هل نشترى العبد أم نربيه؟!.. أو السؤال بطريقة أخرى: هل نزرع القمح حتى لو كان بتكلفة أعلى أم نستورده حتى لو كان ثمن الاستيراد أقل أحيانا من ثمن زراعته محليا؟ السؤال ليس جديدا، ويتكرر بين فترة وأخرى عندما نواجه مشكلة مثل تلك التى نواجهها الآن بعد إيقاف روسيا لصادراتها من القمح بفعل أزمة الحرائق التى تهدد حقولها وبيئتها. هناك مدرسة ترعرعت فى مصر أيام فترة تولى يوسف والى لوزارة الزراعة تؤمن بأن شراء العبد أفضل من تربيته، ولدى أنصاره هذه المدرسة يقين لا يتزعزع بأن مصر وباعتبارها المستورد الأكبر عالميا للقمح «ما بين 7 إلى 8 ملايين طن سنويا تقريبا»، فإنها يمكنها أن تفرض شروطها على المنتجين الرئيسين وتستورد من الدولة التى تعجبها وبالشروط التى تريدها. وإضافة إلى هذا اليقين أضاف د. والى يقينا جديدا بأن أحد الحلول الرئيسية لمشكلتنا هو التوسع فى زراعة ما يسمى بالمحاصيل النقدية خصوصا الفراولة، وتصديرها عالميا واستيراد القمح. وكما لا يخفى على كثيرين فإن وضعنا الحالى أننا لا نكتفى ذاتيا من القمح إلا بنسبة 56٪ ويطمح الوزير أمين أباظة للوصول إلى نسبة 70٪ عام 2020 عبر استصلاح 1.2 مليون فدان جديدة بحيث نزرع 4 ملايين فدان بحلول عام 2017. يوسف والى كان يقول تصريحات مماثلة عن قرب تحقيق الاكتفاء الذاتى ولم يفعل شيئا، أما خلفه أحمد الليثى فقد وصل فعلا إلى نسبة اكتفاء ذاتى بلغت 70٪ ثم عدنا مرة أخرى الآن إلى الخلف لتتأرجع النسبة بين 55 و60٪. لفترة طويلة ظننت أننا نصدر فراولة بالمليارات حتى فوجئت أن حجم ما صدرناه عام 2008 ارتفع بنسبة 325٪ ليصل إلى 51 مليون دولار «مليون وليس مليارا»!.. وعام 2007 صدرنا بما قيمته 12 مليون دولار، وفى النصف الأول من عام 2009 صدرنا بما قيمته 40 مليون دولار. إذن أى فراولة أو أى محاصيل نقدية أخرى تلك التى ستسد فجوة القمح الذى تزيد قيمة ما نستورده سنويا على أكثر من 3 مليارات دولار، وفى الأزمة الأخيرة بعد وقف روسيا لصفقاتها فإننا سنتحمل فرق سعر قد يصل إلى 5 مليارات جنيه. الغريب أن الدولة تخصص 3500 جنيه لدعم طن الفراولة حتى يصل سعر الكيلو تصديرا إلى ستة دولارات ونصف الدولار، وأكثر الشركات المستفيدة من هذا الإهدار هى شركات رجلى الأعمال ش مغربى وع دياب. القضية باختصار أن السادة أصحاب نظرية الفراولة لا يريدون تصديق أن العرض والطلب ليس هو المعيار الحاكم دائما فى بعض السلع الإستراتيجية خصوصا فى أوقات الأزمات. كثير من المحلليين قالوا إن أحد أسباب غزو أمريكا للعراق هو العمل على رفع أسعار البترول كى ترتفع تكلفة النمو على الاقتصادات الأوروبية والصينية والهندية، ثم إن أمريكا استخدمت سلاح القمح ضدنا فى نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات. هناك أسئلة بسيطة لا يستطيع أصحاب حزب الفراولة أن يجيبوا عنها، منها ماذا سنفعل فى حالة حدوث أزمات مناخية قد تتكرر على غرار الأزمة الأخيرة فى روسيا، وماذا لو تحالفت دولتان أو أكثر للتأثير على سوق القمح العالمية. فى بلد مثل مصر، يستطيع كل المواطنين الاستغناء عن حبة الفراولة، لكنهم لا يستطيعون ذلك مع حبة القمح ورغيف الخبز.. وعندما يكون المخزون الاستراتيجى من القمح لا يتجاوز 3 أشهر، فالمعنى الوحيد أن أمننا القومى فى خطر كبير. علينا ألا نيأس ليس فقط من المطالبة بتربية العبد وليس شراءه مهما كانت التكلفة بل بتحرير العبد ليصبح حرا بحيث نكفى ذاتيا من القمح.