مخرج سورى من أصول فلسطينية، يؤمن بأن الفن وسيلته للتعبير عن موقفه السياسى، ولذلك اختار باسل الخطيب أن يكون مسلسله «الغالبون» منبرا للتعبير عن موقفه تجاه قضية العروبة، وتأييده لفكرة التصدى للعدوان على الأراضى العربية، والتى يرمز لها فى مسلسله بالمقاومة اللبنانية بين عامى 1982 و1985، وفى حواره معنا يؤكد الخطيب أن العمل من إنتاج قناة المنار التابعة لحزب الله ولكنه لا ينطوى على دعاية له لأنه يتعامل مع ثوابت فكرية، وليس مواقف سياسية، وقال: «لو شعرت للحظة أنه عمل دعائى لما وافقت على إخراجه». ●فى البداية ماذا تقصد من اسم «الغالبون»؟ الغالبون هم أصحاب الأرض والحق أولا فهم أناس يؤمنون بحقهم ويتمسكون بكرامتهم ويضحون بكل ما لديهم فى سبيل أن يعيشوا بكرامة وحرية، ومن يرفضون أن يكونوا ضحايا للاحتلال وبفضل مقاومتهم له وصبرهم وإيمانهم وقدرتهم على التحدى يتحولون إلى أبطال حقيقيين، وهؤلاء هم نوعية البشر الذين وصفناهم ب«الغالبون» فى المسلسل، وكانت قد قدمت نماذج لهؤلاء الأبطال من قبله فى مسلسلى «أنا القدس» و«عائد إلى حيفا». ●وكيف يصور المسلسل المعارك الكثيرة التى خاضتها المقاومة اللبنانية بين عامى 1982 و1985؟ تاريخ المقاومة الوطنية اللبنانية طويل ومشرف، فهذه المقاومة قدمت الكثير من أجل لبنان وفلسطين لذلك فإن مسلسلا واحدا لن يكون كافيا بالتأكيد للحديث عن كل شىء، خصوصا أننا نتحدث عن فترة شائكة وحساسة من تاريخ لبنان المعاصر، حيث يركز الغالبون على بداية تشكل نهجا وطنيا جديدا فى المقاومة إثر الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982، وهو نهج عفوى وشعبى، وقد جاء ضمن أطر ومبادئ مختلفة عن السائد فى الساحة اللبنانية آنذاك، ولكنه يصب فى النهاية فى الهدف ذاته، وهو تحرير لبنان وفلسطين وكل الأراضى العربية المحتلة. ●إنتاج مسلسل من خلال قناة «المنار» المملوكة لحزب الله بالإضافة إلى تناوله فكرة المقاومة اللبنانية فى الثمانينيات، يضع علامات استفهام، ألا تخشى أن يتم تصنيفه باعتباره دعاية حزبية؟ بدأت العمل فى هذا المسلسل منذ عام تقريباُ وكان موقفى واضحا منذ البداية، وأكدته من خلال المراجعة الدقيقة للسيناريو والتصوير لاحقا، فأنا إنسان أعتز بعروبتى وقوميتى وأرفض أن أضع نفسى فى أى أطر حزبية أو مذهبية، وأجد من واجبى أن أدافع عن ثقافتى وهويتى العربية العريقة من خلال أعمالى، التى تعكس موقفى الإنسانى والفكرى، من هنا قدمت أعمالا عن الزعيم جمال عبدالناصر، والشيخ مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة، وبلقيس الملكة التى سعت لوحدة اليمن، والغالبون مسلسل وطنى يتعامل مع ثوابت وقيم تاريخية وليس مع تحولات سياسية آنية. ●لماذا تتوقف أحداث المسلسل عند عام 1985 رغم أن نتائج الحرب الفعلية لم تظهر إلا عام 2000 وبعد انسحاب الإسرائيليين فى أعقاب تنكيل حزب الله بهم؟ المسلسل مكون من ثلاثة أجزاء.. الجزء الأول الذى تم تصويره وأصبح جاهزا للعرض يبدأ من اجتياح عام 1982 ومجازر صبرا وشاتيلا وينتهى عام 1985 مع انسحاب الجيش الإسرائيلى المحتل من أجزاء كبيرة من الجنوب اللبنانى وتمركزه فى المناطق الحدودية، وهذا كان فى وقته انتصارا كبيرا للمقاومة، أما الجزء الثانى لا يزال قيد الكتابة، وسيستمر حتى عام 2000 الذى شهد تحرير كامل الجنوب اللبنانى، فى حين ينتهى الجزء الثالث مع حرب يوليو عام 2006 تزامنا مع الانتصار التاريخى للمقاومة، التى أصبحت محط اعتزاز وتقدير فى الشارع العربى بجميع أطيافه وانتماءاته. ●كيف يتناول المسلسل العرب الشيعة فى ظل الأحداث التى تشهدها بعض دول الخليج؟ فى المسلسل لا أفرق بين عربى مسيحى أو عربى مسلم بغض النظر عن طائفته ومذهبه، وإن كانت هناك اختلافات فلا يجب أن تتحول إلى خلافات، فمسلسل «الغالبون» يتحدث عن لبنان بكل أطيافه، حيث نرى كيف يتوحد الجميع على اختلاف عقائدهم فى مواجهة واحدة ضد خطر واحد، وقد قدمت عام 2005 مسلسل «موكب الإباء»، الذى كان يدعو للعودة إلى أصول الرسالة المحمدية ونسيان الأحقاد من أجل إبراز الإسلام بصورته الإنسانية والحضارية. ●سوريا كان لها دور كبير فى المقاومة اللبنانية وقت الحرب.. فهل لذلك علاقة بقبولك إخراج المسلسل؟ دور سوريا فى دعم حركة المقاومة العربية واضح وثابت.. خصوصا فيما يتعلق بلبنان أو فلسطين.. وقد قدم الفن السورى أعمالا مهمة بهذا الخصوص، والفنان هو أحد أفراد المجتمع الذى يعبر بشكل أو بآخر عن المناخ المحيط به، بل إن أهم ما يميز الدراما السورية هى حالة التوافق بين مضامينها، بالتالى فإنا أنظر بجدية إلى أى عمل عربى وطنى يعرض علىّ لأنه ينسجم مع موقفى وخياراتى الفنية، وفى هذا السياق أود أن أوجه الشكر للمنتج المصرى محمد فوزى الذى أقدم على إنتاج مسلسل «ناصر» و»أنا القدس» فى هذا الزمن الصعب، فالقدسوفلسطين بصفة عامة فى وجدان الشعب المصرى. ●البعض يرى أنك تسجن أعمالك فى دائرة مغلقة مفرداتها من تاريخ المقاومة والصمود وصد العدوان فهل يمكن أن نرى لك أعمالا اجتماعية خارج هذا السياق؟ إذ لم نتعلم من دروس التاريخ سينتهى بنا المطاف إلى مزبلته.. ألا تكفينا عقودا بائسة من المفاوضات، التى لم ولن تجدى نفعا لأنها ضد العقل والمنطق، فالحقيقة التى ثبتت خلال سنوات طويلة من صراعنا مع المحتل أن المقاومة بجميع أشكالها هى التى تعيد الحق لأصحابه، ومع كل هذا نأمل فى العيش بسلام، وأنا مؤمن بمقولة المؤرخ العسكرى الرومانى القديم «إن كنت تنشد السلام.. فتهيأ للحرب». وتابع الخطيب: سألنى كثيرون عن سبب تركيزى على هذا النوع تحديدا فكنت أجيب بأن تحديات الدراما العربية المقبلة تكمن فى جدية المواضيع ومدى ملاءمتها للوضع الراهن. ●مثل هذه الأعمال التاريخية التى تحتوى على معارك تعتمد على أماكن تصوير وتوفير ميزانيات ضخمة فكيف سارت معك الأمور؟ تم تصوير المسلسل فى مواقع الأحداث الحقيقية، فالجزء الأكبر فى قرى ومدن الجنوب اللبنانى بالإضافة إلى بيروت وبعلبك والبقاع، وبالنسبة للميزانية فلا يوجد لدىّ رقم محدد ولكن الجهة المنتجة قامت بتوفير كل ما تطلبه المسلسل، الذى يعتبر الأضخم فى تاريخ الدراما اللبنانية، من حيث أهمية موضوعه، والفنانين المشاركين فيه. ●ألم تواجهك صعوبات فى تصوير العمل؟ فى المقدمة تأتى حساسية الموضوع والتى تطلبت جهودا كبيرة لتحقيق المصداقية التاريخية، خصوصا أننا نتحدث عن فترة لا تزال ماثلة بتفاصيلها فى ذاكرة الناس، ولذلك واجهنا تحديات مختلفة فى كل مشهد، وبفضل جهود الفنانين والعاملين فى المسلسل تمكنا من تجاوزها، وأذكر من الصعوبات التى واجهتنا أن الطيران الإسرائيلى كان يحلق فوق رءوسنا أثناء التصوير. ●ما الأساس الذى اعتمدت عليه فى اختيار أبطال المسلسل؟ حرصت على مشاركة الفنانين اللبنانيين بالدرجة الأولى، لأن الفنان اللبنانى لديه إمكانات وطاقات كبيرة، ولكن لم تسنح له الفرص الكافية لإثبات ذلك دراميا بسبب الظروف الصعبة، التى يمر بها البلد منذ عقود، ومن هنا يضم المسلسل مجموعة من الممثلين المهمين مثل عمار شلق، وأحمد الزين، وعبدالمجيد مجذوب وغيرهم.