. وعرض عليه الرئيس الراحل السادات رئاسة تحرير الأهرام، ولكنه رفض كما رفض أيضا ترشيحه كوزير للثقافة، وكان دائما يقول إنه يملك قلمه وإن هذا القلم يجعله في مركز يفوق أي مركز إداري آخر.. وحينما تولي رئاسة مجلس إدارة روز اليوسف كان ذلك بطلب من الرئيس السادات نفسه واشترط الشرقاوي عليه أن يكتب ما يريد ووافقه السادات حتي أنه كان يستشهد بما يكتبه لدي رؤساء الدول العربية علي حرية الصحافة في مصر، ولكن السادات أراد أن يقيد حرية عبدالرحمن الشرقاوي بعض الشيء.. فطلب من ممدوح سالم رئيس الوزراء أن يفصل بعض المحررين في روز اليوسف بعد موقفهم من أحداث 17 و 18 من يناير فكتب الشرقاوي استقالته قبل أن يغادر مكتب رئيس الوزراء وقال: أنا أستقيل وليس أحد غيري.
ولعل عدم حصول الشرقاوي علي ما يستحق من شهرة وتكريم مرجعه إلي شدة تواضع الرجل وعدم إكتراثه بتلميع نفسه إعلاميا كما يفعل كتاب آخرون أقل منه في الموهبة والقيمة، والدليل علي ذلك ماقاله هو عن نفسه في حوار أجرته معه مجلة المسرح في عدد يوليو1966 حيث أعلن: "إنني لا أكره مسرحية من مسرحياتي ولكني لست مفتونا بأي من هذه المسرحيات.. علي العكس أشعر دائما بنواحي نقصي.. وإذا كان يجب أن أقول كلمة واحدة مختصرة فلست راضيا عما أكتب، لأنني أشعر أنني لم أعبر عما أكتب، لأنني أشعر أنني لم أعبر بعد كما ينبغي، وأحاول في كل عمل جديد أن أكمل النقص الذي اكتشفته فيما سبق، أما من ناحية العرض المسرحي وفضل هذا ليس لي وإنما للمخرج وللممثلين".
وكانت دعوته في سنواته الأخيرة:"عودوا إلي الإسلام الحق تجدوه أكثر تقدما من كل الفلسفات البشرية لكم سهرت الليالي عاكفا متبتلا في محراب الفكر الإسلامي وتحرره من الخرافات التفاسير المناهضة" ؛ هكذا كان الشرقاوي ثائرا علي نفسه وشهيدا بين أقرانه من كبار المبدعين.