"الحسين ثائرا وشهيدا" هو عنوان العمل المسرحي الذي كتبه الراحل عبد الرحمن الشرقاوي في جزئين والذي ما أن يتم طرحه حتي يحدث حالة من الجدل بين علماء الدين والفنانين والمثقفين حيث سبق وتم رفض العمل مرتين الأولي عندما أخرجه الفنان كرم مطاوع للمسرح في ستينيات القرن الماضي وتم إغلاقه يوم الإفتتاح، والمرة الثانية في الثمانينيات عندما أراد الفنان جلال الشرقاوي إخراج نفس النص ورفضه الأزهر أيضا وها هي المرة الثالثة التي يطرح فيها الموضوع للنقاش من جديد وحيث يستعد المخرج المسرحي مراد منير لإخراجه من بطولة الفنان نور الشريف لكنه كالعادة ينتظر موافقة الأزهر وفتوي علماء الدين الذين يرفض معظمهم تجسيد شخصية الحسين أو الصحابة أو العشرة المبشرين بالجنة دون إبداء أسباب مقنعة سألنا د. حامد أبو طالب وهو من علماء الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية فأكد علي الرأي الذي أجمع عليه علماء المجمع والأزهر قائلا: يري الأزهر الشريف رفض تمثيل الشخصيات المهمة في تاريخ العالم الإسلامي لأن تمثيل هذه الشخصيات قد يذهب بمكانتها نظرا لأن من يقوم بهذا الدور قد يكون قام من قبل بدور مجرم أو منحرف أو عاشق!! ويضيف: وهكذا تختلط المفاهيم لدي المتلقي لأنها سترتبط في أذهان المتلقين دائما الصورة الذهنية التي كونها عن الممثل الذي لعب الدور وسبق ولعب الأدوار المختلفة التي ذكرتها فلا يعقل أن يأتي نفس الشخص لتمثيل دور صحابي أو أحد من آل البيت هذا هو المحظور من وجهة نظر علماء الأزهر وفي رأيي أن هذا الرأي صائب لأنه نوع من المحافظة علي التراث والثقافة فمثلا لا يمكن أن يأتي ممثل من الغرب يتعاطي الخمر ثم أجعله يؤدي دور صحابي جليل فمن يقدم القدوة لابد أن يكون هو في الأساس قدوة ، ولكن في النهاية هذه مجرد آراء وليست مسلمات قابلة للبحث وإعادة النظر. بالطبع نرجو البحث وإعادة النظر لأن كل ما ذكره العالم الجليل مع التقدير لرأيه ورأي مجمع البحوث الإسلامية أسباب تستوجب المراجعة فإذا كان مرفوضا أن يلعب الممثل دور القدوة بشكل عام لأنه قد يكون سبق ولعب دور المنحرف أو المجرم أو العاشق علي حد قوله، فلماذا تم السماح لنور الشريف من قبل لعب دور عمر بن عبد العزيز؟!!، ولماذا تمت الموافقة لكل من فايزة كمال ومني عبد الغني بتجسيد دور السيدة نفسية؟!!، كما أنه لم يوجه لأي منهم نقد سلبي في هذه الأدوار بل علي العكس أشاد الجميع وعلي رأسهم علماء الدين بهذه الأعمال فإذا كانت هذه السياسة التي يتم علي أساسها تجسيد أدوار الشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي فلابد أن تعمم علي الجميع!! وعندما سألنا عضوًا آخر من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وهو الدكتور عبد المعطي بيومي انزعج من السؤال وقال إن الأمر عرض علي المجمع الشهر الماضي وتم رفضه من جديد وتفاصيل الرفض يسأل فيها أمين عام المجمع الدكتور علي عبد الباقي!! لكن في المقابل كان هناك رأي أزهري مترفق وهو