فى وقت تتجه فيه رياح التغيير الشعبى العربى إلى فلسطين فيما يعرف ب«الزحف التاريخى» للعودة إلى الديار وخروج دعوات بانتفاضة ثالثة سلمية لاقتلاع شجرة الاحتلال، كان لابد للفلسطينيين أن يستعدوا لربيع الحرية بإنهاء انقسام فرض عليهم التيه أربعة أعوام. تجاهلت حركتا فتح وحماس الفلسطينيتين اعتراضات إسرائيل والولاياتالمتحدة، واتفقتا على دفن خلافاتهما أو بالأحرى إدارتها بطريقة ديمقراطية، بدلا من الحرب الأهلية، بحسب مجلة «تايم» الامريكية. حماس فازت فى آخر انتخابات برلمانية أُجريت فى يناير 2006. لكن فتح بإيعاز من إدارة بوش رفضت السماح للحركة الإسلامية بممارسة الحكم. وأدت المواجهة الناتجة عن ذلك إلى نزاع عنيف فى عام 2007 أسفر عن سيطرة مسلحى حماس على قطاع غزة، بينما أقامت فتح حكما استبداديا فى الضفة الغربية. وتتسم الخطوط العريضة للاتفاق الذى لعب دور الوسيط فيه حكام مصر ما بعد مبارك الذين قرروا الخروج على السيناريو الإسرائيلى الأمريكى بشأن حماس بالبساطة. فمن المقرر تشكيل الطرفين حكومة انتقالية، تضم شخصيات مستقلة من التكنوقراط المناط بهم الإعداد لانتخابات جديدة تُجرى فى غضون عام. ومن المقرر احتفاظ الرئيس محمود عباس بمنصبه بالرغم من انتهاء فترة حكمه، وينطبق الأمر نفسه على المجلس التشريعى «البرلمان» الذى تسيطر عليه حماس. وسوف يكون عباس مطلق اليد فى السعى إلى أى مفاوضات مع إسرائيل، بالرغم من أن عملية السلام تتعثر بشدة حتى قبل التوصل إلى الاتفاق الأخير، الذى يرى الإسرائيليون أنه يعوق المفاوضات مع عباس. ويقول قادة حماس إنهم لن يعارضوا إجراء مفاوضات سلام مع إسرائيل، بالرغم من شكوكهم القوية فى جدوى هذه المفاوضات. وقال رئيس المكتب السياسى لحماس، خالد مشعل، أثناء توقيع الاتفاق إن هدف الحركة هو إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق الضفة وغزة، على أن تكون عاصمتها القدس، مع إزالة المستوطنات، وعدم التنازل عن شبر واحد من الأراضى الفلسطينية، أو عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وبالرغم من أن إسرائيل قد لا تقبل بهذا الطرح كنقطة انطلاق للمفاوضات، فإنه يظل داخل إطار مفهوم الدولتين. وفيما يخص الحكومة الفلسطينيةالجديدة، أصرت حماس على ألا يحتفظ رئيس الوزراء سلام فياض المقرب من الغرب بمنصبه. وربما يلقى هذا المطلب دعما من داخل قيادة فتح نفسها التى ترى أن تعيين فياض فى هذا المنصب جاء بناء على طلب إدارة جورج بوش فى 2006، وليس استجابة لمطالب الفلسطينيين. وترى «تايم» ان القضية الأصعب تتمثل فى المعتقلين الفلسطينيين. وبالرغم من عدم إشارة الاتفاق إلى هذه القضية، أفادت الأنباء بعزم الطرفين التوصل إلى اتفاق حول إطلاق سراح سجناء فتح فى غزة، وسجناء حماس فى الضفة. لكن إطلاق سراح سجناء حماس فى الضفة يمثل مشكلة أمنية كبيرة، لأن قوات الأمن فى الضفة، التى تتلقى التدريب والتمويل من الولاياتالمتحدة، وتتلقى المساعدة من إسرائيل، تعتقل المئات من نشطاء حماس، الذين لن تقبل إسرائيل بإطلاق سراحهم، بل قد تذهب لاعتقالهم بنفسها، وهو ما قد يترتب عليه أزمة أمنية. لكن القضايا الأمنية دائما ما تعكر صفو القضايا السياسية، بحسب المجلة. فعلى سبيل المثال، يرجع سبب عدم انعقاد المجلس التشريعى إلى منع إسرائيل عددا من الأعضاء المنتمين لحماس من الذهاب إلى غزة لحضور جلسات المجلس، وهو ما يعنى عدم اكتمال النصاب القانونى للانعقاد. وقد يتطلب إجراء انتخابات ديمقراطية فى غضون عام إتاحة الحريات فى كل من غزة والضفة. وهو أمر لن تتحمله حماس ولا فتح. وحتى إذا غيَّر الطرفان طريقتهما الاستبدادية فى الحكم، فهل ستسمح إسرائيل لحماس بحرية الدعاية الانتخابية فى الضفة والقدس الشرقية؟ أعتقد أن ذلك من غير المرجح. وحتى بالرغم من اتفاق فتح وحماس، فسوف تظل السياسة الفلسطينية تعمل داخل أطر وضعها الاحتلال الإسرائيلى. وليست هذه المرة الأولى التى تتوصل فيها فتح وحماس إلى اتفاق. وفى الحقيقة، كان انهيار الاتفاق السابق الذى توسطت فيه السعودية فى فبراير 2007 هو السبب فى الصراع العنيف الذى أسفر عن سيطرة حماس على غزة. ومن الممكن انهيار هذا الاتفاق أيضا. لكن الجديد أن حسنى مبارك قد رحل، ورحل معه الاستعداد للسماح بحرب ضد حماس. فقد اجتاح الربيع العربى نظام مبارك، ولم يعد هناك قبول للقادة الذين يتعاونون مع أمريكا، ويساعدون على تحقيق مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين. ومن ثم، يدرك الغرب والعرب على نحو متزايد أن السياسات التى اتبعتها إدارة بوش، واستهدفت الإطاحة بحماس، قد فشلت. كما يدرك الطرفان أن المصالحة بينهما تلقى إجماعا لدى أغلبية أعضاء الحركتين. وعلى أية حال، بالرغم من وجود الكثير من الألغام فى الطريق، تبدو الوحدة الفلسطينية تسير فى طريق جديد، يدور خارج الفلك الأمريكى. إذَن، فإن «عملية السلام» التى نعرفها قد ماتت، وتغيرت قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط. ولا يعنى ذلك أنه لن يكون هناك سلام، لكنه يعنى أن السلام قد يتطلب شروطا مختلفة.