لا تصدقوا أى مسئول يقول إن هناك نية للبدء فى خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح.. هم لا يريدون زراعة القمح فى الأرض لكنهم يمارسون زراعته نظريا على أوراق الصحف وشاشات الفضائيات.. وكل الكلام عن التوسع فى زراعته ليس إلا أضغاث تصريحات زائفة لزوم امتصاص الغضب والضحك على الذقون. فى البداية قالوا إن التوسع فى زراعة القمح خطر لأنه سيعرض ثروة مصر المائية للخطر، وعندما انكشفت الكذبة وقال العلماء الثقات إن القمح أكثر المحاصيل اعتدالا فى استهلاك المياه، عادوا وقالوا إن زيادة مساحة القمح ستضر بزراعة البرسيم ومن ثم ستكون حقوق الحمير والماشية فى خطر. ومع تصاعد الغضب الشعبى من الإصرار على ألا تملك مصر رغيف خبزها، ومع دخول مولد الانتخابات ولمغازلة الفلاح المصرى أعلن وزير الزراعة عقب اجتماع برئاسة الرئيس مبارك أن برنامجا سينفذ لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح بنسبة 80% بحلول عام 2017، قلنا خير.. الجماعة عادوا إلى الحق واكتشفوا خطأ نظرية الاستيراد التام أو الموت الزؤام. غير أن الأيام أثبتت أن كل ذلك لم يكون سوى تصريحات وردية تفتقر إلى الإرادة السياسية وإلى الرغبة الحقيقية فى التوسع بزراعة القمح، باعتبار ذلك حلما قوميا ومطلبا شعبيا ترددت أصداؤه فى كل مكان، بعد إعلان روسيا إيقاف صادراتها من القمح إلى مصر. وعمليا لم يبق على ضياع فرصة زراعة القمح هذا العام إلا 17 يوما فقط، إذ إن تقاوى القمح لا تصلح للزراعة بعد 28 نوفمبر، وهذا التاريخ كما تحفظه ذاكرة الفلاحين بالتجربة والفطرة هو نهاية شهر هاتور حسب التقويم المصرى القديم، حتى إن المثل الشعبى يقول «اللى يزرع بعد هاتور عمره ما يشوف سرور».. وحتى هذه اللحظة يعانى الفلاح المصرى الأمرين بحثا عن تقاوى القمح التى اختفت من الأسواق بفعل فاعل هو وزارة الزراعة وإن وجدت فهى فى السوق السوداء التى رفعت سعر الشيكارة الواحدة من مائة جنيه إلى مائتى جنيه على الأقل. هى سياسة تجفيف المنابع ذاتها، تلك التى تحكم كل شىء فى مصر من السياسة إلى الزراعة، فكما قالوا إن الترشح لانتخابات الرئاسة متاح أمام الجميع، شريطة تجاوز عقبة المادتين 76 و77 اللتين جرى تفصيلهما على مقاس شخص معين، وجعلتا ترشح أى شخص سواه أشبه بالحصول على لبن العصفور، ها هم يقولون هيا نكتفى ذاتيا من القمح، ثم يحرمون الفلاح من التقاوى.. ما رأيك فى النظام؟