رأي الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر حيث قالت مؤكدة: الأزهر الشريف له رأي يحترم فهم يرون أنه لا يصح أن يتم تجسيد هذه الشخصيات بغض النظر عن اسم المرشح، شخص قد يتناول الخمر أو المخدرات في أعمال فنية أخري وهذه وجهة نظرهم ، لكنني علي الجانب الآخر أري أن تجسيد مثل هذه الشخصيات في اعمال فنية أمر مفيد للغاية لأن في تجسيدها لجيل اليوم ما يقوي العقيدة ويبعث الهمم كما أنها ستكون محاولة لبعث الثقافة الإسلامية القديمة بداخلهم خاصة أن آل البيت والصحابة ليسوا معصومين من الخطأ فأنا أوافق الأزهر فقط في عدم تمثيل أصحاب العصمة وهم الأنبياء فلا يصح تجسيدهم لأن لديهم عصمة إلهية أما الآخرين فليست لديهم هذه العصمة لذلك لا أري أزمة في تجسيد شخصياتهم وعلي العكس أري أنها ستكون أعمالا مفيدة وذات قيمة حقيقية. وعن رأي مجمع البحوث الإسلامية، قال المخرج مراد منير: أعدهم بأنني سوف آتي بفنان لم يسبق له أن قام بدور منحرف أو مجرم، فهل إذا فعلت ذلك سيسمح لي «الأزهر بتقديم العرض»؟!، بالطبع لن نسيء لشخصية سيدنا الحسين، لأن مقصدنا في الأساس هو تقديم نموذج عظيم للتضحية لابد أن يقتدي به الجميع. علي جانب آخر أكد أشرف زكي رئيس قطاع الإنتاج الثقافي والمشرف علي البيت الفني للمسرح أنه لم يتقدم بالمسرحية حتي الآن إلي الأزهر هذا العمل يعتبر تحفة من تراث المسرح المصري، ويقدم قيمة كبيرة، ونرجو جميعاً أن يتغير موقف الأزهر وعلماء الدين تجاهها. أما الدكتور حسن عطية الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية فكان له رأي آخر فهو رغم تأييده لتجسيد شخصية الحسين لكنه طرح تساؤلاً : ما هو المبرر لإعادة طرح قضية مسرحية رفضت مرتين من قبل؟!! ، في تصوري أن هذا الطرح هو مجرد معركة مفتعلة مع المؤسسة الدينية فلماذا نعيد هذا التصادم من جديد والنتيجة في الغالب معروفة أنه سيتم رفض العمل لأنه سبق ورفض من قبل، خاصة ونحن اليوم نعيش في مجتمع أكثر تشددا في النواحي الدينية وقد لا يتم تقبل هذه النوعية من الأعمال بسهولة فهنا سندخل ليس فقط في تصادم مع المؤسسة الرسمية وإنما مع المؤسسات الدينية غير الرسمية وسيخلق نوعًا من الجدل نحن في غني عنه الآن . ويضيف: إلي جانب ذلك المسرحية مليئة بالأشعار الغنائية وكرم مطاوع عندما قدمها اختزل منها الكثير وكانت مدة عرضها ثلاث ساعات كاملة أيضا شخصية الحسين بالمسرحية شخصية غير درامية بالمرة بمعني انها شخصية ستظهر بشكل مقدس ومنزهة عن الخطأ فهي لن تقع في الخطأ التراجيدي المعروف فما الذي يدفعنا لتقديمها خاصة ان عبد الرحمن الشرقاوي له العديد من الأعمال المسرحية المهمة مثل "الفتي مهران" فلماذا لم نقدمها أيضا لدينا في التراث المسرحي المصري اعمال أخري عديدة مثل أعمال ألفريد فرج ومحمود دياب من شأنها أن تنهض بالمسرح من كبوته وتغير من أوضاع المجتمع وسلوكه فلماذا لم ننظر إليها ثم نعيد التفكير بعدها في تقديم عمل مثل "الحسين ثائرًا وشهيدًا".