حملة الإفراج عن مسرحيتى «الحسين شهيداً» و«الحسين ثائراً» لاقت استجابة لم أتوقعها من مثقفين كثيرين، تحمس بعضهم شفاهة بكلمات التشجيع والثناء، وبعضهم حوّل حماسه الشفهى إلى إجراءات عملية لها مردود على أرض الواقع، كان على رأس الفريق العملى الثانى د. هناء عبدالفتاح، الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية، وهو أكاديمى معروف بمواقفه الشجاعة ومحاولاته الجادة للارتقاء بالمسرح المصرى، أرسل لى د. هناء بأنه قرر أن يخرج مسرحية الحسين على خشبة معهد الفنون المسرحية كجزء من مقرر العام الدراسى المقبل فى قسم التمثيل والإخراج، وهذه خطوة شجاعة منه ومن مسؤولى المعهد الذين لابد أن يساندوه لأنها ليست مجرد مسرحية ولكنها موقف ثقافى يدفع بقضية التنوير والدولة المدنية غير الخاضعة لسلطة الكهنوت إلى مقدمة الصورة التى أصبحت قاتمة. هذا الموقف للدكتور هناء وغيره من المثقفين غير الراضين بأبراج العزلة العاجية مهم ومطلوب، خاصة فى مثل هذه القلعة الفنية التى تخرج لنا شباب مبدعى المسرح الذين سيحملون راية نهضة «أبوالفنون» فيما بعد، لابد لهذا الجيل الجديد أن يعرف أن الفن لا يخضع لسيطرة الكهنوت، وأن المسرح - هذا الفن المتلاحم مع الناس - لا يمكن أن يؤثر إذا كان خائفاً ومرتعشاً من أى سلطة، ولابد لنجوم المسرح الكبار أن يساهموا فى هذا الجدل الخلاق ويشاركوا هذا الشباب ولو بأدوار شرفية فى هذا العرض المرتقب، ولابد لفرق قصور الثقافة أن تحتضن هذا العرض الذى لابد أن يحضره كل المهتمين بمستقبل هذا البلد وضرورة إخراجه من كهف خفافيش الظلام، ولابد للعرض أن يستمر لمدة أيام أو أسابيع حتى يتسنى للجميع أن يشاهد مدى زيف ومبالغة من منعونا من مشاهدة هذه الدرة الفنية الرائعة، وأوهمونا بأن الفتنة مقبلة، والخطر آت إذا عرضت تلك المسرحية الملعونة. «أتعرف ما معنى الكلمة، مفتاح الجنة فى كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة لو تعرف حرمه، زاد مذخور، الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى، الكلمة فرقان بين نبى وبغى، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة»، كلمات خالدة قالها الحسين فى مسرحية الشرقاوى فى معرض رفضه طلب الوليد بالمبايعة التى هى مجرد كلمة من وجهة نظر سليل معاوية، هذه الكلمات اعتبرها شيخ الأزهر عبدالحليم محمود ترويجاً للتشيع آنذاك، وتم دفن هذا العمل الفنى البديع فى مقبرة الخوف من الكهنوت، تطبيقاً للشعار المصرى الخالد «مَنْ خاف سَلِم». لن نخاف ولن يخاف شباب المسرحيين وشيوخهم من سلطة لا تريد الفن بل تكرهه وتمقته وتعاديه، فلسنا أقل من الكويت التى ستنتج مسلسلاً عن الإمام الحسين، ولسنا نحن الدولة التى تحتكر الإسلام، فالكويت لديها هى الأخرى إسلام بل لديها تيار سلفى قوى ومرعب وخلافات سنية شيعية معقدة، وبالرغم من ذلك أدركوا أن الفن الذى علمته مصر لهم، خاصة المسرح الذى أنشأه هناك زكى طليمات وسعد أردش، هو طوق النجاة لعقل غيّبته الخرافة زمناً طويلاً، فهل جاء وقت رد الجميل لتعلمنا الكويت ما هو الفن؟!.. سؤال مخجل ومحزن.